محمد البدري
كلما هلل الفلسطينيون لحدث سياسي كلما توجست خيفة مما ستاتي به العواقب. هللوا ورقصوا عندما اغتيل السادات وجاء من يخلفه فاشتكوا مر الشكوي من غلق المعابر والحصار الاقتصادي. ثم هللوا وزغردوا وطافوا في مواكب فرح عندما انهدم برجي التجارة في نيويورك ورفعوا اعلام النصر فقاسوا سنوات من اقصي انواع الحروب والابادة مضافة الي حصار اشد وتجويع امر، ثم جاءت الانتخابات المصرية الاخيرة فرفعوا اعلاما جديدة وغريبة ومن نوع آخر مع تهليل وتكبير اسلامي …. .
عندما قررت اسرائيل التخلص من قطاع غزة المكدس بسكانه لم تجد ارضا لهم الا سيناء المصرية، فقامت حماس الذراع السياسي/العسكري لاسرائيل تحت الاسم الحركي “مقاومة” في القطاع بتدشين تلك الخطة بفصل القطاع عن الضفة الغربية بجعل كل منهما دولة مستقلة ضاربة عرض الحائط باتفاق اوسلوالذي حرصت جميع بنوده السبعة عشر علي ذكر القطاع والضفة سويا باعتبارهما كيانا واحدا فلسطيني الهوية. من جراء الفصل اصبح الممر الآمن للربط بين الفلسطينيين في خبر كان واصبح القطاع معزولا. ولكونه محدود الموارد والمصادر الطبيعية للطاقة وغيرها من متطلبات الحياة الكريمة فقد بات يطلب حلا ليس علي قاعدة من وحدة الفلسطينيين انما بالبحث عن ارض جديدة علي الطريقة التوراتية القائلة: “لنسلك اعطي هذه الارض”.
ووجدت حماس والحكومة الاسرائيلية، سويا وباتفاق، منفذا لتحقيق هدفهما المشترك في نتائج الانتخابات المصرية ووصول احد اعضاء جماعة الاخوان المسلمين الي منصب الرئاسة. رغم ان الرجل قال بصراحة لا تشوبها شائبة التزامه الوطني لشعب مصر تحقيقا لامنها فاستقال من رئاسة الحزب ومن عضوية الجماعة. لكن فلسفة الجماعة الاسلامية بشقيها الاخواني وحماس تقوم علي قاعدة الخلافة الاسلامية وهي فكرة فرضها العرب ببداوتهم علي طريقة رعاة الابل طالما الصحراء ممتدة والكلأ متاحا. فبمجرد وصول الوحي اليهم حتي تحولوا من البحث عن الكلأ الي استلاب الجزية والخراج بنفس الادوات وعلي نفس الطريقة التي كانت متبعة في جاهليتهم حيث الغزو وتامين مناطق الرعي والماء، باسم الدين. فتحول الكلأ والماء الي جزية وخراج في ارض هي دار اسلام وبوعد مؤجل مما في غيرها ممن يملكون مراعي اخري غير متاحة هو دار حرب تنتظر نشر الدعوة.
بفضل حماس والاخوان وحكومة اسرائيل اليمينية بات التطابق واضح بين نص التوراه كما في سفر التكوين في نصوص الإصحاح الثاني عشر، تنظيرا، ونظام الخلافة الاسلامية تطبيقا فتحققت مقولة لن تجد لسنة الله تبديلا منذ التوراة وحتي القرآن. فكما اغلق ابراهيم ابو العبرانيين الابواب خلفه طوال ترحاله التوراتي المزعوم أملا في الافق الجديد الواعد بلبن وحرث اغلقت اسرائيل وحماس معابر شمال وشرق القطاع مبقية علي البوابة الحدودية بين القطاع ومصر ومعبر كرم أبو سالم حيث الطريق الجديد الي ارض الميعاد. ولان اسرائيل لازالت تحت التكوين والتاسيس حدوديا علي الارض فان المرتحل هذه المرة هم ذراع اسرائيل العسكري في الفضاء الفلسطيني أملا باخلاء القطاع ليصبح ارضا اسرائيلية في المستقبل وليبحث الفلسطينيين علي ارض جديدة بما فيها من كلأ وماء. فكم تمني القادة الاسرائيليين في تصريحات كثيرة بان يستيقظوا يوما ليجدوا غزة كلها في البحر. فهل تبدلت الادوار بين العرب المسلمين والعبرانيين اليهود، وفي قول آخر بين الفصيل الفلسطيني الزاعم للمقاومة وبين الصهاينة.
فشلت العروبة في توحيد المنطقة علي مدي قرن تقريبا لاسباب كثيرة اهمها ان المنطقة ليست عربية في اساسها. لهذا فان بالاسلام، وبقدرات تنظيمية للجماعة الاسلامية وتشكيلات اخوانية تسندهما نظم سياسية خارجية ونظم محلية حكمت بادعاء العروبة وروجت للاسلام في التعليم والاعلام محليا وعالميا وفشلت في تحقيق اي تقدم اجتماعي وسياسي بل انجزت هزائم مدوية لم يشهد التاريخ مثيلا لها، جعلت الحلم التوراتي بديلا ممكنا تحت مسمي الخلافة الاسلامية، بطرد وترحيل العرب طالما المنطقة عربية واحلال الاسرائيلين محلهم من حيث رحلوا.
توزعت الادوار في سيناريو أبو الانبياء اليهود بين النظم السياسية زمن الانقلابات العسكرية فترسخت دولة اسرائيل علي الارض، ومع التحولات الاسلامية بات التمدد ممكنا مرة أخري عن طريق الترحيل للمؤمنين الجدد للاقامة في دار الاسلام انتظارا للاستيلاء علي دار الحرب أو اقامة حكم الله في اوطان انحرفت نظمها عن شرعه، ويتناسي المغفلين من كل القوي الوطنية واليسارية ان الاوطان كلما تكتظ بسكانها ويفقدون كرامتهم بتطبيق الشريعة أو وصفها بالعروبة تضيق مساحتها بمواردها فتعج بالفساد وتصبح مناطق طرد. هذا التطابق يجعل من حماس ومن علي شاكلتها وكانهم يعيدون المشهد الابراهيمي القديم حسب اساطير التوراه. وفي المقابل نجد هناك طرد واستبعاد وتقسيم كلما حل الايمان علي الارض، ولن ذهب بعيدا، لنري المشهد متحققا في السودان والصومال حيث اصبح التفتت والانفصال تامينا للجماعات الاخري في ذات الوطن الذي اتي الي سدته حاكم يقول بالشريعة.
يروج احد الدعاة (جعلته قناة الجزيرة شاهدا علي العصر وامينا لتوثيق احداث الثورة) من انصار جماعة الاخوان في احتفال حضره ثلاثي الاخوان المسلمين، المرشد والرئيس قبل انتخابه ورئيس مجلس الشعب المنحل، ليقول طظ في مصر مرة أخري باضافتها الي كيان عاصمته القدس اي عاصمته قلب اسرائيل الحالية. فكما حققت حركة القومية العربية الشرعية الدولية لاسرائيل ستحقق الحركة الاسلامية لها مكاسب جديدة علي حساب اي ارض كما جاء في العهد القديم الكريم.
خرجت هتافات بعد انتخاب مرسي رئيسا تدعوه لتحريرغزه بينما يعلم الجميع ان تحرير غزة لم يعد ممكنا بعد ان حكمته اسرائيل بزراعها السياسي العسكري حماس الفلسطينية الاسلامية / العربية التوراتية. فالخطر لم يعد صادرا فقط من الصهيونية في مقابل اصحاب الاوطان انما من ثقافة المنطقة التي روج لها القوميون العرب بانها عربية ثم جاء بعد مسلسل هزائمهم من يقول انها اسلامية. فليس من المتاح للرئيس الجديد ان يحقق تحرير غزة، فالمطلوب منه حماية مصر من كل المخربين الاجانب. فلا يزال قول المرشد طظ في مصر باقامة الخلافة وجعل سيناء متاحة للفلسطينيين ممكنا كما تريد اسرائيل.