تزوج والدي من أمي في عام 1945 وكانت لبنانية وُلِدت وأمضت باكورة حياتها في الأرجنتين ثم أرسلها والدها إلى لبنان مع أمها وإخوتها.
تعرّف والدي على العائلة العائدة من المغترب بواسطة صديقه في الجامعة الأميريكية الشاعر عمر أبو ريشة، الذي تزوج أختها الكبرى.
أخوها الشاب جميل مراد كان وسيم الطلعة، عالي الثقافة وبدأ بالنجاح في عالم الأعمال، لكنه أُصيبَ فجأة في أواخر 1944 بمرض التيفوئيد الذي كان يحصد الأرواح قبل ظهور المضادات الحيوية
Antibiotics.
كان هذا الشاب المسلم يمارس العمل في زحلة الكاثوليكية وكسب محبة الناس في البقاع مما جعل جُلَّ جمهور زحلة يسير وراء جنازته التي ألقى فيها عمر أبو ريشة قصيدة الوداع.
بعد حوالي ستة أشهر من موت جميل، قرر الإنكليز الذين إستعادوا بلاد الشام من قوات ڤيشي
Vichy،
إدخال أول شحنة من المضادات الحيوية إلى البلاد.
كان من الضروري توزيع الدواء مجاناً لمن يحتاج إليه، وبفضل سمعته تقرر تسليم الكمية المخصصة لدمشق إلى والدي مدني الخيمي.
قال لي مرة، لو أن خالك جميل أُصيب بالمرض بعد ستة أشهر لكنت أنقذته. كان الدواء الجديد ‘ البنيسلين’ فعَّالاً كالسحر، وخشي والدي أن يُبقي شحنة الدواء في عيادته فحفظها في بيته بالقيمرية بحراسة جدتي الجَدْعة ‘مهيبة الخردجي’.
وكانت جدتي تحمل كيس الدواء كلما كَثُرَ الطلب عليه، لتنقله من البيت لعيادته في السنجقدار، وخلال هذه ‘العْتالة’ الوطنية واجهتها أكثر من مرة، طلقات الفرنسيين في مواجهاتهم مع أبطال المقاومة.
وفِي كل مرة كانت تصل إلى العيادة فخورة بإنجازها وفِي نبرتها روح التحدي ‘لبيكِ سوريا’.
نعم ‘لبيكِ سوريا’ هكذا علمتنا جدتي …