حرق طيار… ام حرق مرحلة من تطور داعش…؟؟؟..
مع كل الاحترام لمشاعر الناس و القيم الانسانية الا ان مشهد احراق الطيار الأردني يبدو و كأنه قد حقق بشكل كبير النقلة النوعية المطلوبة في استراتيجية تطور نشوء و ترسيخ دولة داعش… هذه فرضية و لكن كيف…؟؟..
قبل ان نخوض في مناقشة المسارات التي تلتقي عند هذه الفرضية فانه من المهم ان ننتبه الى ثلاث عوامل حققها هذا المشهد المريع و هي..
اولا…الصدمة النفسيية و التأثير السايكولوجي الذين رسخا لدى كل الناس …. محبين و كارهين…. حقيقة وجود دولة داعش و امكانياتها الهائلة في التدبير و التنفيذ…. اي وضع الخطط و تحقيقها… هذه الصدمة النفسية جعلت الجميع يستسلم للامر الواقع و أصبح تركيز الناس يتجه الى الصورة المؤلمة بدلا من الهدف السياسي وراء مثل هذه الممارسات..
ثانيا… الهالة الإعلامية الكبيرة على مستوى العالم كله بحيث وضعت داعش على رأس الاهتمام الإعلامي العالمي و بشكل تزامن مع ذكرى مرور 70 عاما لحرق اليهود في المعسكرات النازية….بالمناسبة هذه المقاربة غابت بشكل كلي عن التغطية الإعلامية في العالم العربي و المجتمعات المسلمة و التي انشغلت بالبحث عن تبريرات فقهية في التاريخ الاسلامي لعملية احراق الخصوم…!!!.. و كأن التاريخ الحديث يخلو من هذه الممارسات ( موضوع مؤلم يحتاج الى دراسات كثيرة)…
الان لنعود الى المسارات التي تربط بين حرق الطيار في مشهد مهيب و فرضية حرق مرحلة مهمة في تطور دولة و انتقالها الى مرحلة قد تكون مختلفة بشكل كبير… قراءة المشهد ذاته يشكل احد اهم أسس التطور الجديد و لكن فلنبدأ بنقطتين اخرين صاحبتا المشهد…
1 – … انتشرت اخبار و تسريبات بانه قد حدثت نوع من الانقسام بين القوى المختلفة في هيكلية داعش حول عملية احراق الطيار الأردني …. أهمية هذا الكلام هو انه يتحدث بين طرفين رئيسيين صاحبتا تاريخيا نشوء كل الممالك و الدول الأسلامية… و هما الطرف العربي و الطرف غير العربي… التسريب كان يقول ان الطرف العربي لم يقبل بفكرة احراق الطيار الأردني …. بل ان هذا الخيار قد تم فرضه من قبل الطرف غير العربي و خاصة القوى الشيشانية… و لخلق أهمية اكبر للموضوع فقد تم الحديث ايضا عن ان نائب الخليفة البغدادي هو شيشاني و لو تعرض البغدادي لأي سوء فان الحكم سيؤول الى الشيشانيين و غير العرب الذين يبدون قساوة اكبر بكثير من العرب في التعامل مع الأسرى و خصوم عموما…
هذه الفكرة تستهدف هدفين مهمين…. قبول داعش شرط تنقية هيكلياتها من غير العرب…. و كذلك اعادة الشيشان الى الدخول في الصراع الغربي الروسي الذي يتصاعد هذ الأيام بشكل كثيف…حيث تطرح فكرة إرسال أسلحة و جنود امريكان و أوروبيين لتحارب الى جانب القوات الحكومية في اوكرانيا..( هذا ايضا موضوع يحتاج الى معالجة خاصة )…
2- …طرح بريطانيا بشكل رسمي فكرة احتواء داعش بدلا من محاولة القضاء عليها…هذه الفكرة تتناسب كثيرا مع الطرح السابق من ان القضاء على داعش سيستغرق بين ثلاثة الى خمس سنوات و ربما يمتد الى ثلاثين سنة… هذا الطرح البريطاني جاء متزامنا مع تحليلات عن إمكانية تفكك الائتلاف الدولي و التشاؤم حول تحقيقه اية نتائج عملية خاصة ان القوى العسكرية الحقيقية على الارض غير ذي فعالية ( الجيش السوري تم أشغاله بعيدا عن مناطق داعش اما الدولة العراقية فلا تملك جيشا و قوات الحشد الشعبي لا يحق لها الدخول لأسباب طائفية و جيش كوردستان غير راغب لتبديد قواته في مهمة لا تخص كوردستان )….
اضافة الى كل هذا كانت هناك تسجيلات لوالد الطيار قبل فترة ناشد فيها داعش و …سمى أفرادها بالمجاهدين… الحفاظ على حياة ابنه… اما في خضم المباحثات التي جرت قبل ايام من اعلان إعدام الطيار فقد صرح الوالد بان ابنه قد تم إرساله الى الموت و ان الذي ارسله هو التحالف الدولي … و ان التحالف الدولي هو الذي اسقط طائرته و ليست قوات داعش… و للتأكيد على ادعائه هذا ذكر ان طائرة اماراتية تقودها امرأة و اسمها مريم المنصوري هي التي أطلقت النار على طائرة ابنه…. ربما هذا يفسر و يؤول سبب انسحاب الإمارات من التحالف الدولي …. لكن في النهائي كل هذا الكلام يهدف الى خلق الأساس السايكولوجي حول عدم فاعلية الحرب ضد داعش و لتقبل فكرة وجود دولة داعش كأمر واقع…
ثالثا…لو دققنا في المشهد … صور حرق الطيار… لأمكننا ان التوصل رسالتين مهمتين… أولاهما هي ان الفيلم يبدأ باستعراض دقيق للدول المشاركة و خاصة العربية و نوعية الطائرات و الأسلحة التي تحملها… ثانيهما… هي ان الفرقة العسكرية التي كانت تحرس عملية احراق الطيار كانت فرقة عسكرية محترفة …. اللباس العسكري لقوات كوماندو… طريقة الوقوف و الاستعداد… نوعية السلاح الشخصي و طريقة مسك السلاح… كل هذه المؤشرات تدل على قوات عسكرية مدربة ليس فقط لتنفيذ مهمات و إنما ايضا لإظهار الأوامر و التراتبية العسكرية التي تتمتع بها الجيوش النظامية و ليس قوات ميليشياوية باي شكل من الأشكال…( قوات داعش كانت تظهر سابقا بشكل أفراد بملابس مختلفة و يحملون أسلحة مختلفة…. اما أكثرها تنظيما فكانت بلباس اسود و احذية مختلفة…)…
المهم ان جوهر رسالة او رسائل فيلم احراق الطيار كان يهدف الى رسم صورة ذهنية لدى المشاهد تدل على إمكانيات دولة و ليس ميليشيا او تنظيم داعش…
الخلاصة الأولية هي اننا ازاء مرحلة جديدة في تطور داعش و المرحلة هي مرحلة اجراء تصفيات داخلية و رسم الحدود ( انظر مقالتي السابقتين عولمة داعش 1…و عولمة داعش …2 )… و هذه التصفيات تتجه في جانب منها الى تحميل الطرف غير العربي الوزر الأكبر لمنهج داعش و تبريراتها الاخلاقية … و من جهة اخرى ترتيب الهيكلية الداخلية لدولة داعش من حيث طبيعة العلاقات بين مختلف الانتماءات العشائرية و تأثير الدول الداعمة و غيرها… و كذلك طبيعة تنظيم المصالح الغربية و الدول الإقليمية ضمن هذه الهيكلية… و اعتقد في هذا الاتجاه ان العشائر الاردنية ستدخل طرفا رئيسيا الى جانب العشاير العراقية و السورية… أهمية العشائر الاردنية تكمن ايضا في امتداداتها في السعودية و دول الخليج الاخرى و كذلك الى فلسطين و سيناء و ربطها بليبيا و دول المغرب العربي… نواصل…حبي للجميع..