يبدو أن الولايات المتحدة قررت مواجهة أذرع إيران الإرهابية، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني على وجه التحديد، الذي لا يمكن للعالم أن يقضي على الإرهاب ما لم يقض على هذا الحزب، أو بلغة أدق يقلم أظافره الإرهابية، ويحاصر عربداته الطائفية في سوريا على وجه التحديد. ولدى أمريكا من القوة الناعمة ما يغنيها عن استخدام القوة الصلبة العسكرية. محاصرة البنوك اللبنانية، ومنعها من التعامل مع هذا الحزب، وتمويل نشاطاته، كافية لتقليم أظافره، ومحاصرة تحركاته، وفي النتيجة إضعافه ودفعه لأن يكون حزباً سياسيا لبنانيا. والقطاع المصرفي اللبناني هو القطاع الذي كان منذ الحرب الأهلية في لبنان يحاول أن ينأى بنفسه عن الصراع السياسي وأحياناً العسكري بين الفرقاء المتصارعين في لبنان، وقد استطاع إلى حد كبير تحقيق هذه الغاية خلال الثلاثة عقود الماضية، ولكن هل يستطيع أن يستمر؟.. لا أعتقد ذلك، خاصة وأن التعامل المصرفي في العالم اليوم والذي تتحكم فيه الولايات المتحدة التفت في الآونة الأخيرة إلى محاصرة الحركات الإ رهابية من خلال محاصرة نشاطات البنوك التي تتعامل معها.
صحيح أن هذه الحركات تحاول دائماً التملص من هذه الرقابة، إلا أن حيلها تضيق مع مرور الوقت، الأمر الذي يجعل النظام المصرفي اللبناني برمته معرض للإنهيار في حال تحديه النظام المصرفي العالمي. لذلك فأنا على يقين أن حزب الله اللبناني لا يستطيع أن يستمر عضواً سياسياً في الحكومة اللبنانية، وفي الوقت نفسه ذراعاً إرهابية لإيران في لبنان. فعليه أن يختار، إما العمل السياسي الرسمي، أو العمل كمنظمة سرية إرهابية، تنفذ ما يصدر إليها من تعليمات من طهران. وحزب الله يستمد تمويله، وتمويل عملياته العسكرية، ونفوذه السياسي، ورواتب كوادره السياسية والعسكرية كاملة من إيران، وهذا ما يعترف به أعضاء الحزب علانية.
الآن بدأت تطفو على السطح مؤشرات غاية في الوضوح تشير إلى أن الغرب، ممثلاً في الولايات المتحدة، سيتتبع نشاطات هذا الحزب، ومحاصرته، وليس لدي أدنى شك أن الحصار المصرفي سيأتي على رأس هذه الخطوات. الرئيس اللبناني وكذلك أغلبية من أعضاء الحكومة اللبنانية يجاملون هذا الحزب، ويراعون مصالحه ويبتعدون عن المساس بنشاطاته السياسية، وفي الوقت ذاته يهمهم الحفاظ على التظام المصرفي من الانهيار، فيما لو تمت مقاطعته عالميا. هنا يكمن السؤال، والتحدي في الوقت نفسه. لبنان قبل فترة استطاعت أن تتوافق أحزابه على انتخاب رئيس، وكذلك اتفقوا مؤخراً على اعتماد نظام جديد لانتخابات برلمانية جديدة، وكل هذه التوافقات السياسية كان لحزب الله اللبناني دور محوري في تمريرها، ولكن الحصار المصرفي الذي من المتوقع أن يواجه اللبنانيين، سيُغير قطعاً من خريطة القوى على الساحة اللبنانية، وسيضع حزب الله حتماً في (خانة إليك) بالشكل الذي لا يستطيع الخلاص إلا بتنازلات مؤلمة من الإيرانيين الذين يأتمر بأمرهم حزب الله؛ والنتيجة إما البقاء كحزب سياسي سلمي مؤثر في السياسة الرسمية اللبناني، والتنازل عن قوته العسكرية، وعملياته الإرهابية، أو التصادم مع بقية الفرقاء اللبنانيين، الذين لن يقفوا مع الحزب في تحديه للضغوط الأمريكية، التي من شأنها أن تؤدي بالنظام المصرفي للانهيار.
لبنان الدولة، بل والوجود ذاته على مفترق طرق، فما كان يمكن اللعب عليه في زمن أوباما، لا يمكن اللعب عليه في فترة ترامب.
* نقلا عن “الجزيرة”