حكاية عمرو ورمسيس

مجدى خليل : الحوار المتمدنghamedisheikh

كان يوما رائعا لعائلة رمسيس،حيث كان بيته الجميل المتسع يقع على شاطئ بحرين ويشقه نهر من الداخل متوسطا البلدة كلها،وكان هو وزوجته مارينا وابناءه الثمانية من البنين والبنات يلبسون القطانى المميز ويحتفلون بأكلاتهم الفريدة من السمك المملح الذى تم اصطياده من أمام بيتهم،وفى ليلة لم يظهر بها القمر ،هجم على بيتهم لص غريب عن البلدة،كان لباسه رثا ومنظره متوحشا،يطلق لحيته ولكن حالقا لشاربه، ويبدو أن لم يستحم منذ سنوات فتفوح روائح كريهة من كل جسمه،وعلى رأسه عمامة بيضاء،ويمسك فى أحدى يديه سيفا وفى اليد الاخرى قطعة قماش رثة قبيحة سوداء اللون مكتوب عليها كلام بلغة البدو العرب.صرخ هذا اللص المتوحش فى صاحب البيت وأبناءه المسالمين وقال لهم إن إله الصحراء الذى اعبده هو الذى ارسلنى واعطانى هذا البيت،فحاول صاحب البيت تهدئته وقال له هل تريد أن تأخذ امولا،هل أنت جوعان تريد طعام،هل تريد أن تأخذ شئ من البيت،نحن لدينا خيرات كثيرة وتستطيع أن تأخذ ما تريد،ولكن البدوى لم يسترح لهذا الكلام وقال لهم أنا أسمى عمرو وكما قلت لكم ان اله البدو أعطانى هذا البيت كله بمن فيه ومن لا يوافق سوف اقتله هكذا،واستل سيفه وقطع رأس أحد أبناء صاحب البيت. أرتعب الجميع ودخلوا فى نوبة بكاء وصياح وارتباك من هول المفاجأة،وهم الذين يعيشون بسلام فى بيتهم منذ تأسيسه. ومع هرولة هذا البدوى المتوحش بسيفه ليقتل الباقين،تمالك صاحب البيت جأشه وقال له والدموع فى عينيه ماذا تريد بالضبط، فقال البدوى عمرو أريد أن آخذ بناتك سبايا بهذا السيف،وإذا رفضتم ساقتلكم جميعا،أعترض بعض الشباب المتحمس فأعمل السيف فى رقابهم أمام أعين الجميع وسحب البنات إلى ناحيته ودخل بإحداهن إلى حجرة جانبية واغتصبها بوحشية،وخرج بعد أن أشبع شهوته الحيوانية وقال لصاحب البيت أننى قررت أن اتركك تعبد الهك أنت وزوجتك فى الحجرة الخارجية الصغيرة من البيت على أن تدفع لى ايجارا شهريا لهذه الحجرة،فهذا البيت كما قلت لك هو بيتى،أما ابناءك فقد وافق بعضا منهم على أن يتبعوا دينى،أما بناتك فهن سبايا لدى سوف أنجب منهن ما اريد. لم يكن أمام صاحب البيت وزوجته سوى الرضوخ،خاصة وهو يرى بناته يغتصبن واحدة بعد الأخرى،ويرى بعض ابناءه يتحولون رعبا وجبنا إلى دين هذا البدوى المتوحش،وحتى عندما عاتب أحد أبناءه المتحولين قال له سامحنى يا أبى أنا جبان ولم أستطع مقاومة هذا البلطجى،وساظل أحبك يا أبى مدى عمرى ولكن أعذرنى لأننى تخليت عنك.
مرت الأيام وأنجب رمسيس ابناء آخرين رغم المهانة والذل الذى كان يتعرض لها كل يوم من هذا البدوى الاجلف،ورغم أنه كان يعمل ساعات طويلة ويعطى معظم قوته لهذا البدوى،الذى كان يشاهده يغتصب بناته أمام عينيه يوميا،ولا يعمل شئ آخر سوى الاعتياش على ما يأخذه من رمسيس حتى تدهور شكل البيت الجميل وأصبح رثا على شاكلة عمرو.
مرت أجيال وأجيال وأجيال وتكاثر أبناء هذا البدوى اللص المتوحش،وتكاثر أحفاد رمسيس كذلك،وكل منهم فى وضعه الذى حدده جدهم عمرو لأبناء رمسيس ووضع شروطه فى عهدة يتداولها أحفاده سميت “عهدة عمرو”، كان أحفاد عمرو يذكرون بها أحفاد رمسيس فى كل مرة يطالبون بحقوقهم فى بيتهم المسروق.
وفى أحدى الأيام وفى بلدة بعيدة دعى اليها مصطفى، أحد احفاد عمرو للحديث عن جده،قال أثناء حديثه أن وجود أحفاد لرمسيس حتى هذه اللحظة فى بيتنا يدل على سماحة جدى وعدله ورحمته لأنه كان يستطيع قتلهم منذ زمن بعيد،فرد عليه مينا حفيد رمسيس وقال له هل اللص السارق القاتل المغتصب الملعون يعتبر متسامحا من وجهة نظرك،وأنا الذى كنت أظن أنك ستدافع عن جدنا رمسيس خاصة وأنت حفيد أحدى بناته المغتصبات. لو كنت تملك الشجاعة لأدنت جدك عمرو الذى أغتصب جدتك وجدتنا وكنت أنت ثمرة هذا الأغتصاب الأثم،ألا تخجل يا مصطفى مما تقول،أتتبجح فى الكذب وتبرئ المجرم وتأثم البرئ.. يا له من منطق أعوج يا مصطفى.
رد مصطفى وقال يا مينا الأفضل أن نغلق هذا الموضوع حتى لا تحدث فتنة فى البيت ويقوم بعض أخوتىى المتطرفين بقتل ابناءك.. الأفضل لنا جميعا أن نسكت عن هذا التاريخ. رد مينا وقال فهمت تهديدك يا مصطفى،فهو نفس تهديد جدك عمرو..نعم سأسكت ولكن لن أنسى ابدا حكاية جدى رمسيبس وسأعلمها لأبنائى ولأحفادى.رد مصطفى علمها كما تشاء ولكن أياك أن ترفع صوتك وتحكى هذه الحكاية القديمة لأحد آخر بخلاف أولادك،ولن أرحمك لو قلت هذا الحكاية لأبنائى وفتحت عيونهم على التاريخ الحقيقى المنسى.
رجع مينا منزويا إلى حجرته يحكى لأبناءه بصوت هامس ما جرى بمرارة،وعاد مصطفى إلى بقية البيت يصول ويجول محتفلا بذكرى جده عمرو.

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.