حكاية ”نور مراد“ وموسم غرس الصفصاف

norimuradحكاية ”نور مراد“ وموسم غرس الصفصاف
*حسن محمودي
”نور مراد“ (81عاما) من أبناء مدينة ”خرم آباد“ الإيرانية، مشغول بغرس شجيرات الصفصاف في مشتله في مخيم «ليبرتي». والمشتل مليئة بغرس الصفصاف التي أخذ يعده لموسم الربيع المقبل وهذا دأبه ودأب الجميع فاينما حلوا غيروا شكلوا الحياة وشكل الارض فقد حولوا صفار الارض الجرداء في مخيم «أشرف» الى مدينة خضراء وهذا ما يريد نور مراد وسكان «ليبرتي» فعله في أرض ليبرتي الميتة المميتة.،إنه نضالنا من أجل تطوير حياة الإنسان بشقيها المادي والمعنوي وما يدعم ذلك من إصلاح وتطوير في القوانين والرؤى.، ويشرح لي نور مراد بأنه قد حصل على بذور الصفصاف بمشقة من خلال شجرة صفصاف قديمة كانت هي الوحيدة الموجودة داخل المخيم، وقد أنبت البذور وبعدها بفترة قام بزرعها و وضع بجانب كل صفصافة يغرسها لافتة صغيرة مكتوب على كل منها اسم شهيد من شهداء المقاومة الإيرانية..وبذلك يكون قد نعم أحياءا وكرم أمواتا.، يقول نور مراد إن التطورات التي طرأت في الساحة السياسية بين النظام الإيراني والمجتمع الدولي عقب جريمة إعدام الفتاة ريحانة جباري شنقا تلك الجريمة التي هزت وروعت العالم بأكمله، تمثل جانبا من حقيقة حياة الشهداء، هؤلاء الذين نهضوا بوجه الظلم والطغيان وقد أبرزت ريحانة جانبا من معاناة الشعب الايراني وهذا حالهم وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ فهم كشجرة راسخ اصلها وفروعها تنمو وتنتشر في المناخين السياسي والاجتماعي في المجتمع، و يؤكد القرآن الكريم هذه الحقيقة حيث يقول المولى عز وجل: «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون(آل عمران 162)“.
ببسمة مليئة بالإيمان والأمل، يشير نور مراد إلى حديقة أخرى بجانبه ويضيف ”دعنا نفترض بأنك نجحت في اجتثاث شجيرة عرف الديك وأزلتها، لكن ماذا ستفعل مع الآلاف من بذورها التي انتشرت على تراب الحديقة وماذا ستفعل مع نمو فصائل تلك البذور..ولا أعرف حقا ماذا يريد أن يفعل النظام مع هذا النهوض الشبابي المتنامي في المجتمع الإيراني.، وأرتأيت أن أصور هذا الانبات والنمو والتقدم النضالي بزرع غرائس في مخيم «ليبرتي» لأحيي بذلك عصيان هؤلاء الشهداء الذين أعدِموا على درب تحقيق الحرية لبلادهم وتصديهم للظلم والطغيان.، وهنا بجانب هذه الغريسة تُلاحظ شجرة خضراء ضخمة مكتوب على لافتة ملحقة بجانبها«غلامرضا خسروي»(اسم السجين المعدوم من الردهة 350 في سجن إيفين سيء الصيت) وتاريخ غرسها شهر أغسطس 2014.
ويؤكد نور مراد قائلا إنني وبغرسي الأشجار في ليبرتي وبرعايتها لتبقى سالمة خضراء فانني اختار الحياة والنشاط والأمل والقتال بدلا من منطق الاستسلام والذلة، وبذلك أخاطب هذا النظام الذي يسعى لقتلنا وقتل الحياة فينا وقام من خلال عملائه المحليين بفرض حصار لا إنساني جائر على ما أسموه بـــ مخيم «ليبرتي» ونحن من سيجعله «ليبرتي» رغم أنف العدا أخاطبهم وأقول لهم إنكم لا تريدون لنا إلا الوهن والموت والزوال ونهاية درب الحرية الذي سلكناه درب قضيتنا المشروعة قضية الإنسان والعدالة الاجتماعية أقول لهم سأبقى واقفا شامخا منتصبا القامة منتشيا متفاخرا بخوفكم ورعبكم طريقنا طريق الحق ولن تزيدني ممارساتكم الإجرامية بحقنا إلا فخرا وعزة وصمودا وبسالة وسأزداد قدرة وعزيمة يوما بعد يوم ..هكذا انتصر عليكم رغم حرمانكم لي وباقي سكان المخيم من حقنا الشرعي في الخروج الحر والطبيعي للذهاب إلى المستشفيات للعلاج والعناية والتداوي وهو حق شرعي لنا ومن أبسط حقوق كل إنسان فكيف إذا كنت لاجئا، إعلموا أنه لا تعب ولا كلل ولا ملل ولا خنوع في قاموسنا النضالي.
وبيديه العليلتين يحضر نور مراد التربة حول الغريسة تمهيدا للري، مدندناً بلهجته ”اللُرية“ الحلوة أغنية ”أمي أمي.. قد حان وقت القتال“. مرة أخرى يخاطبني ويقول إن النظام الإيراني لا تهمه حياة الشعب فهؤلاء الحكام يقولون دع الشعب يموت ! المهم إننا نحصل على القنبلة النووية! دع طفلة في ربيعها الخامس تكون عاملة بناء وتحمل بيديها الصغيرتين البلوك واللبنة والإسمنت! دع وجوه النساء تحترق بالاحماض الكيماوية الحارقة فالمرأة يجب ألا تنهض وتنتفض ضد العقلية الرجعية ومعاداتها للنساء! معارضي النظام يجب أن يُقضى عليهم في مخيم «ليبرتي» فدعهم يموتون! وإذا لم أتمكن بعد من إزالتهم بالصواريخ فأجعلهم يموتون موتا بطيئا بعرقلة نقلهم إلى المستشفيات وبوضع صيغة بطيئة لنقلهم سأمنع عنهم الحياة.
يحكي نور مراد ”عندما كنت بعمر 52 عاما لما التحقت بقافلة النضال من أجل حرية بلادي آنذاك كان يقول لي كثيرون بأنك وفي عمرك هذا لست قادرا على فعل شيء يلحظ! لم أُحبط فكنت قد سمعت عن شجاعة وحماس المجاهدين ومدينة أشرف وكذلك قرأت كتابا حينها عن مصير سمكة سوداء صغيرة كانت تسبح خلافا لجريان الماء ولم تستسلم لأمواج النهر الغاضبة وتحملت الشدائد والأمواج العاصفة و ضربات الأحجار القاتلة في قعر هذا النهر أو ذاك حتى وصلت البحر أخيرا والآن وبالنسبة إليّ فإن غرس الأشجار في «ليبرتي» هي حركة تلك السمكة الصغيرة السوداء نفسها لأن النظام الإيراني وعملاءه يريدون إهلاكنا وكسر عزائمنا بممارستهم حصارا طبيا ودوائيا علينا لكنهم لن ولن يتمكنوا من محاصرة قضيتنا ومبادئنا وهنا يجب القول للمتطرفين أنه لــــ من المستحيل أن تحتجزوا العقيدة والقضية (رهينتين).
الشمس آخذة الى الغروب ويختتم نور مراد يوم حافل بالجهد والعمل بحواره معي بالقول:ترى لا يمكن حجب شمس الحرية بالغربال..فهذه الصفصافات تعلو وتتضخم يوما بعد آخر، وستقص للأجيال القادمة حكاية حقيقتها الخفية ورسالتها التي هي رسالة البقاء والنمو والخلود..حياة الوفاء والصمود.
*كاتب ايراني

About حسن محمودي

منظمة مجاهدي خلق الايرانية, ناشط و معارض ايراني
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.