مضت سنةٌ كاملةٌ على تسلم رؤوفين ريفلين رئاسة الكيان الصهيوني، الذي انتخب خلفاً لشيمعون بيرس، ليكون بذلك الرئيس العاشر لدولة الكيان الصهيوني، وعلى الرغم من أنه ينتمي إلى حزب الليكود الحاكم، الذي يترأسه رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي بنيامين نتنياهو، وقد كان من قبل مرتين رئيساً للكنيست الإسرائيلي، إلا أن الخلافات بينه وبين نتنياهو مستعرةٌ جداً، أو هكذا تبدو للعامة، وربما بدت أكثر وضوحاً بعد أن اطمأن ريفلين في منصبه رئيساً للكيان، وأصبح عنده منبراً يعبر من خلاله عن مواقفه الناقدة لسياسة الحكومة في القضايا السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
إذ لا يوجد توافقٌ كبير بين الرئاسة والحكومة الإسرائيلية، وقد أكثر الرئيس من انتقاده لرئيس الحكومة وتوجيه اللوم الشديد له، بصورةٍ معلنةٍ ومكشوفة، وصريحةٍ وواضحة، رغم أن كلاهما ينتمي إلى ذات الحزب، ويحملان نفس الأفكار، ويسعيان لتحقيق ذات الأهداف، ويتطلعان إلى نفس الغايات، وعندهما رؤية استراتيجية واحدة تتفق مع المشروع اليهودي وحلمهم التاريخي، في أن يكون لهم دولةً يهوديةً نقيةً عاصمتها القدس الموحدة.
صحيحٌ أن منصب الرئاسة في الكيان الصهيوني منصبُ فخري، وليس للرئيس دورٌ في إدارة الحياة السياسية، وتحديد توجهاتها العامة، سوى أنه يسمي رئيس الحكومة بناءً على نتائج الانتخابات التشريعية، ويصادق على تعيين السفراء الإسرائيليين، ويستقبل الأجانب المعتمدين في الكيان، إلا أن بعضهم يحاول أن يبدي رأيه، ويبرز موقفه في أداء حكومة كيانه، ويعلن ذلك للملأ، في رغبةٍ منه لتصحيح المسار، أو تقويم الاعوجاج، وقد حاول شيمعون بيرس من قبل ريفلين، أن يلعب دوراً في رسم الخارطة السياسية للكيان، وتشكيل التحالفات، والتأثير على الأوزان السياسية للأحزاب، كما بذل جهوداً كبيرة في تحسين صورة بلاده، ودافع عنها أمام المجتمع الدولي من فوق كبريات المنابر العالمية.
يبدو أن ريفلين يرفض أن يمارس وظيفته الرئاسية صامتاً، رغم أن من سبقه قد رضي بالصمت وتأقلم معه، وقبل بالرئاسة وهو يعلم أنه لا لسان لها ولا قلم، ولا ناطقاً باسمها لا ترجماناً لأقوالها، إلا أن ريفلين يحاول أن يتجنب السكوت ما أمكنه، مستغلاً كل فرصةٍ للحديث، ومناسبة للتعبير، لينقل من خلالها مخاوفه وتوجساته، ويعبر عن مواقفه وآرائه.
حيث أبدى خلال العام الذي مضى عليه في منصبه، معارضته الشديدة لزميله في الحزب ورئيسه السابق بنيامين نتنياهو فيما يتعلق بسياسته تجاه الإدارة الأمريكية، وخصومته مع رئيسها باراك أوباما، حيث يعتقد ريفلين أن نتنياهو يقامر بأهم علاقة يتميز بها كيانه، ويعرضها للخطر أو لاضطراباتٍ مقلقة، قد تنعكس سلباً على مستقبل كيانه وسلامته وأمنه، وقد تعرض تفوقه للخطر.
ذلك أنه يعتقد أن أهم ما يميز بلاده ويمنحها القوة والتفوق، والثبات والبقاء، هو علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي يجب أن تستمر وتتعمق، وتقوى وتتشعب، وقد تمادى في انتقاده لرئيس حكومة كيانه إلى الدرجة التي اتهمه فيها بأن يضر بالمصالح العليا للشعب اليهودي، ودعاه للكف عن محاولاته الإضرار بالعلاقة مع البيت الأبيض.
كما انتقد بشدةٍ سياسات الحكومة التي أدت إلى تفجر موجة من العنف اليهودي في أرجاء البلاد، ودفعت بمجموعةٍ من الشباب المتطرف إلى إشعال النار في عددٍ من البيوت الفلسطينية، ومنها بيت دوابشة، الأمر الذي أدى إلى مقتل الطفل الرضيع حرقاً، وإصابة والديه وشقيقه بحروقٍ خطرة، قبل أن يستشهد الوالد متأثراً بحروقه الشديدة التي أصيب بها، وأعلن أن هذه السياسة التي تتبعها الحكومة هي التي تشجع على العنف وتدعو إليه، وحملها كامل المسؤولية عن تدهور الأوضاع، وحذر من أنها ستقود البلاد نحو كوارث كبيرة.
يعزو البعض الخلاف بين الرجلين والمؤسستين الرئاسية والحكومية، إلى أن نتنياهو كان معارضاً لترشيح ابن حزبه ريفلين لرئاسة الدولة، وأنه كان يؤيد مرشح الوسط مئير شطريت، الذي خسر المعركة الانتخابية أمام منافسه ريفلين بـ 53 صوتاً مقابل 63 صوتاً، الأمر الذي أسس لخلافٍ دائمٍ بينهما، رغم أن ريفلين ينتمي إلى الجناح الكثر تشدداً في حزب الليكود، وأن الكثير قد وصفوه عندما نُصِّب رئيساً للكيان، بأنه سيكون رئيس دولة إسرائيل الكبرى، وسيبلغ الاستيطان في عهده مداه، ذلك أنه يعشق الاستيطان ويؤمن به سبيلاً لتحقيق حلم الشعب اليهودي باستعادة أرض ممالكه القديمة.
لكن ريفلين بدأ يستشعر أن سياسة الحكومة المعاندة والمتشاكسة مع الإدارة الأمريكية، قد تفقد كيانه الحليف الأكبر، والنصير الأقوى، لإدراكه أنه لا قوة لبلاده دون أمريكا، ولا قدرة لها على الصمود بدونها، ولا حليف لهم مثلها، ولا ناصر لهم غيرها، فهي الحليف الأقوى والأكثر صدقاً، ولكن نتنياهو يقامر ويغامر، وسيخسر المعركة ولو بدا أنه فيها الرابح، لأن الخاسر في معاركه الشخصية هو شعب إسرائيل.
ريفلين لا ينطلق من انتقاده لبنيامين نتنياهو من منطلقاتٍ أخلاقية، وقيم إنسانية، ومفاهيم حضارية، فهو لم يغضب من أجل الرضيع الفلسطيني ولا من أجل والديه، ولم يتضايق لأن مواطنيه يحاولون حماية الحلم اليهودي، وتحصين الحقوق التاريخية والدينية لشعبهم، في ظل تهاون الحكومة، واستعدادها –بزعمهم- لتقديم تنازلاتٍ كبيرة للفلسطينيين، ذلك أنه يميني في أصله، ومتطرفٌ في فكره، ومتشددٌ في سياسته، وهو يرفض أن يكون للفلسطينيين دولة، كما يرفض أي حلولٍ وسطية لمدينة القدس، قد تؤدي إلى تقسيمها أو تقاسم السيادة عليها، فهي عنده العاصمة الأبدية الموحدة لكيانه، وهو أحد المنادين بيهودية الدولة، فلا تغرنا خلافاتهم، ولا توهمنا انتقاداتهم، فهم جميعاً بلا استثناء، وجهان لعملةٍ واحدة، وإن بدوا أنهم نقشٌ وكتابة.
بيروت في 12/8/2015