كامل النجار
في البدء أتقدم بالشكر لكل من قرأ المقال ولكل من علق عليه. وبما أن التعليقات فاقت الثلاثمائة وخمسين تعليقاً، فلا يمكنني الرد عليها جميعاً، ولذا سوف أركز على الإسلاميَيَن -أبوريان الدبعي وعصام. وأود أن أشكر السيدة/ الآنسة نرمين عياد على أسئلتها العديدة التي كشفت مستوى تفكير الإسلاميَيَن. السيدة نرمين – بعد مداخلاتها الأولى غير الموفقة عن الإعجاز العددي – أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن العقل إذا تخلص من سلاسل القيود الدينية يمكنه أن يحلق بعيداً في مجال حرية التفكير، كما يمكنه الوصول إلى إلى كشف الحقيقة رغم طبقات الصدأ العديدة التي خلفتها لنا قرون الرضوخ إلى الأساطير الصدئة. وأود هنا أن أهنيء السيدة نرمين على سعة إطلاعها في الإرث الإسلامي الأسطوري، وعلى إلمامها العميق بتناقضات القرون العديدة.
أما السيد أبوريان لم يخرج في تعليقاته عن نمط الشيوخ الذي تعودنا عليه، فهو مثلاً يقول لي: ((دكتور النجار أنت تقول بان الفيلسوف الإنكليزي بيرتراند رسل قد قال عندما سألوه نفس السؤال: (سأقول للإله إنك منحتني عقلاً أفكر به ولكنك لم تمنحني ما يكفي من الأدلة على وجودك، فلم يقتنع عقلي بك)وهذا هو ردك أنت ايضاً للأله حين ياتي لمسألتك ،هذا إن كان هنالك إله بحسب زعمك وزعم الفيلسوف ،لكن تعال لنكن جهلاء وأميين لبعض الوقت وليس فلاسفة ، لنفرض أن الأله رفض حجتك وقال لك أنا السيد اليوم وأنا الملك فسادخلك جهنم جزاء لمافعلت ،بصرف النظر عن كونه عادلا ً أو غير ذلك فالمسألة محسومة عنده بأنك للنارلامحالة كانت لديك حجة أولم تكن ، فبماذا سترد اوكيف ستتعامل مع الموقف ؟؟هل ستتغلب عليه بعقلك الذي أوصلك إلى هذا ؟وإن كنت لأظن أن عقلك ليس عقلا ً بل هوى ً وجحود،هوى ً يتلاعب بك)) انتهى
أولاً أنا لم أزعم بأني فيلسوف، ولكني أؤكد له أني لست أمياً مثل شيوخه، فإن أراد هو أن يزعم أنه فيلسوف، فهذا شأنه، أما قوله (لكن تعال لنكن جهلاء وأميين لبعض الوقت)، قول لا يعكس الحقيقة إذ يدل على أن السيد أبا ريان قد تمكن من العلم ويريد أن ينتحل شخصية الجاهل لبعض الوقت، بينما أسلوب ومحتوى حواره لا يعكس ذلك العلم. أما إلهه الذي سوف يقول لي بأني سوف أدخل النار بغض النظر عن حجتي لأن المسألة محسومة عنده، فإن هذا لا يدعو إلى الاستغراب لأن رب القرآن قد قال (ولو شيئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (السجدة 13). فهو قد قرر مسبقا أنه لا بد أن يملأ جهنم من الانس والجن. فهو الديكتاتور الذي تعلم منه صدام حسين والقذافي ومبارك. وإذا كان السيد ابوريان يعتبر عقلي ليس عقلاً بل هوًى، فهذا كذلك شأنه ولن أنزل بمستوى عقلي إلى مستوى عقله.
يقول السيد أبوريان في تعقيبه رقم 145 (كما أنني أريد أن أضيف نقطة هامة وهي التي أنت تركز عليها دايما ً وهي ، أن البعض لايعبد الله إلا خوفا ً من عقابه أو طمعا ً فيما عنده / وهناك من يعبده أفتراضا َ وأحتياطا ً ، كما أنه يوجد من يعبد الله حبا ً فيه كونه خالقه وموجده وأنه قد اختاره هو ورشحه من بين تلك الملايين من الحيوانات المنوية ليكون مشروع خلق وإنسان يظهر لعالم المادة والوجود ، وهولاء هم العباد الأحرار) انتهى. ربما لا يعلم السيد أبوريان أن الفرس يقذف أضعاف ما يقذفه الرجل من حيوانات منوية ولا يصل إلى بويضة الأنثى غير حيوان منوي واحد، فهل الحصان الناتج من هذا الاختيار هو حصان حر يعبد الله الذي يقول في القرآن (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون) (آل عمران). الله لا يختار الحيوان المنوي الذي يصل إلى البويضة. الحيوانات المنوية تتسابق نحو البويضة بسبب عملية كيماوية تُسمى chemotaxis والحيوان الأسرع والأقوي يصل إلى البويضة قبل الملايين الأخرى التي تموت. وهذا يدل على أن الخالق، إن وُجد، لم يُحسن الخلق ولا يقتصد فيما يخلق. ثم أننا الآن نمتلك آلاف البنوك لتخزين الحيوانات المنوية التي يتبرع بها الرجال، والطبيب يستطيع أن يفحص تلك الحيوانات ويختار ما يراه الأنسب ثم يزرعه في رحم المرأة، دون أي تدخل من الله أو ملائكته أو رسله. ثم من هم الذين يعبدون الله حباً فيه والقرآن يقول لنا في وصف المؤمنين:
والذين هم من عذاب ربهم مشفقون (المعارج 27)
إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا (الإنسان 10)
يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا (الإنسان 7)
إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا (الإنسان 10)
هو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً ( الرعد 12). أما الكفار فيقول عنهم (إنا اعتدنا للكافرين سلاسلاً وأغلالاً وسعيرا) (الإنسان 4). فواضح أن الخوف من ذلك اليوم الرهيب هو سبب إيمان المؤمنين وليس حباً في الله.
يقول أبوريان في نفس التعليق (إن العقل حين خلقه الله أدرك أن له خالق لكن لم يستطع إدراكه بذاته الناقصة فشهد لله بالوحدانية والكمال). أي عقل يتحدث عنه أبوريان؟ آدم عندما خلقه الله حسب مفهوم القرآن، لم يكن له عقل، بل كان له دماغ فقط. العقل هو الفكر والتجارب التي نختزنها على مر السنين. وآدم لم يكن يعرف شيئاً ولذلك علّمه الله الأسماء. وحتى عقل آدم الضئيل في ذلك الوقت لم يشهد لله بالوحدانية بدليل أنه لم يستمع لما أمره به واستمع إلى ما قاله له إبليس وعصي ربه. العقل المعاصر المطلع لا يشهد لله بالوحدانية ولا يشهد حتى بوجوده. أنا أستطيع أن أؤكد لك أن عقلي لا يشهد لله بالوحدانية وكذلك لا يشهد له عقل استيفين هوكنز ولا عقل ريتشارد دوكنز ولا عقول كثير من قراء الحوار المتمدن.
يقول السيد أبوحيان في التعليق رقم 167 (دعنا من كل الأنبياء والرسل والكتب السماوية وغير السماوية ، ولنرحل أنا وأنت في رحلة فكرية بسيطة في عالم الإنسان وجسده المعقد وكذلك التركيب الدقيق لهذا الكون الواسع الذي لانعلم منه إلا قطرة من بحر بل من محيط ، ولنبحر أيضا ً في تلك اللا مرئيات والتي نعترف بها ونقر بوجودها رغم عدم رويتنا لها كالجاذبية والذبذبات والأكسجين ،وإن للأكسجين وحده لوقفة تستحق الأكبار كونه أتى من أجل كل كائن حي بل ربما غير الحي ، هذا التركيب وهذا النسق وهذا التوافق كتوافق الرجل والمراة والاتصال الذي ينتج عنه بقاء النوع ، هل كل هذا ليس له موجد أو خالق ؟؟؟سمه ماشئت إله ، رب ،خالق ، واجب الوجود ، علة العلل ، العقل الكلي ، الأول ،الآزل ، القديم ، ،المهم أنك تعترف في نهاية تفكيرك وبحثك بمكون لهذا التكوين وأنه لم ياتي هكذا صدفة رغم أن الصدفة ذاتها هي ذات لابد لها من مكون وموجد) انتهى.
أبوريان هنا يتحدث عن موضوع ناقشناه من قبل وقلنا إن الجاذبية والكهرباء رغم أننا لا نراهما لكنا متأكدون من وجودهما لأننا نستطيع أن نقيسهما، ونرى مفعولهما في تجاربنا ، بل نستطيع أن نصنّعهما في المختبر. ولكن هل نستطيع قياس أو مفعول الملائكة أو الجن أو الله؟ هناك فرق كبير بين اللامرئيات الحقيقية مثل الجاذبية والكهرباء وبين اللامرئيات الأسطورية مثل الخالق والجن. أما الصدفة فليست فليست ذات وليس لها خالق. الصدفة عملية حسابية نستطيع أن نحسب احتمالات حدوثها بتطبيق قانون حسابي. فمثلاً إذا عرفنا عدد الذين اشتروا تذاكر يانصيب في أسبوع معين، نستطيع أن نحسب احتمال فوز أي مشتري بالجائزة. وهذا القانون أو formula اخترعها المتخصصون في الرياضيات. فليس هناك أي خالق للصدفة
يستمر أبوريان فيقول في تعقيبه رقم 168 (ولما كانت العصور المتأخرة أستخدم الرب وسائل أخرى منها ،(المؤمنين المجاهدين في سبيله ،إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)،،وليس الإرعابيين الذين نراهم اليوم من أندسوا بين جند الله وأنتحلوا شخصياتهم) فأعطاهم الرب الفرصة للفوز برضاه عن طريق الجهاد والقصاص ممن ينكرون فضله وربوبيته وألوهيته ، وهي أيضا ً من وسائله ، لانك لونظرت إلى الجهاد وقتال الكفار والمعتدين لوجدته لم يصرح به في بداية الخلق البشري وكذلك في بداية البعثة النبوية لمحمد ، وبهذا أعطى الله المؤمنين الفرصة لينالوا رضاه والفوز بجنته وإحسانه على أن يكونوا يده التي تفتك بالخارجين عن سلطته ونظامه وقوانينه ،وبهذا أخذ القصاص الإلهي من الخارجين عن نظامه منحا ً آخر بعد أن كان مقتصرا ً على الوسائل المسخرة الطبيعية المسيرة وذلك بمشاركة المُخير الحر (الإنسان )في هذا الأمر فهو الخليفة للرب) انتهى.
أين هذا الإله الخرافي الذي استرجل على قوم لوط فخسف بهم الأرض، وعلى قوم ثمود وعاد وأهلكهم بالصيحة أو بالريح العاتية؟ لماذا أصبح الآن بعد أن انتشر العلم وعرفنا ضعفه، يشتري من المؤمنين أنفسهم ليقاتلوا في سبيله؟ أين ملائكته الذين كان يرسلهم في بدر وفي غيرها من المواقع لتهزم المشركين؟ هل انقرضت الملائكة ولم تعد قادرة على قتل الكفار؟ ثم أن هذا الإله يقول لنا إنه إذا أراد شيئاً فيقول له كن، فيكون، فلماذا لا يقول للكفار “موتوا” فيموتون، بدل أن يشتري من المؤمنين أنفسهم ليقتلوا الكفار؟ ثم لماذا يستأجر الله المؤمنين ليقتلوا الكافرين وهو كان قد قال لنا في قرآنه (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره) (فاطر 39). وهذا يعني أن الكافر عليه كفره وسوف يحاسبه الله يوم القيامة، فلماذا يستأجر المؤمنين ليقتلوه ثم يحاسبه في الآخرة، وكل ذلك لأنه لم يسجد لهذا الرب الديكتاتور الظالم. ثم أن كلمة “خليفة” في اللغة العربية تعني الشخص الذي يخلف الحاكم أو المالك بعد موته كما خلف أبوبكر محمد. فلماذا يجعلنا الله خلائف في الأرض وهي أرضه، هل مات هو أو اختفى حتى نخلفه. وإذا كان الله يقتل الخارجين عن سلطته بأيدي المؤمنين، لماذا لم يقتل إبليس الذي كان أول من خرج عن سلطته؟
ثم يدخلنا السيد أبوريان في سفسطة لا طائل من ورائها، فيقول عن آدم في تعليقه رقم 232 (إن الله أصطفى آدم…الخ ) والإصطفاء لايكون إلا من بين مجموعة ؟؟؟!!!نعم ستتعجب لهذا وستقول أن هذا القول لم يقل به أحد ، وأنا أقول لك بل قال به المسعودي وبعضا ً من الصحابة وقال به عبدالصبور شاهين وقال به الكثيرون من العقلاء ولكن لم يُسمع لقولهم لأنهم خالفوا أقوال المتقدمين من اصحاب الأديان التي لاتستند إلى دليل قوي من الكتاب أو من السنة أو العقل ، ومن هذه الفكرة يتضح لنا جليا ً أن آدم كان نبيا ً على قومه الذي كان منهم ،ومن هذا القول نخرج بفكرة جديدة من نتايجها أن البشر وسلالتهم لم تأتي من أخوين كما يروج علماء الجهل لهذا ،لأن الله أعظم من أن يجعل مبداء التناسل من أخوين ، ولكي تستوعب الفكرة كاملة عليك بقراءة نظرية أسمها (آذان الأنعام )وأما الجنة فهي جنة سخرها الله لآدم فيها كل مايريده هو وزوجه ومن معه على الأرض …. نعم ومن معه فقد كانوا مجموعة وليس زوجان فقط كما يقال والدلايل في هذا والشواهد كثيرة ، كقوله تعالى ، أهبطوا منها جميعا ً) انتهى
أولاً: الشخص الذي يحاور في موقع الحوار المتمدن عليه أن يعطينا المصادر التي أخذ عنها معلوماته، ويذكر لنا اسم الكتاب والصفحة وتاريخ طباعة الكتاب، ولا يكتفي بأن يقول لنا قد ذكره المسعودي أو عبد الصبور شاهين. وثانياً: القرآن الذي يدافع عنه أبوريان يقول (إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين. قال يا إبليس ما منعك ألا تسجد لما خلقت بيديّ أستكبرت أم كنت من العالين. قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال فاخرج منها إنك رجيم. ,ان عليك لعنتي إلى يوم الدين) (ص 71-78). فالآية هنا واضحة وضوح الشمس، وهي تتحدث عن شخص واحد خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه وأمر ملائكته أن تسجد له. ثم زادنا القرآن توكيداً، فقال (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى. فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى. إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى. فوسوس له الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) (طه 116-120). فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة، فهل هذه اللغة تعني أن آدم كان شعباً كاملاً وخاطبه ربه بصيغة المثنى؟ إذا كان الأمر كذلك فإن رب القرآن حتماً يعاني من ضعف في اللغة العربية، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن المتسفسكين من أمثال المسعودي وعبد الصبور شاهين عليهم أن يخرصوا قبل أن تفقد اللغة العربية معانيها.
ةقد زاد السيد أبوريان في امتهان عقولنا وعاملنا كما أننا باكستانيون أو هنود لا نفهم اللغة العربية، فقال في تعقيبه 233 (وقوله بدت لهما سوأتهما وسواتهما ليس مثنى بل جمع مثنى ، وقوله ،فأما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلاخوف عليهم ….الخ ) وهذه تفيد الجمع ، وأريد هنا أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن آدم كان أسم جنس وفرد معا ً وليس أسم فرد فقط كقولنا مثلا ً الخيل، فهي للواحد وللمجموعة) انتهى
أهل النحو في اللغة العربية يقولون إن هناك جمع مذكر سالم، وجمع مؤنث سالم، وجمع تكسير ولم أسمع قط بجمع مثنى. وكامة مثنى تعني اثنان، فكيف يكون للاثنين جمع؟ هل يعني السيد أبوريان أن الاثنين تجمع فتصبح أربعة؟ وعندما قال القرآن (فإما يأتينكم مني هدًى) كان رب القرآن يتحدث عن آدم وحواء وذريتهما بعد أن يتكاثروا.
أمتفي بهذا القدر في تعقيبي على السيد أبوريان، وسوف أعقّب في المقال القادم على ردود السيد عصام التي بلغت شأواً من التلاعب بالألفاظ لم يسبقه عليه أحد. كامل النجار (مفكر حر)؟