تقوم الصين بحملة دعاية عالمية ضد اليابان، وأحدث مثال على ذلك ما حدث في مقال شوي تيانكاي سفير الصين لدى الولايات المتحدة بتاريخ 10 يناير (كانون الثاني). لكن مقاله مخطئ، ومن الواضح أن الزعماء الصينيين أساءوا قراءة المواقف العالمية. فليست اليابان هي من يقلق منه معظم آسيا والمجتمع الدولي، بل الصين.
أولا وقبل كل شيء فإن ضريح ياسوكوني الذي ركزت عليه بكين معظم جولتها الأخيرة من المقالات ضد اليابان، هو مكان لأرواح من ضحوا بحياتهم من أجل وطنهم منذ إصلاح ميجي عام 1868. ويزور اليابانيون الضريح للصلاة على أرواح قتلى الحرب – أكثر من 2.4 مليون قتيل – وليس تمجيدا للحرب أو تشريفا أو تبريرا لعدد قليل من الدرجة الأولى من مجرمي الحرب.
زار رئيس الوزراء شينزو آبي الضريح الشهر الماضي، وكذلك ضريح شينرايشا لجميع قتلى الحرب في العالم، لتقديم عهد بسلام دائم قائم على ندمه العميق على الماضي. ومثله مثل الكثير من اليابانيين الآخرين قال إنه تمنى زيارة الضريح في تذكر صادق لمعاناة وتضحية الجنود اليابانيين وغيرهم على وجه سواء. لم يذهب لتمجيد مجرمي الحرب من الدرجة الأولى أو لإيذاء مشاعر الشعب الصيني أو الكوري.
من المهم ملاحظة أن الصين بدأت إثارة هذا الموضوع بأهداف سياسية عام 1985. وفي ذلك الوقت لم يُحتج على أكثر من 20 زيارة لرؤساء الوزراء إلى ياسوكوني، حتى بعد تكريم 14 من مجرمي الحرب من الدرجة الأولى هناك عام 1978. وعبرت الحكومة اليابانية مرارا عن أسفها العميق واعتذاراتها القلبية بالنسبة للحرب. وكذلك فعل رئيس الوزراء بعد زيارته الأخيرة إلى ياسوكوني، فقال «يجب ألا تخوض اليابان الحرب مجددا أبدا»، وكان ذلك مبنيا على «الندم الشديد على الماضي». وورث بيانات من سبقوه من رؤساء للوزراء وسيحترمها. وقبِل رئيس الوزراء آبي أحكام المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى، ولم يقل قط إن اليابان لم تقترف عدوانا.
لا أستطيع التنبؤ ما إن كانت حملة الدعاية الصينية المضادة ستنجح خارج الصين أم لا، لكنها بالتأكيد ليس لها صدى عالمي. ففي معظم قارة آسيا وبقية العالم تحظى اليابان بأعلى معدلات التقدير الإيجابي ضمن أعلى البلدان في الاستطلاعات الرسمية. ما أصبح قلقا خطيرا مشتركا على السلام والأمن في منطقة آسيا الباسيفيكية ليس هو زيارة رئيس وزرائنا إلى ضريح ياسوكوني، بل هو تعزيز الصين لقدراتها العسكرية الذي ليس له مثيل، واستخدامها للإكراه العسكري والتجاري ضد الدول المجاورة لها. وأحدث مثال على ذلك هو بيان بكين من جانب واحد حول نطاق الدفاع الجوي. فصعدت الصين من تطفل سفنها الحكومية في مياه البحر الإقليمية حول جزر سنكاكو، وفي مياه تدعي ملكيتها الفلبين وفيتنام ودول بحرية أخرى في المنطقة.
يفتخر الشعب الياباني بالمسار السلمي الذي سارت فيه اليابان خلال الأعوام السبعين الماضية، ويثقون به، ويمضون إلى الأمام نحو المستقبل. خلافا للصين لم تطلق اليابان طلقة واحدة في قتال منذ الحرب العالمية الثانية. وقدمت اليابان إسهامات اقتصادية وتقنية كبيرة لدعم التنمية الاقتصادية في آسيا، بما في ذلك الصين. واليابان تؤيد على الدوام الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون منذ الحرب، وأسهمت في السلام والازدهار في آسيا، بالتضامن مع الولايات المتحدة كحليفين.
وضع اليابان الدفاعي متواضع للغاية. وبالمقابل ضاعفت الصين أربع مرات من انفاقاتها العسكرية خلال العقد الماضي نتيجة لزيادة أكثر من 10 في المائة سنويا، وهي قليلا ما تكون شفافة. وخلال الفترة ذاتها خفضت اليابان من انفاقاتها بنسبة 6 في المائة. ولأول مرة خلال 11 سنة زدنا موازنة الدفاع بنسبة 0.8 في المائة فقط في الموازنة الحالية.
ولن يتغير أبدا المسار الذي اختطته اليابان بعد الحرب كأمة مسالمة. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن لدى الشعب الأميركي ثقة عميقة باليابان، وهو شعور متبادل، وأن القليلين من الأميركيين يخشون عسكرة اليابان. للأسف لا تسمح الصين بحوار مفتوح وتدفق للمعلومات، وبذلك لا يستطيع الشعب الصيني أن يرى الحقيقة التي يراها الناس في كل أنحاء العالم، كما لا يستطيعون أن ينتقدوا وجهات النظر المشوهة التي تروج لها حكومتهم.
على الرغم من ذلك نظل مفعمين بالأمل؛ فالصين جارة مهمة، ونأمل أن نبني علاقة جيدة معها. رئيس الوزراء آبي مستعد للمحادثات مع الرئيس تشي جينبينغ من دون شروط مسبقة.
ونحن نأمل بحماس أن تتوقف الصين عن حملة دعايتها العقائدية ضد اليابان، وأن تعمل معنا نحو علاقة تتوجه نحو المستقبل. ففي نهاية الأمر ما سيقنع المجتمع الدولي هو أفعال الصين وليس دعايتها التي عفّى عليها الزمن.
* سفير اليابان لدى
الولايات المتحدة
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسظ