أعلم أنني اواجه الإنتقاد من بعض الأصدقاء والصحفيين حين أدافع عن خطط الأمير سلمان للتغيير في السعودية ؟؟ ولكن هذا لن يمنعني من الكتابه لإيماني بصدق نيته في محاولته نقل المجتمع السعودي من الفكر الوهابي المتطرف والمتشدد الذي صدّر فكر التطرف والإرهاب للعالم , إلى مجتمع أكثر تسامحا آخذا في إعتباراته أولوية مصلحة مستقبل السعودية . وفتح الفضاء السعودي ليتيح للجميع فرصة ُصنع التغيير والتحول بالسعودية إلى دولة أكثر أنفتاحا على العالم .. في عالم لم يعُد يعترف بأي خصوصية..وإخترقت ثورة المعلومات والقنوات التلفزيونية والتواصل الإجتماعي كل حدوده و جدران بيوته وفضحت عوراته كلها . ولكني أيضا لن أتخلى عن موضوعيتي في رؤيتي لكيفية مد جسور العلاقات الإنسانيه بين الشرق والغرب لما فيه من مصلحة لكلا الطرفان .. فأنا أفتخر بإنتمائي لكلاهما حيث أشعر بأنني ابنة الشرق المتبناة من الغرب الذي أثراني بحرية الكلمة وحفظ حقوقي كإنسانة مساوية للبشر .. .
لم أستغرب كثيرا حين هاتفتني باحثة تعمل في مؤسسة تومسون رويترز لتسألني عن رأيي حول البحث الذي قامت به مؤسستها والُمقرر نشرة قريبا والذي صنف السعودية في المرتبة الخامسة كأخطر دولة تعيش فيها النساء بعد الهند – أفغانستان – سوريا والصومال وأنهم وجدوا بأن السبب الرئيسي في تصنيفها هذا هو إنعدام تكافؤ الفرص الإقتصادية أمام عمل المرأة بسبب التمييز الجندري الذي يحد من قدرتها في الحصول على عمل ..
سيدي القارىء ..
سأبدأ مقالتي هذه في الإستناد لما قاله الأمير محمد بن سلمان “سنقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل، فنحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة وسندمرهم اليوم فورا”.
أنا على قناعة تامة بترابط صعود الإسلام السياسي الذي بث الغلو والتطرف من خلال الهوية الدينية التي إقتصرت على مظهر المرأة ولم تعمل على تعديل حقوقها بل أعادتها إلى حقبة غابرة لا تمت للواقع الذي نعيشة اليوم غير ُمكترثة بمدى التغييرات المجتمعية على مدى قرون .. كلنا يعلم أن حقوق المرأة كما جاءت في القضاء السعودي إرتبطت بالتفسيرات والتأويلات الفقهية المتشددة والصارمة التي عملت على دونية المرأة .. وإن تفاوتت وتعدّلت ربما تجميليا في بقية الدول الإسلامية ؟؟؟ ولكنها جميعها تبقى مرتبطة بالتأويلات من خلال أحاديث مشكوك في صحتها ُدوّنت في العصر العباسي أي بعد حوالي 200 سنة بعد وفاة النبي و لا تتوافق مع شخصيته ولا مع مقاصد الدين .. بحيث أصبحت أحكاما قضائية تتوه المرأة في تفسيراتها بحثا عن حقوقها التي كرّمها بها الدين .. فمن غير المعقول أو المنطقي أن نؤمن ونعمل من خلال أحكام وضعها أربعة أئمة ( الشافعي – الحنبلي – المالكي والحنفي ) أجمعوا فيها بأن المرأة عورة وليست سوى للمتعة ونجس وشيطان يجب حبسه في البيت لأنها مشروع فتنة أينما حلت .. وأقر فيها المذهب الشافعي بمشروعية ختانها بينما إختلف الأئمة الآخرين في ذلك ؟؟؟؟؟
أسئلة البحث كانت كالتالي :
هل تفاجئتي بهذه النتيجه ؟؟
ما هي الأسباب الكامنه وراء هذه النتيجة ؟؟؟
ما الذي يمكن عمله لتحصل النساء على حقوقهن ؟؟
وعليه كانت إجابتي كالتالي …
حقوق المرأة لا ُتقاس بقيادة السيارة ودخول الملاعب الرياضية وفتح دور السينما ولا بعدد النساء العاملات .. فالسعودية بلد غني وهناك نسبة من النساء اللواتي لا يردن ولا يحتجن للعمل .. ولكن ومع هذا تبقى نسبة لا ُيستهان بها من النساء اللواتي يردن العمل .. والدليل تقدم 170 ألف إمرأة لملأ 140 وظيفة شاغرة في المطارات والمعابر الحدودية ُأعلنت عنها دائرة الجوازات .. وعلية أقرت السعودية حق المرأة في العمل برغم خضوعه أيضا لتأويلات فقهية تحرمها من هذا الحق . وهو حق مشروع أقرته الأمم المتحدة ومتوافقا مع الحقوق العالمية للمرأة الإنسان .. ولكن يبقى حقها في المساواة مع الرجل وحقها في العدالة كلها يجب أن تكون مكفولة من الحكومة .. و عليه أعتقد أن المقياس الذي يجب الإعتماد عليه هو مدى توافق قوانين الأحوال الشخصية وقوانين الأسرة وحقها في العمل وإختيار الشريك في العمر المناسب متوافقة مع القوانين الدولية لحقوق المرأة ؟؟
الحقائق تؤكد بأن السعودية والتي تطبق أحكام إسلامية ومعايير إجتماعية صارمة لم توقف الأمير الشاب عن إيمانه بالتغيير ولمصلحة السعودية .. وربما تحقق شيئا من العدالة للمرأة من خلال تعديلات على قوانين الأسرة كما في تنظيم النفقة للمطلقات اللواتي وفي كثير من الأحيان يرفض الزوج التطليق, لأنه يملك الحق السيادي ويتهرب من النفقة وقد يختفي .. وحق طلب الحضانة للأم الحاضنة دون الضياع في متاهات المحاكم .. ومنح القانونيات رخصة العمل كمحاميات بعد مرور فترة تدريب 3 سنوات إضافة إلى حقها في الخدمات الحكومية دون إشتراط موافقة ولي الأمر ؟؟؟ كان ضمن أولوياته في إطار خطته الإصلاحية في رؤيته 2023 .. ولكن كل هذه الأحكام تبقى مبتورة بدون حقها في المساواة وحرمانها من العدالة خاصة في موضوع الطلاق ومؤخر الصداق ..
قد يكون الدليل على حسن نية الأمير الشاب .. ذلك القرار الذي قامت به الحكومة السعودية في التعديلات على نظام “الولاية ” و المفترض فيه حصول النساء على موافقة الوالد والأخ أو الزوج وحتى طفلها الذكر قبل السماح لها بإستصدار جواز سفر .. أو السفر أو حتى العمل .. وحتى صعوبة في إتمام حتى عقد إيجار ؟؟ هذا النظام الذي يحرم حتى السجينه من خروجها من السجن بعد إنتهاء مدة الحكم , أذا رفض ولي أمرها الذكر القدوم لتسلمها ؟؟؟؟ كما وعلينا التأكيد بأن نظام الولاية على مدى قرون طويلة أسهم في زيادة حدة التمييز الممنهج بين الرجل والمرأة وحرمها من المساواة وعرقل قدرتها على إتخاذ قرارات تتعلق حتى بمصلحة أبنائها في مدارسهم ..
حقيقة أن التعديلات أسهمت بإعطاء فرصة للمرأة لعدم إستنزاف طاقتها المعنوية في المشاكل التي تعانيها عند طلب الطلاق والحضانة والنفقة التي كثيرا ما يتعنت الرجل في منحها للمرأة وحتى قد يختفي بعد التهرب مستندا إلى عدم وجود قانون ُيجبره على تنفيذ قرارات المحكمة مستهينا بقيمة المحكمة وزوجته في عدم حضوره الجلسات .. حين أعطت الحق للقاضي بمنع الزوج من السفر في حال لم يحضر جلسات النزاع .. وفرض دفعة النفقه من خلال إقتطاعها بالقانون من راتبه الشهري وتحويلها لحساب الزوجة .. وبالتاكيد كل هذه القوانين لصالح المرأة .. ولكن يبقى القول الصادق بأن التغيير الجذري سيكون .. في الإلغاء الكامل لنظام الولاية .. لتحرير المرأة وربط كل حقوقها بالقوانين العالمية كما جاءت في ميثاق حقوق المرأة الصادر عن الأمم المتحدة .. وهو ما سيتطلب الوقت والمنهج الصحيح لترسيخه .. خاصة وفي ظل وجود الكثير من المعارضين لهذا الإنفتاح السريع الوتيرة .. والذي لم يتعودة مجتمع محافظ .. ولكنه لم يعد مغلق كما في السابق … وتؤيدة نسبة كبيرة من الشباب ..
هناك أمران يجب أن تلتفت لهما الحكومة ..
أن التمكين الإقتصادي للمرأة هو الطريق الوحيد للتغيير الإيجابي في الثقافة المجتمعية .. وهنا تكون مسؤوليتها الكبرى في التنسيق ما بين إقرار قراراتها وبين تنفيذ هذه القرارات فمثلا وحسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش أنه وبرغم أن الحكومة لم تعد تطلب موافقة الرجل لتوظيف المرأة إلا أن كثيرا من الدوائر الحكومية لا تزال تشترط هذه الموافقة ؟؟؟؟
وهنا تتأكد الحاجة لوضع قوانين واضحة وصارمة لا لبس فيها تخرج من إطار التاويلات الفهية التي يتعلل بها المتشددون .. تؤكد على حق المرأة في العمل و ُتلزم الدوائر والشركات بالعمل بها من خلال وضع غرامة مالية على كل من لا يلتزم بهذه القوانين ..
حقيقة بأن هناك تحسّن فيما يتعلّق بالعنف الجسدي على المرأة بعد صدور قانون الحماية من الإيذاء .. ولكن العنف يأخذ أشكالا عدة لا تقتصر على العنف الجسدي .. فالعنف النفسي نتيجة عدم المساواة وإنعدام العدالة يؤثر تأثيرا كبيرا على الصحة العقلية والنفسية والتي تعود بأشكال سلبية مختلفة على المرأة وعلى أطفالها وعلى المجتمع الذي تعيش فيه ..
كله يؤكد حاجة السعودية والدول العربية كلها لقوننة قراراتها .. خاصة في نظام الولاية .. في قانون واضح وصريح بدون تجيل ولا إلتباس يؤكد حقوق المرأة .. وُيلغي هذا النظام ..
أما فيما يتعلق بما هي الخطوات اللازمة لتمكين المرأة في السعودية والتي وأعتقد بأنها ستؤثر إيجابآ على المنطقة العربية فهي..
إتخاذ الحكومة السعودية قرارا إستراتيجيا يستند إلى الواقع بأن المرأة ُتمثل نصف المجتمع وأن حقوقها في العدالة والمساواة لا تخضع للمساومة ليس لأنها ُتربي جيلا جديدا .. ولكن لأنها إنسانة قبل كل شيء خلقها الله العلي القدير مساوية للذكر. وعدالة القوانين من حقها وهي تمثل صلب العقيدة الإسلامية , وهي القادرة على تبني المجتمع ثقافة سلام . تنبع من حاجته الماسه للسلام, من خلال التركيز على كل ما في الدين من إيجابيات نتغنى بها .. ونفاها الإسلام السياسي على أرض الواقع ..
وأن التشبث بالماضي لن يصنع مسقبلا .. ونعترف بأن من سنة الحياة التغيير والتطور مع عقارب الزمن وليس شلّها .. المستقبل الوحيد للمنطقة العربية والتي اعتقد بان السعودية ستكون الرائدة في هذا التغيير لمستقبل أفضل هي ترسيخ المساواة والعدالة لكل الأقليات من خلال ربط القضاء بقوانين حقوق المرأة والإنسان الدولية ومنهاج تعليمي جديد يرتبط بهذه القوانين وهي الطريق الوحيد لإستئصال التطرف بكل اشكالة .. المرأة هي جسر المحبة والتفاهم الذي سيقدم لنا أفضل الطرق للتعامل مع التحديات الدولية وتعيد لنا الإحترام الذي نستحقه كبشر مشاركين في هذا العالم …