أعادت اتهامات الناشطة الفرنسية، هند عياري، التي وجهتها إلى طارق رمضان -حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، ومدير مركز جنيف الإسلامي – باغتصابها والاعتداء عليها جنسياً، والتي تقدمت بشكوى إلى النيابة العامة بمدينة روان الفرنسية، أعادت إلى الأذهان فضيحة التحرش التي هزت وغيرت مشهد جماعة الإخوان بمركزها الأم (مصر) قبل 72 عاماً، إثر تكشف مجموعة من الاتهامات وجهتها نساء الجماعة، بالإضافة لشكاوى قُدِّمت من قبل أعضاء الجماعة، ضد صهر حسن البنا (زوج شقيقته)، والسكرتير العام لجماعة الإخوان المسلمين “عبد الحكيم عابدين”، والذي وصفه حينها أحد أعضاء الجماعة “حازم أمين” بـ”راسبوتين الإخوان”.
بدأت فضيحة عابدين بالتحرش بنساء الجماعة في الظهور إلى العلن العام 1945، والذي أُسِّس فيه “نظام التزاور” بين أسر الإخوان، بناء على طلب البنا، بدعوى تأليف القلوب، وتعميق العلاقات الأسرية والاجتماعية بين الأسر الإخوانية، وعقد لقاءات أسرية، وزيارات للإخوان في منازلهم، الأمر الذي دفع البنا إلى تشكيل لجنة من مكتب الإرشاد، كان على رأسها “أحمد السكري” – المؤسس الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين – ونائب “البنا”، انتهت إلى إدانة عابدين وإصدار قرار بفصله، الأمر الذي رفضه البنا، وانتهى بفصل أعضاء مكتب الإرشاد، ومن بينهم أحمد السكري والشيخ محمد الغزالي ومحمد سابق
بدأ أكبر خلاف داخل الجماعة بين أحمد السكري والبنا على إثر إصرار الأول على اتخاذ موقف محدد من فضائح عبدالحكيم_عابدين، والتي على إثرها شكل البنا لجنة مكونة من كل من أحمد السكري، وصالح عشماوي، وحسين بدر، والدكتور إبراهيم حسن، ومحمود لبيب، وحسين عبدالرازق، وأمين إسماعيل للتحقيق فيما نسب إلى عبدالحكيم عابدين وقدمت اللجنة تقريرا بتاريخ 1946/1/9 وجاء في التقرير: “فضيلة الأستاذ المرشد العام: السلام عليكم ورحمة الله وبعد.. هذه اللجنة التي كلفت بالنظر في مسألة الأستاذ عابدين وحضرات حسن سليمان، فهمي السيد، محمد عمار، زكي هلال، لم توفق في إيجاد التفاهم بين الطرفين – كذا لا تستطيع تحديد المسؤولية بصفة قاطعة بالنسبة لإفشاء هذه الفتنة.. وكان لابد لها في مهمتها أن تستوضح الطرفين فجمعت لهذا الغرض البيانات والاستدلالات في المحاضر المرفقة ملخصة بعض الوقائع، أو كثيراً منها ولم تشأ أن تخرج عن مهمتها إلى التحقيق الشامل، ولكنها خرجت من هذه البيانات برأي قاطع – رأت أن تنصح بعدم إجراء تحقيق آخر وتكوين لجنة تحكيم أو غير ذلك، ورأت – حسماً للموضوع – أن يكتفي بما توفر للجنة أساسا، لتكوين فكرة صحيحة جاء فيها: أولا: موقف هؤلاء الإخوة الأربعة يكون سليماً من كل وجه، ثانيا: اقتنعت اللجنة اقتناعا كاملا بما تجمع لديها من بيانات، سواء من طريق الأربعة المذكورين أو من طريق غيرهم ممن تقدم إليها من الإخوان – بأن الأستاذ “عابدين” مذنب، خصوصا إذا أضفنا إلى ذلك اعترافه إلى بعض أعضاء اللجنة – وأن الذنب بالنسبة إليه – وهو من قادة الدعوة – كبير في حق الدعوة وفي حق الأشخاص الذين جرحوا في أعراضهم – ويحتم عليها واجبها نحو الدعوة توقيع أقصى العقوبة لهذا ترى اللجنة بالإجماع فصل الأستاذ عابدين من عضوية الجماعة ونشر هذا القرار والعمل على مداواة الجروح التي حدثت.
رفض البنا هذا التقرير الذي قدمته اللجنة، وادعى أنه سيقوم بتشكيل لجنة أخرى محايدة فما كان من أعضاء هذه اللجنة إلا أن تقدموا له بمذكرة أخرى ونصها كالآتي: حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ المرشد العام – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته – يرى الموقعون على هذا وقد كانوا أعضاء في اللجنة المؤلفة للتوفيق بين الأستاذ عابدين والإخوان.. ما يأتي: أولا: عدم إجراء أي تحقيق آخر في الموضوع المذكور لما يجره من فضائح للعائلات وتشهير بالأعراض وإساءة إلى الدعوة.
ثانيا: يرى الموقعون عليها درءا للفتنة وحرصا على الدعوة وسمعتها في حاضرها ومستقبلها فصل الأستاذ عابدين من جماعة الإخوان المسلمين – والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وجاء التقرير بتوقيع أمين إسماعيل، وصالح عشماوي، والدكتور إبراهيم حسن، ومحمود لبيب، وحسين عبدالرازق.
ضرب حسن البنا عرض الحائط بكل تلك التقارير، مناصرا عابدين بقوة وعناد، وأصدر القرار رقم 5 لسنة 1947 بفصل أحمد السكري وأعقبه بفصل حسين عبدالرازق وغيرهما، ممن خالفوه الرأي مثل خالد محمد خالد والشيخ محمد الغزالي والشيخ سيد سابق.
وعين بعدها صهره عبدالحكيم_عابدين وكيلا للجماعة، وكان لقرار الفصل ولتعيين عبدالحكيم عابدين وكيلا للجماعة ردود فعل قوية، فقد قام أحمد السكري بنشر الكثير من المقالات في جريدة صوت الأمة وجريدة مصر الفتاة وتبعه الكثيرون من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الذين أيدوا موقف أحمد السكري وكشفوا انحرافات حسن البنا وعبدالحكيم عابدين
وبتاريخ 1947/10/14 نشرت أيضا جريدة صوت الأمة مقالا بعنوان “بيان إلى الإخوان المسلمين” بقلم أحمد السكري ومن بين فقراته ما يلي: “وإني لا أدري لم خان التوفيق أخانا فأشار إلى الفتنة الماضية، فتنة المسائل الخلقية المثيرة التي ضحى بسبيلها بخيرة رجال أهل الدعوة الكرام الأطهار، والتي لو كشف منها القناع الحقيقي لفتت قلب كل مؤمن، لماذا يا أخي تثير بنفسك هذه المأساة الدامية، وبيدي من المستندات ما إن أظهرته لفر من حولك كل نقي وكل مخدوع، ويدعي أخي أني لم أفاتحه بموضوع النكبة بل النكبات التي أعلنت عنها يوم 7 فبراير، وإني لأتحداه أن ينشر ما كتبت له من خطابات عدة، أحذره فيها من كل ما ذكرت وحتى أيسر له البحث عنها، أذكره بتواريخها فتقريري يوم 25 فبراير سنة 1946 عقب تدخل العناصر المأجورة المغراة بعضوية الشركات والأموال المتدفقة وخطابي إليه يوم 6 مارس سنة 1946 وخطابي يوم 15 ديسمبر سنة 1946 وأنا بالمستشفى سجين وخطابي يوم 6 يناير سنة 1947 وخطابي يوم 20، 26 فبراير سنة 1947 – كل هذه الخطابات وغيرها لديَّ صور منها، فهل له أن ينشرها على الملأ؟
وبعد هذه الرسائل التي نشرها أحمد السكري قام كثيرون من الإخوان المسلمين بإرسال برقيات تأييد واستنكار لتصرفات حسن البنا وصهره عبد الحكيم عابدين.
وبتاريخ 1947/10/19 نشرت جريدة صوت الأمة صورة زنكوغرافية لتقرير أعضاء مكتب الإرشاد وبتوقيعهم، والذي أدانوا فيه تصرفات عبدالحكيم عابدين وطالبوا بفصله وقد كتب أحد الإخوان مقالا تعليقا على هذه الوثيقة وبعنوان :”كيف تستر الشيخ البنا على فضائح صهره” جاء به: “لم يكن الأستاذ أحمد السكري متجنيا على الشيخ حسن البنا، وهو كما يعلم الجميع دعامة الدعوة ورجلها الأول الذي أنشأها وظل فيها 27 عاما، ولقد ذكر الأستاذ السكري أن هذا الخلاف نشأ لأمرين: مسائل داخلية وأخرى خارجية. أما الداخلية ففي مقدمتها مآسي أخلاقية نسبت إلى صهره المدعو عبدالحكيم عابدين، وثبتت عليه بالفعل، ولو كشف الستار عنها لهال الناس ما يسمعونه من فضائح ترتعد لها فرائص كل إنسان حر غيور على الدين والأخلاق وقد دعم الأستاذ السكري حججه الدامغة بالحوادث المؤرخة، وذكر أن هناك من الوثائق ما يثبت قوله، ولم يستطع الشيخ البنا في رده عليه أن يكذب واقعة واحدة أو يدحض حجة واحدة – نقول هل يغني عن هذا الحق الواضح ما لجأ إليه الشيخ من مداورات ومساومات في لجنة أخرى، اسمها لجنة التحكيم، ليس فيها ما يمت إلى الإخوان بصلة إلا عضوان كريمان هما الدكتور إبراهيم والأستاذ التقى الشيخ خالد محمد اللذان أثبتا إدانة عابدين للمرة الثانية فيها – وهل يغني عن الحق الواضح الصريح ما لجأ إليه الشيخ من توسلات وبكاء يستعطف به الدكتور إبراهيم ويتوسل إليه أن يداري الموقف ويستر المكشوف درءا للفتنة – على حد تعبيره.”
العربية: هدى الصالح