بعد خسارة تدمر وقبلها جسر الشغور وادلب وقبلهما معبر نصيب وبصرى الشام وغيرهما وغيرهما، صارت عرسال العنوان الجديد لفوز محتمل يحتاج اليه النظام السوري وحلفاؤه لتعويض الانتكاسات التي منيوا بها. الانتصارات المتلفزة لـ”حزب الله” في القلمون و”تلاله” ليست كافية على ما يبدو لرفع المعنويات.
وقت طويل مضى مذ لم يعد “حزب الله” يتذرع بحجة الدفاع عن المقدسات الدينية والقرى الشيعية لتبرير تورطه في النزاع السوري. حماية الحدود اللبنانية لم تعد شعاراً جذاباً. أما القول إن الحزب لو لم يحارب التكفيريين في سوريا لكان سيحاربهم في بيروت والنبطية وصيدا وصور، فصار مستهلكاً. في خطاب الاحد، أعلن الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله للمرة الاولى أن “قتالنا في سوريا تجاوز مرحلة التدريج”. بصراحة وبلا مواربة، حدد عرسال اللبنانية هدفه التالي، داعياً الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤوليتها حيال البلدة وجرودها “وإلا” فإن أهالي بعلبك الهرمل سيواجهون الوضع بأنفسهم.
المعركة الطائفية بامتياز التي غرق فيها الحزب في سوريا يحاول جرها الى لبنان. وبتحذيره “شيعة السفارة” من أنه لن يسكت عنهم بعد اليوم، يحرّض أبناء الطائفة الواحدة بعضهم على البعض. بعدما كان الحزب يقول عن هؤلاء إنهم “خفّ الريشة ولا يستحقون العناء”، صاروا “خونة وعملاء وأغبياء”. بمعاييره بات خائناً وعميلاً وغبياً كل لبناني، لا كل شيعي فحسب، يرفض حرب النظام السوري على شعبه، ومخططات ايران في المنطقة. وبتهديده “شيعة السفارة” إنما يهدد الحزب أكثر من نصف اللبنانيين.
التحريض على عرسال ليس إلا وجهاً آخر للحرب الطائفية التي يجرّ الحزب لبنان المنقسم أصلاً اليها. دعوته أهالي بعلبك والهرمل الى المواجهة نداء صريح الى فتح جبهة للحرب الطائفية المستعرة في المنطقة على أرض لبنان. محاولة اظهار الجيش بأنه متردد في الدفاع عن لبنان استفزاز رخيص. عرسال، تماماً كما كل بقعة أخرى من لبنان، ليست شأن الحزب. حمايتها ككل شبر آخر من أرض هذا البلد الصغير مسؤولية الدولة اللبنانية والجيش. والجيش الذي يقدّم الشهداء على الجبهات التي فتحها “حزب الله”، وحده له الحق في تحديد الساعة الصفر لمواجهة التكفيريين في عرسال وغيرها.
منذ خمس عشرة سنة خسر “حزب الله” كثيراً من رصيده الشعبي والمعنوي. 25 أيار 2000 الذي توّج حركة مقاومة عربية واسلامية فقد الكثير من بريقه. أما في 25 أيار 2015، فبدا الحزب أكثر من أي وقت مضى مجموعة مذهبية هدفها الاساسي ضمان بقاء نظام الأسد وتنفيذ مخططات ايران في حربها الطائفية الكبرى، وإن على حساب لبنان وتركيبته الهشة.
*نقلاً عن “النهار”