حوارات في اللاهوت المسيحي 4 صورة الرب في الكتاب المقدس

jaafarelhakimالمتتبع لنصوص الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد,سيلاحظ وبسهولة, تناقض وتضارب غير مفهوم في صورة الرب الإله
المعبود والتي حاول كتبة النصوص رسم معالمها في الكتاب, فبالاضافة الى التناقض في صورة الرب ما بين العهد القديم والجديد نجد كذلك تفاوت في الصورة في نصوص العهد القديم بشكل مستقل , وتفاوت آخر في نصوص الأناجيل فيما بينها كعهد جديد.

هذا التضارب في رسم صورة الرب في النصوص سببه اختلاف وتعدد كتبة تلك النصوص لذلك نجد كل كاتب يضيف التصور الشخصي
لصورة الرب حسب مستوى إدراكه و سريالية خياله وتجربته الإيمانية وقدرته البلاغية في رسم الصورة التي يعتقدها للرب المعبود!
مع ملاحظة الفارق الكبير بين ما سطره كتبة العهد القديم( اليهود) عن صورة الرب,وبين تصوير كتبة الأناجيل ( خصوم
اليهود) للرب في نسخته المحدثة .
ففي الوقت الذي نجد فيه رب العهد القديم إله غضوب منتقم مدمر يتصرف كأنه زعيم قبيلة بدوية يهودية يقود الجنود (رب
الجنود) لحروب ابادة جماعية ضد الخصوم, تختفي هذه الصورة القاسية للرب في نصوص الأناجيل لتحل محلها صورة (حنونة) للرب الحاني العطوف الذي يفيض بمحبته على الذين يصدقون بألوهيته عندما قرر أن يخوض تجربة العيش كإنسان واصبح إلها متجسدا.

في العهد القديم ورغم إيمان اليهود بربوبية الله الواحد المحتجب المتعالي, الا اننا نلاحظ ان الذين كتبوا النصوص
لم يستطيعوا التخلص من شوائب الوثنية في التشخيص والتجسيم عندما أرادوا وصف صورة الرب, فرغم الإشارة الواضحة في النصوص إلى استحالة رؤية الرب المحتجب
(حقا أنت إله محتجب، يا إله إسرائيل) إشعياء 45/5
(وَقَالَ:
لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَرَانِي وَيَعِيشُ) خروج 33-20
مع ذلك نجد الذين كتبوا النصوص عادوا وناقضوا انفسهم في نص آخر يشير إلى رؤية موسى وقومه للرب الذي قابلوه على الجبل والذي رفض أن يمد يده ليصافح
شيوخ بني إسرائيل !!
(لما صعد موسى وهارون وناراب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل رأوا إله إسرائيل، وتحت رجليه حلية من العقيق
الأزرق الشفاف، كالسماء في النقاء، ولكنه لم يمد يده إلى أشراف إسرائيل) خروج 24/9 – 11

بالانتقال الى نصوص أخرى نجد كاتب سفر دانيال يرسم لنا صورة للرب وكأنه شيخ كبير بشعر ابيض كالصوف!
(وَجَلَسَ
الْقَدِيمُ الأَيَّامِ. لِبَاسُهُ أَبْيَضُ كَالثَّلْجِ، وَشَعْرُ رَأْسِهِ كَالصُّوفِ النَّقِيِّ، وَعَرْشُهُ لَهِيبُ نَارٍ) دانيال 9:7

بينما يصوره لنا كاتب المزمور 18 في الآية الثامنة وكأنه( تنين) الدخان يخرج من أنفه والنار من فمه!
(صعد دخان من أنفه، ونار من فمه أكلت. جمر اشتعلت منه)
اما إشعيا فقد صور لنا الرب في سفره, بشفتين ولسان كأنه نار تأكل كل شئ!
(غضبه مشتعل والحريق عظيم. شفتاه ممتلئتان سخطا، ولسانه كنار آكلة) اشعيا 30

لقد أدى تعلق كتبة نصوص الكتاب المقدس برواسب الوثنية وعبادة الآلهة المتجسدة إلى طغيان هذه الملامح على صورة الرب التي حاولوا رسمها في نصوصهم,
فنجد الرب يتمشى (كالإنسان) في الجنة وهو يبحث عن آدم الذي حاول التخفي خلف أشجار الجنة ,والرب – الذي لم يعلم بفعلة آدم – يبحث عنه وينادي عليه : اين انت؟!
(وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار، فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة, فنادى الرب الإله آدم وقال
له: أين أنت) تكوين 3: 8-9
(فقال(الرب): من أعلمك أنك عريان ؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منه) تكوين 11:3

ونجد الرب في نصوص أخرى يستعمل وسيلة نقل من نوع فريد!, حيث يمتطي الرب ظهر نوع من الملائكة على هيئة طائر ووجه إنسان يسمى( الكروبيم) , يستعملها
الرب في تنقلاته!
(ركب على كروب وطار ورئي على اجنحة الريح) صومئيل الثاني 12:22
(وصلى حزقيا امام الرب وقال ايها الرب اله اسرائيل الجالس فوق الكروبيم) الملوك الثاني 15:19
وفي حال احب الرب ان يتمشى ,نجده في النصوص يتمشى على شوامخ الأرض!!
اي أن خطواته تكون حسب قمم الجبال, ربما تكون واحدة في الهملايا والأخرى في الانديز!
(فانه هوذا الرب يخرج من مكانه وينزل ويمشي على شوامخ الأرض) ميخا 3:1

وتصور لنا نصوص الكتاب المقدس الرب كأنه اله غضوب عنصري متسرع يحتاج للاستراحة والنوم! يستيقظ كأنه جبار كان مخمورا يغط في النوم!
(فاستيقظ الرب كنائم كجبار معيط من الخمر) مزمور 65:78

والرب في الكتاب المقدس يستخدم ألفاظ قميئة و اسلوب غير لائق ,كوصفه العنصري لبعض الشعوب بالمرحاض!
(الله قد تكلم بقدسه…موآب مرْحضتي، وعلى أدوم ألْقي حذائي) مزمور 60: 6-8
وفي العهد الجديد وجدنا النصوص تنسب للرب(يسوع) كوكتيل شتائمي لاتليق بانسان محترم فضلا عن إله
معبود!

وعنما تجسد الرب -حسب التوراة- كان مصارعا فاشلا في العهد القديم حين غلبه يعقوب وجعله يتوسل إليه ليطلقه!
ومحاورا فاشلا -حسب الأناجيل – حين فاجأه بيلاطس البنطي بسؤال:(ماهو الحق؟) فلم يستطع الاجابة عليه!

كذلك نجد الرب متسرع غضوب ينسى وعوده فيضطر موسى لتذكيره بوعده السابق فيتذكر الرب وعده ثم يأخذه الندم على تسرعه باتخاذ قرارات شريرة!!
(وقال الرب لموسى.. فالآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم) فكان من جواب موسى أن قال: (ارجع عن حمو غضبك،
واندم على الشر بشعبك. اذكر إبراهيم وإسحاق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك، وقلت لهم : أكثر نسلكم كنجوم السماء، وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد، فندم الرب على الشر الذي قال أنه يفعله بشعبه!!) خروج 32: 9-14

ومن المثير للاستغراب أننا نجد النص المقدس ينسب للرب أوامر مثيرة للتقزز والاشمئزاز والقرف, من قبيل أمره
لبني إسرائيل أن يأكلوا كعك الشعير مخبوزاً مع البراز!، الامر الذي اثار تعجب النبي حزقيال!,وبعد توسله للرب لصعوبة الأمر سمح له (فقط) أن يخبز كعكة الشعير مع فضلات البقر، بدلاً من غائط الإنسان!.
(وتأكل كعكا من الشعير.على الخرء الذي يخرج من الإنسان تخبزه أمام عيونهم) حزقيال 12:4
ونجد في سفر الملوك الثاني تعبيرا مماثلا على شكل أوامر مثيرة للقرف
(فقال لهم ربشاقى هل إلى سيدك واليك ارسلني سيدي لكي اتكلم بهذا الكلام أليس إلى الرجال الجالسين على السور ليأكلوا عذرتهم ويشربوا
بولهم معكم) ملوك 27:18

ونجد كذلك أوامر غريبة وعقوبات اغرب سطرها كتبة النص المقدس ونسبوها للرب, مثل أمره للنبي هوشع بالزنى!
(أول ما كلم الرب هوشع قال الرب لهوشع اذهب خذ لنفسك امرأة زنى واولاد زنى لان الارض قد زنت زنى تاركة الرب)
سفر هوشع 2:1
(وقال الرب لي اذهب ايضا احبب امرأة حبيبة صاحب وزانية كمحبة الرب لبني إسرائيل) هوشع 3:1

وكذلك اوامره لنبيه أشعيا بأن يمشي عاريا بين الناس لمدة ثلاث سنوات!
ونسبوا للرب تشريع عقوبات غريبة, كالضرب بالنعال والبصق على الوجه !
كل هذه الأمور العجيبة تؤشر لنا على السطحية الطفولية للإدراك والبدائية في تفكير كتبة نصوص العهد القديم والتي انعكست على فهمهم وايمانهم حول شكل
وماهية الرب والتي حاولوا رسمها في كتابتهم للنصوص.
اما في الاناجيل,فنجد كتبة الأناجيل لم يستطيعوا التخلص من عقدة رب العهد القديم فقرروا عمل تحديث لمفهوم الرب فجعلوا الإنسان يرتقي إلى منزلة الرب
وأعطوه الصفات الإلهية, فصار الرب متكون من الإله القديم (الاب)مع جزء جديد وهو الرب الإنسان (الابن) ولاحقا اضاف مؤسسو الديانة المسيحية جزءثالث(أقنوم) وهو الروح القدس بقرار المجمع الكنسي في القسطنطينية عام 385 م, ومنذ ذلك الوقت استقر التحديث الجديد لمفهوم الرب
على تكونه من ثلاث اقانيم
الاب, الابن, الروح القدس
فبالاضافة الى صورة الجزء القديم من الرب ( الاب) نجد النصوص تصور لنا الروح القدس وكأنه حمامة بيضاء, و(الابن) شابا يهوديا يقوم بدعوة إصلاحية
واجهها مجتمعه بالرفض والإنكار وانتهى به الأمر إلى عقوبة الموت بشكل محزن ومذل ,بعد أن أصابه العجز التام عن مقاومة مصيره المؤلم , حين هرب وتخلى عنه كل تلاميذه
لينتهي المشهد الاخير للرب (الابن) معلقا على صليب وهو يصرخ متألما ويائسا
(ايلي ..ايلي..لما شبقتاني!)….الهي الهي لماذا تركتني؟!

في الحلقة القادمة سنناقش صفات الرب في النص المقدس

د.جعفر الحكيم

About جعفر الجكيم

جعفر الجكيم 45 عام طبيب عراقي مقيم في الولايات المتحدة نيويورك- ضاحية مانهاتن ناشط في مجال المجتمع المدني وحقوق الانسان باحث في مجال مقارنة الاديان ممثل لمنظمات مجتمع مدني عراقية في الامم المتحدة بنيويورك منذ 2007 ولا زال رئيس تحرير جريدة المهاجر - ولاية اريزونا- مدينة فينكس للفترة 2005 من 2011الى لي مشاركات عديدة في برامج حوارية حول مقارنة الاديان في قناة الكرمة ارجو التفضل بقبول جزيل شكري ووافر احترامي د.جعفر الحكيم
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.