حزب الله يحول الضاحية الجنوبية إلى مركز مالي لحماس

مجرد أن يبرر الطرف الذي أراد دعوة إيران إلى مؤتمر «جنيف 2»، بأنها قد تنسف كل ما يجري التوصل إليه، ولو كان مجرد بداية، إذا جرى تغييبها، اعتراف بأن البرنامج النووي الإيراني ليس مشكلة العالم الوحيدة مع إيران.

مشكلتان تورط فيهما الغرب:

– الاتفاق مع سوريا على تسليم أسلحتها الكيماوية. وافق النظام فسحب الغرب من على الطاولة خيار التدخل العسكري، فانتعش النظام وبطش.

‎- الخطة النووية بين دول «5+1» حول برنامج إيران النووي. يهم إيران إزالة العقوبات، وتحريك اقتصادها. الطرف الآخر ظن أن هذا سيؤدي إلى أن تتخلى إيران عن برامجها الأخرى من التمسك بالرئيس السوري بشار الأسد ودعم نظامه ماليا وعسكريا وتكنولوجيا، والتخلي تدريجيا عن حزب الله على أساس أن يعترف به العالم حزبا سياسيا لبنانيا، وأيضا عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى القريبة والبعيدة.

‎إيران من ناحيتها قالت إن أوامر المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي للمفاوضين الإيرانيين هي أن المحادثات النووية قضية منفصلة تماما عن القضايا الأخرى.

‎التصريحات والمواقف الإيرانية الأخيرة تؤكد أن إيران التي تسيرها آيديولوجيا محددة لن تغير أيًّا من مواقفها الأساسية، وقد بدا ذلك في المقابلات التي يعطيها الرئيس السوري بشار الأسد، وكأنه يقيم في دولة غير سوريا، يعطي رأيه في مستقبله رئيسا ويتمسك بحقه هذا.. يتهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بأنها مسيَّسة وموجهة ضد حزب الله.. يتحدث عن الأديان والمذاهب، ولا يطل من نافذة مكتبه ليرى الدمار الذي لحق ببلده.

‎من مواقف إيران أيضا أن الجزر الإماراتية الثلاث جزء لا يتجزأ من التراب الوطني. ومن مواقف إيران «الثابتة» أيضا وأيضا الاستمرار في دعم حزب الله الذي لا يصغي للمطالبين بأن يسحب قواته من سوريا.. فالحزب، ولو أراد، لا يستطيع. وحسب معلومات موثوقة، في البدء تردد الأمين العام للحزب حسن نصر الله في التدخل في سوريا، وجرت نقاشات حامية داخل دوائر الحزب، فما كان من قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني إلا أن وصل إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، وقابل الأمين العام للحزب، بعدها لم تعد هناك من «فرامل» تكبح تدفق المقاتلين.. إذن المطالبة يجب أن تتوجه إلى طهران.

‎كانت مصلحة النظام الإيراني الثابتة أن يبقى الأسد رئيسا لسوريا، فإذا سقط نظامه ستتعرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة للخطر. في الواقع تفضل إيران الوضع القائم في سوريا رغم ادعائها بأنها تريد للعنف والقتل أن يتوقفا.

‎حتى وهي تفاوض الولايات المتحدة على برنامجها النووي، وتضخ الأموال في المصرف المركزي السوري ورغم أوضاع الإيرانيين السيئة اقتصاديا وماليا، خصوصا لجهة طلاب الدراسات العليا المبتعثين إلى الخارج حيث أغلقت كل المصارف الغربية حساباتهم، وعجز أهلهم في إيران عن توفير الأقساط بدل الدولة، فإن «البوصلة» الإيرانية لتحقيق الأهداف الإيرانية الخارجية ولو على حساب استقرار دول الشرق الأوسط كله، لم تحِد عن اتجاهها.

‎يقع لبنان في خانة المتلقي للتبعات السلبية لكل البرامج الآيديولوجية للنظام الإيراني.

‎في صيف عام 2013 جرى التوصل إلى اتفاق سري بين مسؤول كبير في حزب الله وممثل حماس في لبنان علي بركة، مهد الطريق لتحويل الضاحية الجنوبية لبيروت إلى مركز مالي للحركة الفلسطينية رغم أن هذا «المركز» كان يعمل منذ 18 شهرا قبل الصيف لتهريب الأموال من إيران وقطر وتركيا وبلدان أخرى إلى قطاع غزة. بعد الصيف بدأ الممولون الماليون لحماس يعملون تحت رعاية الحزب لنقل الأموال إلى الصيارفة اللبنانيين الذين بدورهم يحولونها إلى مصر.. من هناك، يقوم النشطاء في حماس بتهريبها نقدا عبر صحراء سيناء وعبر الأنفاق المتبقية إلى غزة. وتعهد حزب الله لحماس بالدعم والحماية ما دامت تقدم له كشفا عن كل تحركاتها.

‎في 24 أغسطس (آب) 2013 وبعد فترة طويلة من مغادرة كبار مسؤولي حماس دمشق وبعد أن تأزمت علاقات الحركة بإيران، استقبل المسؤول الكبير في حزب الله، علي بركة وسلفه أسامة حمدان (رجل إيران وحزب الله في الحركة). كان اللقاء لحلحلة التوتر ما بين حماس والحزب والإيرانيين بسبب انقلاب حماس على النظام السوري، وتورط الإيرانيين في القتال إلى جانب قوات النظام. وكانت حماس أدركت أنه مع إغلاقها مكاتبها في سوريا عليها أن تجد وسيلة أخرى للحفاظ على شريان الحياة المالي. جرى بحث الأمر في ذلك الاجتماع، فوافق المسؤول الكبير في حزب الله أن يسير رجال حماس عملياتهم المالية في الضاحية الجنوبية تحت حماية الحزب، شرط إطلاع الحزب على كل النشاطات الاقتصادية والمالية للحركة عبر لبنان، على أساس أن كل هذه التقارير ستصل حتما إلى إيران.

‎الاتفاق ساعد حماس على مضاعفة نشاطاتها الاقتصادية في بيروت، فأصبح لبنان المركز الرئيس لها لتسلم الأموال وإيصالها لاحقا إلى غزة. تقدر الأموال بمئات الملايين من الدولارات سنويا. وكان ناطق باسم الحكومة الإيرانية قال: «لا ندعم فقط المنظمات الشيعية بالأموال، بل أيضا السنية التي تنتمي إلى المقاومة».

‎في حالة لبنان، يقوم الإيرانيون أنفسهم بنقل الأموال إليه، وبالنسبة إلى الدول الأخرى، يقوم مسؤولون من حماس بنقلها جوا إلى بيروت. ويقوم متعهدو المال أيضا بغسل الأموال أو تبييضها عبر عدد من الصيارفة اللبنانيين ليجري نقلها إلى مصر باستخدام نظام الحوالة.

‎هذه الطريقة أثبتت فعاليتها عند حماس، لكنها زادت من اعتماد الحركة على حزب الله، الذي في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ذكّر الحركة الفلسطينية بما التزمت به. في ذلك اليوم صادر الجيش اللبناني مبلغ مليون دولار نقدا وصل إلى مكتب حماس في الضاحية.

‎مصادرة هذا المبلغ لا بد ذكّرت السلطات الرسمية في لبنان بأن أنشطة حماس تقوض سيادة لبنان، وتعرض المؤسسات المعنية لدعاوى قضائية، وتحرض عليها الأطراف الغربية مثل وزارة الخزانة الأميركية.

‎الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي صنفا الجناح العسكري للحزب والحركة مؤسسات إرهابية. هذا التصنيف قد يردع دولا ومؤسسات مالية وهيئات دولية ورجال أعمال عربا وأجانب وحتى لبنانيين، عن الاستثمار في لبنان، أو تقديم الدعم المالي له، لخوف الجميع من فقدان أموالهم أو تعرضهم لدعاوى قضائية.

‎كل هذا النشاط لحماس بحماية ودعم من حزب الله يجري في وقت يعاني فيه الاقتصاد اللبناني من ضعف مهلك، بل إن انتشار القتال من سوريا إلى لبنان، الذي لم تلتزم بعض أحزابه بسياسة النأي بالنفس، تسبب في انخفاض قيمة الأسهم الرئيسة في البورصة المحلية. وكأنه لا يكفي المواطن اللبناني ما يعانيه في كل جوانب حياته ومن كل الأطراف الناشطة على الساحة اللبنانية لأهداف خارجية.

‎في حديث مع وزير المال اللبناني محمد الصفدي في 25 أكتوبر الماضي، قال إن الوضع الاقتصادي متردٍ، ويحتاج إلى قدر كبير من المساعدة المالية. رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في مؤتمر الدول المانحة الذي انعقد في الكويت هذا الشهر، كاد يذرف الدمع وهو يصف الحالة الاقتصادية التي وصلت إليها البلاد، ليس فقط بسبب تدفق مليون ونصف المليون لاجئ سوري، إنما بسبب التفكك الذي أصاب هيكلية النظام اللبناني، حيث أعباء الأحزاب التي تمثل دولا أخرى، تكاد تدمر ما بقي منه، كي ترتع هي في الأرض.

‎دخل لبنان من السياحة يمثل خُمس الناتج المحلي الإجمالي، انخفض بما يفوق 13 في المائة منذ بداية عام 2013. المستثمرون الأجانب الذين يشكلون أيضا خُمس الناتج المحلي الإجمالي علقوا كل استثماراتهم، ويتخوف اللبنانيون من أن تقدم الدول التي تعد من أكبر المستثمرين في الاقتصاد اللبناني على سحب استثماراتها بسبب تورط حزب الله في القتال في سوريا.

‎وأنشطة حماس المالية غير الشرعية في لبنان سوف تسهم أيضا في استمرار الاتجاهات السلبية في الاقتصاد اللبناني.

‎قيل إن سوريا انسحبت من لبنان.. في الواقع هي لم تنسحب؛ بل حلت إيران إلى جانبها، وإلى جانب المتحالفين معها. الآن صار مكشوفا دور حماس السلبي وانعكاساته على صورة الاقتصاد اللبناني..

‎فهل تتحرك الدولة اللبنانية لحماية مستقبل أجيالها، أم يبقى لبنان على ما هو فيه، ويبقى اللبنانيون على ما هم عليه؟
منقول عن الشرق الاوسط

About هدى الحسيني

كاتبة صحفية ومحللة سياسية الشرق الاوسط
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.