الشرق الاوسط: تشارلز بلو
أحدث خطاب الدكتور مارتن لوثر كينغ «عندي حلم» اضطرابا كبيرا في بنية القوة الأميركية، حتى إن مكتب التحقيقات الفيدرالي بدأ التنصت عليه فيما وصفته «الواشنطن بوست» بأنه «إحدى كبرى عمليات المراقبة في تاريخها»، حتى إن الخطاب دفع رئيس قسم الاستخبارات الداخلية إلى وصف كينغ بـ«الزنجي الأكثر خطورة على مستقبل هذه الأمة من وجهة نظر شيوعية أو الزنجية أو الأمن القومي».
لم يكن كينغ، بطبيعة الحال، يشكل خطرا على الولايات المتحدة، بل كان خطرا على الوضع القائم، عندما طالب أميركا بتحمل عواقب أخطائها وأن تكون صادقة تجاه نفسها ووعد تأسيسها.
كان كينغ خطرا لأنه لم يرض – أو يسمح لمجتمع مظلوم بأن يرضى – بالوضع القائم آنذاك. وأصر على أننا سنحلم – بما يمكن وما يجب أن يكون.
لم تكن تلك مهمة سياسي، بل كانت مهمة أشبه بمهمة رجل خارق.
هذه الشخصيات عادة ما تولد بين صغار يرفضون قبول العيش في جلابيب آبائهم، الذين يرون الظلم بعيونهم البريئة.
كان كينغ في الرابعة والثلاثين عام 1963. وكما قال الرئيس أوباما يوم الأربعاء: «هناك سبب في أن الكثيرين ممن خرجوا في المسيرة ذلك اليوم والأيام التي تلتها كانوا شبابا، من أجل صغار لا تحكمهم عادات الخوف، اجترؤوا على الحلم بشيء مختلف وعيش حياة أفضل. وأنا على يقين بأن نفس الحلم ونفس التعطش إلى الهدف يملآن أبناء هذا الجيل».
ولذا، فإن أميركا ترنو الآن إلى مزيد من هؤلاء القادة الشباب، وقد وجدت البعض منهم، لا في النضال من أجل الحقوق المدنية التقليدية وفقط، بل في النضال للفوز بحقوق المثليين والحفاظ على حقوق المرأة الإنجابية.
بيد أنه لا يزال هناك نوع من الرضا عن الذات الثقافية لأميركا، فبعد أن نزل الشباب إلى الشوارع كجزء من الربيع العربي، تساءل الكثير من الأميركيين، ومنهم أنا، عما آل إليه حال النشاط السياسي الأميركي. ومتى كان آخر مرة شعر فيها الشباب بالتأثر إلى حد أنهم نزلوا إلى الشوارع لجذب الانتباه إلى قضية ما.
كان هناك بصيص من الأمل بشأن حركة «احتلوا وول ستريت» وقضية مارتن ترايفون، ولكن كلتا الحركتين فقدت الكثير من الدافع، ولم تنتج زعيما بارزا.
لذا ونحن نحيي مسيرة واشنطن وخطاب كينغ، اسمحوا لنا أيضا بأن نولي اهتماما خاصا لمضمون ذلك الخطاب. تحدث كينغ عن «ضرورة آنية ملحة»، لا عن ضرورة ملحة للحنين إلى الماضي.
ما الضرورة الملحة بالنسبة لنا الآن؟ ما الضغط الحالي؟ ومن يكون كينغ العصر الحالي؟ وماذا ستكون قضيتنا؟
هناك كوكبة من القضايا التي تحتاج إلى اهتمامنا القومي وشجاعة أخلاقية – السجون والفقر وسياسة السلاح وحقوق التصويت وحصول النساء على الرعاية الصحية، والمساواة التعليمية وإصلاح عملية الهجرة وغيرها. كل هذه القضايا مترابطة بعضها مع بعض، ولكننا لا نرى القاسم المشترك بين جميع هذه الحروب والعدو المشترك ضد المساواة، وعدم ظهور أي زعيم قادر على نسج هذه الخيوط معا.
كان مارتن لوثر كينغ واعظا، وليس سياسيا. ألقى بالضغوط ضغطا على النظام من الخارج لا من داخله. ولذا، أنا مقتنع بأهمية كل أشكال الضغط. كان أبرز إنجازات كينغ هو اعتراف بما يمكن لرجل – أو امرأة – يمتلك قناعة واضحة ويؤيد العدالة والحرية تحقيقه. وهي شهادة على قوة شعب موحد، شكل بنيانا ماديا معا كي ينبغي أن يجري إحصاؤهم وموضع احترام، وحيث لم يعد من الممكن تجاهلهم أو تهميشهم.
هناك فراغ في الجسم السياسي الأميركي ينتظر أن يشغله شاب يتبنى رؤية وشجاعة، شاب لم يعتد الكسل ولا رتابة تلفزيون الواقع أو وسائل الإعلام الاجتماعية.
والسؤال الوحيد هو: من يكون هذا الشخص.. من يكون الأميركي «الأكثر خطورة» في هذا الجيل؟ إن الولايات المتحدة تنتظر.
* خدمة «نيويورك تايمز»