العلم والحياة
((من الرائع أن تقضي حياتكَ في العلم ,إنّهُ طريقٌ صعب ,لكنّكَ لو كُنتَ مُهتماً ومُثابراً ,فأنا أعتقد بأنّكَ ستنجح ))
هذا بعض ما قالهُ العالم الأمريكي (بريان كابيلكا ) بعد سماعهِ خبر فوزهِ بنوبل للكيمياء لهذا العام .
أين أنتم يا ( علماؤنا في الدين ) من هذا الطريق ,طريق الإبداع والعلم النافع للإنسانية , طريق نوبل ؟
لماذا تختارون السُبُل السهلة وغلق العقول ؟ الكتب الصفراء , النقل من دون العقل ,نفاق وعّاظ السلاطين
حتى مبدعينا ( القلّة ) في الأدب والفنّ , لم يسلموا من بغيّكم .
مالكم تستوحشون طريق العلم كما تفعلون مع طريق الديمقراطيّة ؟
ألم تقولوا لنا طيلة الوقت بأنّ العلم والإيمان لا يتعارضان البتّة ؟
جرّبوا إذن دخول الميدان !
********
الحاجة لتحقيق الذات
هذهِ الحاجة , تقع في قمّة الهرم في الطابق الخامس والأخير , من سلّم ماسلو للحاجات الإنسانية , أليس كذلك ؟
وهي من بين ما تعنيه / الإبتكار وحلّ المشاكل وتقبّل الحقائق .
وهذا هو بالضبط طريق نوبل , والعلماء والمُبدعين الذين يسلكوه .
(( الفرد نوبل هو العالم الكيميائي الصناعي السويدي ولد عام 1833 ورحل عام 1896 , ولديهِ 355 براءة إختراع Patent )) .
قبل قليل بدأ في قاعة ال
Konsert huset
حفل نوبل السنوي المَهيب الذي يُقام 10 ديسمبر من كلّ عام .
أوّل حفل من نوعهِ كان قد اُقيم عام 1901 , أيّ قبل نحو 111 عام
في هذا الحفل المَهيب البديع المليء بمظاهر الإبداع والأناقة والجمال , تستضيف العائلة الملكيّة السويدية ومؤسسة نوبل , الفائزين والضيوف من جميع أرجاء العالم .
يُلقي الملك كارل غوستاف السادس عشر خطاب مقتضب يُرحبّ ويُهنيء الفائزين قبل أن يوزّع عليهم جوائزهم القيّمة (في القاعة الزرقاء ) .
ينتقل بعدها الحضور الى قاعة المدينة Stad huset لأكمال الأُمسيّة والإستمتاع بالموسيقى الكلاسيكيّة المتميّزة التي تعزفها الأوركسترا السويديّة الملكية .
ثمّ تناول العشاء الملكي الخاص , الذي تكون محتوياتهِ سراً الى لحظتهِ .
************
تعريف مختصر بالفائزين لهذا العام
أولاً / الطبّ
فاز بالجائزة الأهمّ عالمياً لهذا العام في مجال الطبّ باحثان , هما :
البريطاني
( Sir John B.Gurdon )
السير / جون غوردون .
والياباني
( Shinya Yamanaka )
شينيا ياماناكا .
وأعلنت لجنة جوائز نوبل بمعهد ( كارولينسكا السويدي ) , سبب إختيارها لهم .
بأنّهُ يعود لأهميّة إسهاماتهم العلمية التي أحدثت ثورة في فهم كيفية نمو الخلايا والكائنات.
وقال المعهد في بيان يتضمن حيثيات منح الجائزة التي تبلغ قيمتها ثمانية ملايين كرونة ( 1.2 مليون دولار )
“لقد غيرت هذه الاكتشافات الثورية تماماً , من آرائنا في شأن عمل الخلايا وتخصصها”.
جدير بالذكر أنّ (جون غوردون) كان قد إستخدم عينة من الأمعاء لإستنساخ ضفادع .
بينما قام البروفيسور (ياماناكا) بتغيير جينات ( فئران ) لعمل إعادة برمجة للخلايا .
لاحظوا أيضاً / في عام 1962, أيّ قبل 50 عام ( وشوفوا العمل والصبر والمثابرة بيعمل إيه ؟ )
كان البريطاني (غوردون ) قد أخذ المعلومات الوراثية من خلية في أمعاء ضفدع ووضعها داخل بيضة ضفدع آخر ,فتطوّرت الى شرغوف (كائن أولي برمائي ).
ملاحظة :في العام الماضي كتبتُ لكم عن حالة مُماثلة تقريباً حصلت مع العالم الإسرائيلي دانيال شختمان , الذي فاز بجائزة نوبل للكيمياء (لاكتشافه “زخارف” بلورية في الذرات تحاكي الفُسيفساء العربية ) .
يومها قالت لجنة نوبل ( في الأكاديميّة الملكيّة للعلوم ) , إنّ الظاهرة التي إكتشفها شختمان , كان يُظنْ في السابق أنّها مُستحيلة الوجود ,أو أنّها تتعارض مع المنطق على الأقل .
عملياً كان شختمان قد لاحظ في صباح 8 إبريل 1982 , بواسطة مجهرهِ الإلكتروني , تلك الصورة التي تُخالف ماهو معروف علمياً لتشكيل بلورات المواد الصلبة .
معناها هذا الرجل بقيّ يعمل 30 سنة , ليصل الى تفسير لتلك الصورة .
بينما الفائز الثاني الياباني ( شينيا ياماناكا ) , أثبتَ أنّه من الممكن إعادة برمجة خلايا فئران لتصبح خلايا جذعية من خلال إدخال أربعة جينات .
ويمكن بعد ذلك تحويل الخلايا الجذعية الناتجة عن هذه العملية إلى أنواع أخرى من الخلايا.
يا إلهي .. أين سيصلون في النهاية ؟
ويقول لنا المتفيقهون / العلم والإيمان يسيران معاً ,جنباً الى جنب .
كيف وكلّ أمثال تلك التجارب مُحرّمة عندنا ؟
*************************
ثانياً / الفيزياء
فاز بها هذا العام العالمان
الفرنسي / سيرج آروش
الأمريكي / ديفيد واينلاند
وذلك لأعمالهم حول الفيزياء الكميّة .
قالت لجنة نوبل في بيانها أنّ العالمين كوفئا
“لطرقهما الاختبارية الرائدة التي تسمح بقياس أنظمة كميّة فرديّة , والتحكم فيها”.
ثمّ أوضحت الاكاديمية الملكية السويدية للعلوم في البيان أنّ
“الفائزين فتحا الطريق أمام حقبة جديدة من الاختبارات في الفيزياء الكميّة من خلال المراقبة المباشرة لجزيئات كمية فردية دون تدميرها”.
وكان سيرج اروش البالغ من العمر 68 عاما قد تمكن مع زميله جان ميشال ريمون في عام 2008 من مراقبة الإنتقال من الفيزياء الكمية الى الفيزياء الكلاسيكية على مجموعة صغيرة من الضوئيات (فوتون) وهي ذرات ضوء.
وخلال هذا الإختبار إستخدما تجويفة مكسوة بالمرايا قادرة على إحتجاز الضوئيات لأطول فترة مُمكنة , فضلاً عن طريقة لمراقبة هذه الضوئيات لا تزعجها إلاّ قليلاً !
وبهذهِ الطريقة تمكنا من مراقبة إنتقال الضوئيات من حالة لا نموذجية في العالم الكمّي , الى حالة تتماشى كُليّا مع الفيزياء الكلاسيكية.
وعمل ديفيد واينلاند البالغ 68 عاما، شأنه في ذلك شأن سيرج اروش، في مجال علم البصريات الكمية “دارسا التفاعل الأساسي بين الضوء والمادة”، حسبما أوضحت لجنة نوبل.
*********************
ثالثاً / الكيمياء
أمريكيان يفوزان بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2012 هما
روبرت ليفكوفيتز
بريان كوبيلكا
وذلك “لأعمالهما الريادية” حول تفاعل مستقبلات خلايا الجسم مع بيئتها.
وسوف يُستفاد من أبحاثهما تلك في تصنيع الأدوية .
وأوضحت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم أنّ
“الدراسات التي أعدها ليفكوفيتز وكوبيلكا أساسية في فهم عمل مستقبلات موصولة ببروتينات “جي” التي تسمح للخلايا بالتكيف مع أوضاع جديدة”.
وستؤدي تلك الأبحاث إلى المساعدة في تصنيع أدوية تقل لدى متعاطيها الأعراض الجانبية.
كما أوضحت الاكاديمية الملكية السويدية للعلوم أنّ
“جسمنا نظام يحوي تفاعلات منظمة بدقة عالية جداً بين مليارات الخلايا. وكل خلية تحوي مستقبلات متناهية الصغر تسمح لها بتحسس بيئتها والتكيف مع أوضاع جديدة”.
وعبر ليفكويتز عن فرحته الكبيرة لهذا الإعلان من خلال مكالمة هاتفية له مع الأكاديمية الملكية السويدية حيث قال “أشعر بحماس كبير، ولم أتوقع حدوث هذا أبدا.”
وسيتقاسم كل من ليفكويتز وكابيلكا الجائزة التي تبلغ قيمتها 1.2 مليون دولار.
*****************
رابعاً / الأدب
فاز فيها هذا العام
الصيني / مو يان
أعلنت الأكاديمية السويدية منح جائزة نوبل للآداب لعام 2012 إلى الكاتب الصيني “مو يان”.
وهذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها كاتب صيني (ومقيم في الصين )بهذه الجائزة القيمة.
وقد رحبت السلطات الصينية بفوز “مو يان” علما أنها استنكرت منح الكاتب الصيني “جاو شينجيان” المقيم في فرنسا جائزة نوبل عام 2000.
وحتماً سنحتاج نحنُ قرّاء العربية الى مترجمين جيّدين من الصينيّة لنتعرف على أدب هذا الرجل المُبدع .
**************
خامساً / الإقتصاد
فاز بها الأمريكيان
ألفين روث
لويد شابلي
{ إنّي متأكد أنّ تلامذتي سوف يصغون إليّ أكثر , إنطلاقاً من اليوم } … وتبّسم !
بهذهِ الكلمات المرحة والمُداعبة , إستقبل الپروفيسور الأمريكي ( ألفين روث ) خبر تقاسمهِ جائزة نوبل للإقتصاد لهذا العام مع زميله الأمريكي الآخر ( لويد شابلي )
وذلك عن أعمالهم حول نظرية تهدف الى التوفيق بين العرض والطلب التي أثّرت وتؤثر في معظم الأسواق .
في الواقع أنا قبل إطلاعي على تفاصيل تلك النظرية , أشعر بأهميّتها
ذلك أنّي أستهجن العادات الإستهلاكيّة الخاطئة في الغرب التي تمتاز بالترف والتبذير والإسراف تقريباً .
يساعد في ذلك إرتفاع مدخولاتهم و( قضيّة العرض يخلق الطلب ) في محلاتهم الفظيعة . لكن ربّما لا علاقة للنظرية الجديدة بكلّ ذلك , إن هي أماني تجوب خاطري !
على كلٍ , حتماً النظرية الجديدة ستُعرض وتُنشر قريباً .
***************
سادساً وأخيراً / جائزة السلام
فاز بجائزة هذا العام / الاتحاد الأوروبي
وهو عندي أفضل من إستحّق هذهِ الجائزة , منذُ نشوئها عام 1901
عندما حصلَ عليها مناصفةً / الإقتصادي الفرنسي / فريدريك باس .
والسويسري (( جان هنري دونانت )) , الذي مهّد بكتابهِ / ذكريات سولفرينو , لتأسيس منظمة الصليب الأحمر الدوليّة عام 1863 .
لكن أشهر مَن فاز بها في الماضي / الأُمّ تيريزا عام 1979
حسب لجنة نوبل المُقرّرة للجائزة , فإنّ الإتحاد الأوربي يستحقّها لدوره التاريخي في دعم السلام في القارة الاوروبية , وتوحيدها في خطوة تقلل من خطورة أزمة الديون الاوروبية.
( الغني يُساعد المُحتاج فعلاً , لا قولاً .. كما يُهرّجون عندنا )
وقالت اللجنة المكونة من خمسة أعضاء بقيادة الامين العام للمجلس الأوربي / ثورب جورن جاغلاند
إنّ الإتحاد إستحقها نظراً لإسهامتهِ على مدى ستة عقود في إرساء دعائم الديموقراطية و حقوق الانسان
وفي أوّل ردّ فعل , قال رئيس المفوضيه الأوروبية ( مانويل خوسية باروسو) على حسابه على تويتر :
{ إنه “من عظيم الشرف” ان يفوز الاتحاد الذي يضم 500 مليون مواطن أوروبي من 27 دولة بهذه الجائزة } .
في الواقع (( 500 مليون مُستهلك )) , تُمثّل دجاجة تبيضُ ذهباً لدى الإقتصاديين , يجب إستغلالها جيداً !
وهذا ما يحصل فعلاً في الإتحاد الأوربي على أرض الواقع , بحيث صارت لديهم القدرة على تجاوز المشاكل الخطيرة كما نرى .
ملاحظة :
سبق وأن فازت بعض المنظمات الدوليّة بجائزة السلام , وهذهِ بعضها
1904 / معهد القانون الدولي الذي إنبثقت عنهُ لاحقاً المحكمة الجنائية الدوليّة .
1910 / المكتب الدولي للسلام .
1938 / مكتب نانسين الدولي لللاجئين .
1947 / لجنة أمريكا لخدمات الأصدقاء
1954 / المفوضيّة العُليا لشؤون اللاجئين UNHCR
كذلك فازت منظمة اليونيسيف UNICEF
ومنظمة العمل الدولية ILO
و منظمة أطبّاء بلا حدود
وقوات حفظ السلام الدوليّة / 1988
والحملة الدوليّة لمنع الألغام الأرضية / 1997
وفازت بها / الأمم المتحدة , يوم كان يرأسها كوفي عنان
والوكالة الدولية للطاقة الذرية وكان يرأسها يومها د. محمد البرادعي , الذي يُصارع اليوم ,الإخوان المسلمين لأجل مصر مدنيّة جميلة ناهضة
وفي عام 2006 فاز بها ( بنك جرامين ) الذي أسسهُ في بنغلاديش , محمد يونس لأجل مساعدة الفقراء والنهوض بمشاريعهم الصغيرة .
وربّما آخر مؤسسة فازت بها كانت / اللجنة الدولية للتغيرات المناخيّة عام 2007 التي تهتم بدراسة التهديد المناخي لكوكبنا الأزرق .
***************
الخلاصة
1/ إحصائية سريعة
الفائزون ( ما عدا جائزة السلام , كونها مُنحت لمنظمة ) في الإختصاصات الخمسة {الطبّ , الفيزياء , الكيمياء , الأدب , الإقتصاد } هم تسعة أشخاص / خمسة منهم أمريكان .
والباقين / بريطاني وفرنسي وياباني وصيني .
أتذكر في العام الماضي كانت نسبة الفائزين الأمريكيين 54 % , معناها قريبة هذا العام 55 %
2 / بالنسبة للعرب , لم يكن هذا العام مثل سابقهِ عندما فازت السيّدة توّكل كرمان بجائزة السلام . بالمناسبة / أين هي الآن ؟ لا أحد يسمع عنها شيئاً .
ألعلّها حققت طموحها وإكتفت بنيل تلك الجائزة العريقة ؟ مجرّد سؤال !
3 / بمناسبة ذكر السيّدة توكل كرمان
قبل أيام قليلة سمعنا تقرير من ال
BBC
عن العبوديّة والرّق في اليمن .
هل تصدّقون وجود الرّق والعبوديّة , حتى يومنا هذا ؟
طبعاً هذهِ مؤامرة أمريكيّة صهيونيّة ماسونيّة عالميّة ضدّنا / أليس كذلك ؟
المفروض يكون الرّق والعبودية قد إختفت خلال حُكم أوّل رئيس جمهورية ( عبدالله السلال ) الذي شارك بالثورة على نظام الإمامة هناك وكان ( الإمام البدر) الذي حكم إسبوع واحد هو آخر الأئمة الحاكمين .
حسناً / ألا تجد السيّدة توكل كرمان لها مهمة هناك ؟
على الأقل كي لا تأسف لجنة نوبل للسلام على قرارها ؟
غالباً , السلطة الأبوية والثقافة الذكورية هي السبب ,فلماذا أظلمها ؟
******************
الروابط
تحياتي لكم
رعد الحافظ
رعد الحافظ(مفكر حر)؟ 10 ديسمبر / اليوم السنوي لحفل نوبل المَهيب !