اليوم، بعد مرور ست سنوات تماما على تبني الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – يهدد الصراع وعدم الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حقوق الإنسان في مجالات عدة، بما في ذلك الحق الأساسي المتعلق بحرية الدين أو المعتقد. لقد ازدادت أعمال العنف التي ترتكب باسم الدين، ومحنة الأقليات الدينية تحديدا تبعث على القلق العميق.
في كل يوم تقريبا نشاهد صورا لمعاناة تدمى لها القلوب حين نرى مجتمعات عاشت بسلام قرونا طويلة تضطر للفرار سعيا للأمان – وبات المسيحيون على وجه الخصوص يسارعون لهجرة المنطقة، كما يضطر اليزيديون إلى هجر المناطق التي عاشوا فيها سنوات طويلة. لكننا نعلم بأن المسيحيين واليزيديين ليسوا وحدهم من يعاني. بل هناك أيضا أتباع ديانات وطوائف أخرى – سواء منهم السنة أو الشيعة أو الدروز أو العلويون أو اليهود أو البهائيون أو أي طوائف أخرى – يمرون بنفس المحنة.
التقيت خلال الصيف بالمطران أثناسيوس داؤد، رئيس أساقفة السريان الأرثوذوكس في المملكة المتحدة، لبحث الصعوبات التي تواجهها الطوائف الدينية في المنطقة. واستمعت بنفسي لما قاله عن الأعمال الوحشية المروعة التي يرتكبها إرهابيو الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش)، وكيفية تهديدهم وترهيبهم للأقليات الدينية. هذه الأفعال الوحشية تؤكد لي مدى أهمية أن نعمل مع شركائنا الدوليين لتنمية وتقوية حكومات ممثلة للجميع تصون سيادة القانون وتحمي حقوق الجميع، بغض النظر عن دينهم أو معتقداتهم.
من الضروري أن يتمكن كل الأفراد – سواء كانت لديهم انتماءات دينية، لأي دين كان، أو لم يكن – من المشاركة التامة بالمجتمع، والعيش دون خشية تعرضهم للإساءة أو التمييز ضدهم. ونحن نواصل حث جميع الحكومات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على ضمان حماية كل الأقليات الدينية، ونشجعها على تطوير أنظمة سياسية تمثل مواطنيها ’كافة‘.
وعلى المستوى العالمي، نعمل من خلال منظمات مثل الأمم المتحدة لتعزيز ترسيخ قناعة الدول بأهمية حرية الدين أو المعتقد في أنحاء العالم. فمن الواجب ألا يُنظر لهذه الحرية على أنها حق إنساني مهم في مناطق معينة من العالم فقط، أو أنها حرية تقتصر على بعض أطياف المجتمع، بل أن يُنظر لها في واقع الأمر على أنها حرية لا بد وأن تكون مكفولة للجميع وفي كل مكان. وإن تابعنا ما يحدث عن كثب، لوجدنا أن حرية الدين أو المعتقد هي عادة أول ما يُستهدف. وحيثما يتم السكوت عن ذلك، تتوالى الانتهاكات عادة لتشمل كبت حريات أخرى، كحرية التعبير عن الرأي أو حقوق المرأة.
نحن نقرن أقوالنا بالأفعال، وذلك من خلال مبادرتنا في الدول التي يمكننا العمل بها، إلى معالجة هذه المسائل والمساعدة في تنمية مجتمعات أكثر تمثيلا لأفرادها. ففي اليمن، على سبيل المثال، ندعم مبادرة شعبية للمصالحة لتخفيف التوترات بين مختلف أطياف المجتمع. وفي العراق وسورية، تمول المملكة المتحدة العديد من المشاريع التي جمعت القيادات الدينية من مختلف الطوائف لتعزيز تفاهم أكبر بين الأديان ودعم المصالحة بين أتباعها. وفي تونس، ندعم مشروعا يديره مركز دراسة الإسلام والديمقراطية الذي يبحث في حماية الأقليات الدينية، إلى جانب مواضيع أخرى، بموجب الدستور الجديد. كما نعمل خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتعزيز شبكات مناصري حقوق الإنسان الذين يعالجون مسائل تتعلق بحرية الدين أو المعتقد، ويشجعون إعداد تقارير إعلامية مبنية على معرفة أكبر بالصراعات الدينية.
واليوم، وبينما يحتفل العالم باليوم الدولي لحقوق الإنسان، أود أن أؤكد أهمية حرية الدين أو المعتقد. فتقييد هذه الحرية لا يشكل تقييدا لحرية الأفراد وحسب، بل إنه في كثير من الأحيان، يشعل أيضا فتيل الصراع. ولهذا السبب تعمل المملكة المتحدة مع الشركاء في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وخارجها لتشجيع وحماية هذا الحق الذي هو حق للجميع.
• وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية البريطانية
المصدر ايلاف