لا بد أن نبحث دائمًا عن النقاط المهمة في الظواهر البشرية الشاذة أو المنحرفة. على سبيل المثال، دونالد ترامب ومارين لوبان. هذا يدل على أن الطبيعة البشرية المريضة واحدة تقريبًا في المجتمعات المتخلفة والمجتمعات المتقدمة. تشبه ظاهرة ترامب الفاشية وحماس الأميركيين لشعاراته، مسيرة الألمان الكبرى وراء هتلر. يذكر قراء هذه الزاوية أنني أخذت ترامب على محمل الجد – والخوف – منذ اللحظة الأولى. وقلت إن المقلق هو الذين خلفه. يتكرر هذا الأمر في جميع الظواهر الشعبوية الفارغة: تهمل الناس رجال الدولة الحقيقيين وتلبي نداء الانتحار، لأن رجل الدولة والفكر لا يحرك الغرائز والعروق الموتورة.
لعل ظاهرة ترامب تعلّمنا نحن أيضًا عدم الانجرار وراء دعاة الانتحار والزعامات التي لا تنمو ولا تزدهر إلا على طحالب الغرائز والفراغ. العالم برمّته يراقب ترامب ويراقب أميركا ولا بد أن يشعر أن خطر مثل هذه الظواهر قائم في كل مكان. في استطاعة الطبع – وليس العقل – الفاشي العثور دومًا على ذريعة لتحريك الغرائز العمومية: القوميات. الدينيات. المذهبيات. الطبقيات. العنصريات. وحتى المناطقيات.
«الإسلام» اليوم هو الفوبيا الشائعة، والمهاجرون هم الخوف المنتشر، ولذلك، يجد ترامب ولوبان، في ظواهر مثل «داعش»، أول حليف انتخابي. الجماهير التي تذهب لحضور ترامب تعرف سلفًا أنه سوف يسلّيها ويشبع غرائزها ويدغدغ مخاوفها. أقلية من الناس سوف تحافظ على ولائها لأنجيلا ميركل ومواقفها العفوية من القضايا الإنسانية. في أول ظهور لترامب ألمانيٍ، سوف تتجمع الناس من حوله، لأن البشر ضعفاء النفوس «والنفس أمّارة بالسوء».
طبعًا، من المهم أن تخسر، أو أن تخسأ، ظاهرة ترامب في أميركا، لكن الأكثر أهمية الحد من مداها عندنا. وعندما نعطى حق الاختيار، لا نسارع إلى اختيار سحرة الغرائز والسذاجات. يروي المؤرخ الأميركي وليم بولك أن صديقًا سوفياتيًا رافقه في زيارة إلى مدافن لينينغراد بعد الحرب. وبعد مسافة 45 دقيقة توقف وقال له: «هناك 900 ألف بشري في هذه المدافن وحدها. يجب ألا يحدث ذلك مرة أخرى».
ليس نحن من سيقف في وجه ترامب. على الأميركيين أن يفعلوا ذلك. والفرنسيون لن يسمحوا بوصول «الجبهة الوطنية» إلى الإليزيه. وأوروبا لن تنزلق مرة أخرى إلى الجحيم الفاشي المضاعف. ولكن نحن أيضًا علينا أن ندرك أن العقلاء وحدهم بناة الأمم. سحرة الغرائز يهدمونها، لأن صوت العقل يضيع في صخب التصفيق.
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”