ديانا مقلد: الشرق الاوسط
في تشييع أحد قتلى حزب الله في سوريا انبرى مسؤول بارز للحزب يخاطب المشيعين والأهالي الحائرين بشأن القتال والموت الذي يساق أبناؤهم إليه.. دافع المسؤول عن قتال الحزب في سوريا إلى جانب نظام بشار الأسد بصفته واجبا يتقدم أي مواجهة أخرى اليوم وأنه دفاع عن الوجود وعن أماكن مهمة بالنسبة إلى الطائفة الشيعية وهو قتال استباقي لمعارك قد تستهدف الطائفة في حال سقوط الأسد.
إنها معركة حياة أو موت، وهكذا يجري تقديمها..
إنها اللغة المستجدة في خطاب الحزب إلى جمهوره وهي لغة جند ماكينته فيها لمخاطبة شارعه في القرى وفي الجنازات التي ترافق الجثامين المتقاطرة لقتلى الحزب في سوريا..
اللافت أن تلك اللغة لم تعد تحمل أي مواربة أو تنصل من القتال في سوريا على ما جرى في بداية تورط الحزب في المعارك هناك بل هي انتقلت إلى مرحلة متقدمة من التعبئة لكنها لا تزال تعبئة بعيدة عن الإعلام.. فهذا الخطاب الذي يواجه به مسؤولو الحزب أهل القتلى والمشيعين ليس هو نفسه الذي يعكسه إعلام الحزب الرسمي وطبعا ليس هو الخطاب الذي تنقله وسائل الإعلام الأخرى التي تقصى من تلك المناسبات. إذ يبدو أن الحزب قرر أن يجيش جمهوره مباشرة على الأرض، فهو يعرف أن الخطاب الذي يستعمله مسؤولوه في تلك التجمعات هو خطاب ضيق يصيب عصبا ليس من الصعب التلاعب به وتحويله إلى هاجس جماعي.. لكن خطابات الجنازات ليست نفسها الخطابات التي يستطيع الحزب أن يواجه بها علنا جمهورا أكبر من جمهوره، مرحليا على الأقل.
يمكن أن تترافق خطابات الجنازات المتكررة مع بروز صفحات من هنا وهناك على «فيس بوك» تتحدث عن بطولات مزعومة لقتلى الحزب في قتال المتطرفين والعصابات المسلحة التي تستهدف مراقد مهمة للطائفة أو تقتل أفرادا منها.
وللحقيقة فإن الخبث الذي يبديه الحزب في إدارته معركته في سوريا إعلاميا يقابله انفلات واحتقان في خطاب مجموعات طائفية أخرى مقابلة من متشددي السنة، وهي خطابات تستعاد فيها لغة تنظيم القاعدة وأدواته في العراق في العقد الماضي. واللغة التي يستخدمها هؤلاء لغة مقيتة مخيفة وهي ليست محصورة في مواقع إلكترونية.
في مصر مثلا هناك خطاب مذهبي علني ووقح بحيث لا يجد بعض مشايخ السلفيين حرجا في احتقار الأقباط علنا وفي اختصار الشيعة بإيران وحزب الله أو اعتبار مكافحتهم واجبا يتقدم على قتال إسرائيل كما قال أحدهم.. أما المتسللون إلى الثورة السورية من «جبهة النصرة» و«القاعدة» فليسوا سوى حفنة من الموتورين عصبيا ومذهبيا والذين يشكل خطابهم مرتكزا لخطاب حزب الله لتجييش شارعه.
إنها لحظة جنون مذهبي في المنطقة، والتورية لم تعد ممكنة في ظل «تويتر» و«فيس بوك» اللذين ومثلما مثلا ثورة على صعيد التواصل والاتصال يمكن أيضا تحويلهما إلى خنجر في يد شذاذ الآفاق.
إنها تماما تلك المعادلة التي جعلت من الطائرة وسيلة نقل ووسيلة قتل.
وهنا يجب أن نعترف بأن النظام في سوريا نجح في حربه على الثورة في استدراج «القاعدة» وجنونها إليها تماما كما نجح في استعمال حزب الله فيها.
diana@ asharqalawsat.com