الرواية الرسمية للنظام السوري تقول إن مدنيين محاصرين في أحياء حمص القديمة، قد خرجوا بأمان ضمن هدنة بين “الجيش العربي السوري” و”المسلّحين”. وقالت وزيرة الشؤون الاجتماعية كندة الشماط إن “الجيش العربي السوري لو أراد أن ينهي العمليات العسكرية في كل المناطق لكان باستطاعته وبسهولة، لكن وجود مدنيين في أي منطقة يعيق كثيراً هذه العمليات”.
الجيش العربي السوري الذي تصفه الشماط بـ”جيش البواسل”، يحمل صفات أخرى كثيرة منها” “البطل” و”الأغرّ” و”الشجاع” و”حامي الديار” و”سياج الوطن”. الجيش الذي عمل عناصره طوال السنوات الثلاثين الماضية في الكنس والمسح والجلي والطبخ، في خدمة كبار الضباط وعائلاتهم.
عناصر “حماة الديار”، يمضون ستة أشهر في ما يسمّى بـ”دورة الأغرار”. ثم يتمّ فرزهم إلى وحدات مختلفة بحسب “الوساطة”. منهم من يتقن المسح ومنهم من يبرع في كيّ الملابس أو الطبخ أو شطف الأرضيات الرخامية وتلميعها. أما من يعرف القيام بكل تلك المهمات، يصبح مدلّلاً عند زوجة الضابط. يساعدها في التنظيف والتعزيل والجلي والترفيه عن الأولاد والأحفاد والتبضّع.
قد تكون الثكنات العسكرية، هي المناطق الأمثل للإهانة التي عاش سوريون عقوداً من عمرهم تحت ظلّها. هناك، حيث يصبح المواطن السوري مطيعاً ومطواعاً وخادماً لمجموعة من العائلات. يتكثّف مفهوم الوطن الكبير ويختصر بعائلة تضمّ ضابطاً وزوجته وأبناءه وسياراته وملابسه وستائر بيته والطناجر والملاعق والصحون.
“حماة الديار”، يتركون أهلهم وبيوتهم ليسكنوا في مدخل العمارة في غرفة صغيرة تحوي سريراً معدنياً، وطاولة ربما، وهاتفاً. يصبح تركيزهم مبرمجاً مع رنين ذلك الهاتف الذي يستدعيهم من فوق للقيام بمهمة ما. يدخلون إلى تلك البيوت الفسيحة لتنظيفها. يقودون سيارات فارهة لا يملكونها. منتصف الليل، يذهبون إلى مطعم أنيق، لأن أحد أفراد عائلة الضابط اشتهى أكلة معيّنة. معظمهم، لا يمتلك حتى ترف الحلم بعيش رغيد. لأن أوضاعهم الصعبة قادتهم إلى هذه المهمّات. لو أنهم ينتمون إلى عائلات ثرية أو مقرّبة أو “مدعومة” لكانت وساطاتهم أعفتهم من دخول الجيش وخدمة الضباط. عائلاتهم الفقيرة تسكن ضيعاً ومدناً وبيوتاً متواضعة. يعيشون على أمل “الإجازة” القصيرة التي يحصلون عليها تكريماً لطاعتهم وإتقانهم الأعمال المنزلية. يزورون أهلهم. يأكلون من طبخ أمهاتهم. يحصدون جرعة من “الدلال” ثم يعودون إلى مداخل العمارات الباردة في الشتاء والحارّة في الصيف. إنهم “حماة الديار”.
قبل أيام قليلة، انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً لعناصر من “الجيش الباسل”، وهم يسرقون أسطوانات غاز من بيوت حمص المدمّرة بعد إخلاء المدنيين والمسلّحين. وقبلها رأينا بعضهم يحمل غسّالات وصناديق تبدو ثقيلة من ملامح وجه “حامي الديار” الذي يحملها. عناصر من الجيش يحملون على أكتافهم نجوماً ونسوراً. وأول ما يخطر في البال هو محاولة شاقّة لفهم ما يدور في ذهن ذلك العسكري. فبيوت حمص تعود لمن سكنها سنوات طويلة واضطر إلى مغادرتها بغض النظر عن الأسباب. وإن افترضنا أن نظرية “المؤامرة” و”العصابات الإرهابية المسلّحة” هي ما دفع ذلك العسكري إلى القتال في حمص أو غيرها من المدن السورية، فما الذي يدفعه لسرقة السوريين إن كان حامياً لهم ومدافعاً عن وجودهم؟ تلك البيوت التي يسرقها، لا تعود ملكيّتها إلى العصابات المسلّحة بطبيعة الحال. إلا إن كان ذلك الجندي مدرّباً على تصنيف الحماصنة في خانة الأعداء. وبالتالي تصبح سرقتهم مشرّعة، لا بل وواجباً وطنياً يُكافأ عليه.
صور أخرى قديمة وجديدة سرّبت لعناصر من الجيش ينفّذون عمليات تعذيب لأجساد سوريين. نعم إنهم سوريون. سمعنا أصواتهم وكلمات الاستعطاف تخرج من شفاههم المرخية. يتحدثون بلهجة سورية. ومهما بلغت “خطورة” التهم الموجّهة لهم، إلا أنهم في النهاية سوريون. مثلهم مثل تلك العناصر التي تمارس بحقّهم أشنع أنواع التعذيب والهمجية.
سوريون يقتلون سوريين ويسرقونهم. إنهم “حماة الديار” ولصوصه وقاتليه بالإضافة إلى الطبخ والتعزيل.