الدراما التركية عريقة، تشاهد في أكثر من 70 دولة، من بينها دول بعيدة جدا في أميركا الجنوبية، نحن لم ننفتح عليها إلا في السنوات القليلة الماضية مع “سنوات الضياع”، ومنذ ذلك الوقت ونحن ننتقل مع الأتراك من عمل متوسط إلى عمل رديء حتى جاء “حريم السلطان”، فقلب الموازين وأجبرنا على أن نتوقف ونقول: هؤلاء لديهم شيء.
يحكي المسلسل قصة السلطان سليمان القانوني واحد من أعظم السلاطين العثمانيين، وأكثرهم إنجازا، وأطولهم بقاء، ويجسد صراع البلاط بين جواريه الحسان، وحكايات وزيره الأعظم إبراهيم باشا. حقق المسلسل نجاحا كبيرا أينما عرض، وهو النسخة التركية من “ألف ليلة وليلة”، ويا لها من نسخة، اليوم الرئيس إردوغان غاضب من المسلسل ويعده تشويها لصورة أسلافه، كأنه تمنى لو جاء هذا العمل على غرار مسلسل أم كلثوم وأشباهه من المسلسلات العربية التي ترفع أصحاب هذه السير فوق مستوى البشر، تقتطع أخطاءهم وتقدمهم بصورة درس تاريخي دعائي بارد. ووقتها لم يكن ليشاهد المسلسل حتى السيد إردوغان، وطبعا لن يكلف نفسه عناء انتقاده أو التعليق عليه. “حريم السلطان” من أذكى الأعمال الدرامية، وأكثرها خدمة لصورة تركيا التاريخية، وحتى هويتها الإسلامية، كل الأرقام تشير إلى زيادة كبيرة في أرقام السياحة الثقافية إلى تركيا بعد المسلسل.
دائما أطالب من يكتبون أعمالا فنية مستوحاة من التاريخ بأن ينحازوا للفن لا للتاريخ. ليست مهمة الدراما أن تقوم بدور المؤرخ الذي يفصّل ثياب المجد على مقاس سيده، بل بدور أولئك المجانين الذين أعادوا صياغة “الرشيد” في ليالي شهر زاد الدافئة.
*نقلاً عن صحيفة “الوطن” السعودية