(عندما تخدع شخص فأنت مخادع، وعندما تخدع مجموعة من الناس فأنت مخادع كبير، وعندما تخدع شعب فأنت مخادع حقير).
قالوا بأن حبل الكذب قصير، وهذه حقيقة لا تنكر لأن الصدق يكشف عن نفسه رغم أنف الكذب وقوة ذاكرة الكذابين، ولكن هناك نوع من الكذب يبدو ان لا حبل به، بل خيط رفيع جدا فسرعان ما ينكشف أمام الجميع من الوهلة الأولى.
سبق أن تحدثنا بأن من يظن إن العبادي سيمشي في غير الطريق الذي مشى فيه سلفه المجرم الإرهابي ورفيقه في درب العمالة المالكي، فحري بأم يمسح يديه ورجليه معا في الحائط. هؤلاء جميعا من مفقسات ولاية الفقية، ولا قدرة لهم عن معصية الخامنئي، ولو لم يوافق نظام الملالي على تولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء لما إستطاع البيت الأبيض أن يفرض إرادته في توليه، إن موافقة الخامنئي لها الأولوية في رئاسة العراق وتوزيع المناصب، ومن يظن خلاف ذلك فهو ينظر للمشهد العراقي بالتلسكوب.
في نفس اليوم الذي ذكر فيه العبادي بإنه أمر بإقاف قصف المدن خلال إجتماعه بالقادة المجرمين الذين فروا كالفئران أمام داعش ورفض أن يغيرهم إعتزازا منه بضعفهم وتخاذلهم، أمطرت قوات العبادي الفلوجة وبابل بالبراميل الحارقة.
جاء في االمؤتمر الوطني للنازحين والذي عقد في مقر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية حصرا ـ مما يعني بأن المؤتمر يعني بالنازحين من طائفة العبادي فقط ـ بأنه أصدر قرارا بإيقاف قصف المدن معللا أن” هذا القرار تم اتخاذه حتى لا يسقط اي مدني حتى في المناطق التي يسيطر عليها الداعشيون ولن نتوان عن ملاحقتهم وهم الذين يتخذون من المدنيين كمتاريس”. وتعهد بأن” الحكومة لن توقف جهدها في حماية المدنيين وان تعرضت القوات الامنية لاي خطر فسنرد لحمايتها والمدنيين”.
وبعد ساعات من قراره جاء في الأخبار” قُتل (28) مدنيا واصيب سبعة آخرون بجروح متفاوتة نتيجة قصف جوي حكومي استهدف منازلهم في منطقتين منفصلتين صباح اليوم 13/ايلول شمال مدينة الحلة مركز محافظة بابل وذكر شاهد عيان إن الطائرات الحكومية قصفت عددا من منازل المواطنين في منطقة (الحجيرة) شمالي الحلة، ما اسفر عن مقتل (20) مدنيا، كما قتل ثمانية مدنيين واصيب سبعة آخرون جراء قصف مماثل استهدف منطقة (الفاضلية) بناحية جرف الصخر، فضلا عن الاضرار المادية الجسيمة التي لحق بالمنازل المستهدفة”. وكان الخبر الثاني” قصف جيش الميليشيات الارهابية الطائفية حي نزال السكني بمدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار، في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف اليوم 13/9/2014 بثلاثة صواريخ، حيث سقطت الصواريخ قرب جامع الفردوس بالمنطقة”.
ما الذي يعنيه هذا؟
أما أن العبادي لم يصدر الأمر الذي زعمه بإيقاف قصف المدن، بمعنى إنه كذب! أو إن الجيش لا يحترم قرار رئيس الوزراء، وضربه بعرض الحائط، مستمرا في نهجه الطائفي المعهود، بما معنى إن الجيش ما زال يستلم أوامره من رئيس الوزراء السابق المالكي (رئيس الجمهورية حاليا، لغياب الرئيس فؤاد معصوم خارج العراق) أو من جهة خارجية أو داخلية غير معلنة. والغريب إن الجيش لم يتجاهل أمر رئيس الوزراء فحسب، بل إرادة رئيس البرلمان أيضا. كأنك يا بو زيد ما غزيت! الحال نفس الحال، برلمان مشلول لا سلطة له على الجيش ولا على رئيس الوزراء ولا على أي قائد عسكري.
صرح رئيس البرلمان العراق سالم الجبوري في نفس اليوم أي 13، ايلول بإن” القصف العشوائي الذي يستهدف المواطنين أمر نرفضه بطبيعة الحال ولا نعتبره ممارسة عسكرية هادفة لانه سيدفع ضريبتها الأبرياء، وبالتالي الحقيقة سنخسر أرواحا كثيرة من المواطنين وتزداد نقمتهم”. والعجيب إن رئيس البرلمان لا يخاطب رئيس الوزراء العبادي أو قيادة الجيش لإيقاف قصف المدنيين وإنما وزير الخارجية الأمريكي! وهذا ليس غريب فالرجل معروف عنه شدة ضعفه ولهذا السبب فقط وافقت الأحزاب الشيعية على توليه رئاسة البرلمان. ويبدو ان البرلمان لم يستفد من التجربة المريرة مع المالكي، فلو لم ينحني البرلمان للمالكي لما استطاع ان يركبه!
فقد ذكر الجبوري بأنه” أبلغ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن الغارات الجوية على تنظيم الدولة الإسلامية ينبغي ألا تؤدى لسقوط قتلى من المدنيين، ويتعين على القوات العراقية أن تكف فورا على استخدام البراميل المتفجرة ونيران المدفعية دون تمييز لقصف المناطق السنية في العراق”. لاحظ حتى هذا الكلام يتسم بالضعف وعدم الجدية.
الأكثر غرابة أن الجيش الأمريكي أيضا طلب من القيادات العسكرية العراقية بوقف قصف المدن ولكنها لم تستجب له! فقد أفادت منظمة العفو الدولية بأنه ” في حزيران من هذا العام الجاري طلب الجيش الأمريكي من الحكومة العراقية الكف عن استخدام البراميل المتفجرة ضد المدنيين، لكن القطعات العسكرية استمرت في القصف “.
حسنا لنحسبها كما يقول المثل العراقي”حساب عرب” أي حساب لا يقبل الخطأ! إذا كان حيدر العبادي وهو القائد العام للقوات المشلحة (غير مسلحة) قد طلب من قطعانه إيقاف قصف المدن ولم يستجب القطعان لأوامر راعيهم. وكذلك حال رئيس البرلمان المستضعف الجبوري. وكذلك حال الأمريكان، ولا يوجد وزير دفاع مسمى لحد الآن!
إذن من الذي يأمر بقصف المدنيين في العراق؟ وممن يتلقى العسكريون أوامرهم بالقصف؟ لم يبق إلا نظام الملالي وشراذمهم في النجف!
الكذبة الثانية،هي إعلان رئيس الوزراء العبادي وبقية الكتل التي دخلت العملية السياسية الكسيحة بحصر السلاح بيد القوات المسلحة وتجريد الميليشيات المسلحة منه، ولم تكن تلك الخطوة السليمة بإقتراح من جرذان السنة في الحكومة والبرلمان، بل توجيه صارم من وزير الخارجية الأمريكي للعبادي خلال زيارته الأخيرة في محاولة لكسب أهل السنة بإعتبارهم الطرف المتضرر من هذه الميليشيات.
كما ان كيري ليس طيب القلب ورحيم على أهل السنة ومصابهم الكبير، وإنما هي محاولة أمريكية لكسب ودهم وتوظيفهم في صحوات جديدة كي يقاتل أهل السنة بعضهم البعض بدعم ورعاية الجامعة العربية ودول الخليج، والمكسب الأخير للمتفرج المبتهج بالحرب الجديدة وهو نظام الملالي.
لكن التصريح الأخير للعبادي يكشف أمور تتعارض مع التوجيه الامريكي تماما. فقد أشاد بقوات السيستاني (الحشد الطائفي) وأعتبرهم محررين، مؤكدا في الوقت نفسه بأن الخطوات القادمة لمجلس الوزراء” بدأت بعد نصف يوم من اول اجتماع له عبر وضع خطط منها دعم الحشد الوطني” وهذا يعني تشجيع الميليشيات من خلال صرف رواتب لعناصرها أو إدخالهم ضمن القوات المسلحة، وكأن دمج الميليشيات بالجيش في بداية الغزو أعطت ثمارا طيبة ليكرر العبادي التجربة.
كلمة أخيرة لأهل السنة ممن يرتجي خيرا من العبادي وشارك في حكومته، إنكم كمن باع كل شيء بلا شيء، واشترى لا شيء بكل شيء. والأيام القادمة ستخبركم بالمزيد، فالحوادث رهينة رجالها وزمانها ومكانها.
علي الكاش