اليوم هو 16/ مارس يوم مشؤوم في تاريخ الكورد يوم اليم بكل ما تحمل كلمة الم من معنى، خصوصا لكاتب هذه السطور حيث فقدت ستة اخوة و ثلاث اخوات و ابي و امي، تربيت يتيما لم أحض بحضن و دفء احد من افراد اسرتي و لليوم لا اعرف قبورهم و اماكن دفنهم، لا بل حتى اني لا املك صورا لملامح وجوههم كي اتاملها و أحضنها و ألصقها على قلبي الصغير حينما يضيق بالحياة و متاعبها.
في هذا اليوم من عام 1988 قصف المقبور صدام حسين بشراكة ابن عمه علي حسن المجيد و ثلة من الاكراد الخونة الذين لا يزالون في كردستان لليوم و قد كان لي شرف نشر اسمائهم و بالادلة و البراهين و لك صديقي القارئ أن تبحث عن مقال (حملات الانفال و اسماء الاكراد المتورطين فيها )، قصف هؤلاء الطغاة مدينة حلبجة بالغاز الكيميائي مما ادى الى استشهاد 5000 الاف شخص و ابادة المدينة ابادة كاملة، من المفترض كوني ابن هذه المدينة أن أواسي أبناء مدينتي و أعزي نفسي و اياهم بهذا المصاب الجلل، لكن قلبي يغلي من الغضب و العتب عليهم كونهم اصبحوا عبيدا خانعين لثلة من اللصوص و الحرامية و المستبدين الاكراد… يرضون بعيشة الذل و الهوان… ينتهك عرض المدينة و تسلب اموالها و خيراتها و هم مطأطي الرؤوس.
ابناء مدينة حلبجة دوما ما كان يضرب بهم المثل بالشهامة و الصلابة و العناد، حتى شاع مثل أن الكردي راسه يابس و عنيد لا يعرف الانهزام اتى وصفا مطلقا على أبناء هذه المدينة و من ثم تم تعميمه على الاكراد كافة، يعتريني حزن عميق و يعصر قلبي الالم عندما اجد بقية احفاد شهداء مدينتي باتوا كسولين خاملين لا حول لهم و لاقوة، و الغيرة و العزيمة لا يجدان مكانا في قلوبهم، ابائهم و اجدادهم واجهوا صدام و الجيش العراقي الذي كان في حينه ثالث أكبر جيش في منطقة الشرق الاوسط هزموه برا مما اضطر صدام ان يلجأ الى ارتكاب هذه المجزرة و هذه الابادة الجماعية التي لم يعرف التاريخ مثيلا لها باستثناء هولوكوست هتلر ضد الشعب اليهودي… و هم (هؤلاء الاحفاد) باتوا اليوم خدما و عبيدا للطغاة و ابنائهم في كردستان.
هذه المدينة المنكوبة تتم سرقة مليارات الدولارات باسمها، و لا يتم استذكارها الا في يوم 16/ مارس و ذلك بنشر بيانات صفراء كاذبة من قبل الطغاة الحاكمين لكردستان، حسب بعض التقارير الكردية تم التبرع لاعمار حلبجة بمبالغ مالية مجموعها 16 مليار دولار امريكي من قبل المنظمات الانسانية الدولية و أصحاب البر و التقوى منذ عام 1992 الى عام 2010، هذه المليارات لا أحد يعلم اين ذهبت. جدير بالذكر أن 100 مليون دولار حسب دراسة تخطيطة تكفي لجعل المدينة من أرقى مدن الشرق الاوسط، لكن حلبجة في عام 2015 طرقها ترابيه، المدارس و المستشفيات و الدوائر الحكومية في حالة يرثى لها، تصور صديقي القارئ انه يتم استئجار البيوت و جعلها مستشفى و مستوصف، اذا اصيب شخص ما بحالة مستعصية أو إذا احتاج الى عملية فورية يجب أن يذهب الى مدينة السليمانية و على حسابه الخاص و بسيارته الشخصية، و مدينة السليمانية تبعد عن حلبجة ساعة و نصف تقريبا… طبعا الفقير الذي لا توجد لديه سيارة يجب ان يفطس و لا عزاء له و لأهله.
حلبجة المدينة التي أصبحت هوية لمظلومية الكرد عالميا، لا يوجد ماء يكفي سكانها، ساعتين يوميا فقط يتم تزويد سكان المدينة و على الناس أن يخزنوا الماء في الخزانات و لا حاجة ان اصف لك نوعية الماء يكفي أن تعرف أن 30 بالمئة من سكان المدينة يعانون من حصى الكلى بسسب هذا الماء كي يتضح لك ردائته و عدم صلاحيته للاستهلاك البشري… و الصرف الصحي هو الطامة الكبرى حيث بعد مرور اكثر من عشرين سنة على نكبة 1988 لا يوجد للمدينة صرف حي، كل بيت توجد لديه حفرة عميقة داخل بيته مربوطة بالحمام و التواليت عن طريق انبوبين او اكثر، يتم افراغها و على حساب صاحب البيت بسيارات خاصة لهذا الامر كل شهر مرة.
في الشتاء الطرق الترابية تتحول الى أوحال، و في الصيف الغبار و الاتربه الناعمة المتطايرة تؤدي الى اصابة مستنشقها بالربو و صعوبة التفس.
المدارس تشبه المقاهي المصرية لازدحامهاو فوضويتها، كل صف يحتوي على ما يقارب 50 تلميذا بحيث يجلس كل اربعة على مقعد واحد، لك أن تتخيل المشهد و ما سيكون مستقبل تلميذ مسكين كهذا في مدرسة كهذه.
صديقي القارئ لا أريد ان أطيل و أذكر الحالات المزرية التي يعيشها سكان المدينة التي منحت الكثير للكرد و ها هي الان مركونة غير مأسوف عليها، و الخونة الذين ساندوا صدام و أدخلوه الى كردستان، يلتذذون الان بمليارات حلبجة في النعيم.
في هذا اليوم لا أعزي أحداً و لا اواسي احد و لا القي اللوم سوى على ابناء و سكان حلبجة العبيد الخانعين الذين لا ينتفضون و لا يثورون على الظالمين و الحرامية و الطغاة الذين شاركوا صدام في قصف المدينة.
كلمة أخيرة لشباب و سكان حلبجة الحاليين، آباؤكم و أجدادكم عندما ناضلوا و استشهدوا كان ذلك من أجل الحرية و العيش برأس مرفوع و بكرامة و ليس من أجل ان تصبحوا عبيداً بغير كرامة… قبولكم لاستبداد فاسدي و مستبدي كردستان هو تعذيب و جلد لارواح شهداء حلبجة الطاهرة… شهداء الحرية و الكرامة و العزة.
انتويرب / بلجيكا
mahdi.m.abdulla@gmail.com
المصدر ايلاف