لم يسبق ان إنحدر امين عام حزب الله حسن نصرالله الى درك الشتيمة، كما في خطابه الاخير عن اليمن. لطالما كان الرجل صاحب حجة، بصرف النظر عن الاجتزاء في تقديم المعطيات المسوغة لموقفه، او حتى دقة المعطيات نفسها.
وهو صاحب كاريزما، وان خسر الكثير منها، لطالما فاقمت من “صحة” ما يقول او “دقة” ما يذهب اليه، ما جعل خطاب يوم الجمعة الفائت علامة فارقة بشدة عن عموم سيرته الخطابية.
لم ينف نصرالله حقيقة النفوذ الايراني في المنطقة وان حاول ذلك بارتباك في مستهل خطابه. بل راح يفند أسانيد هذا النفوذ واسبابه، وبين طيات التبرير والتفسير بدا منحازاً لهذا النفوذ محاولاً إقناع مستمعيه بحسناته وجدواه.
ولأن نصرالله حاذر تقديم الأسباب الحقيقة للنفوذ الايراني، وصلته بسلوك الدول وحسابات أمنها القومي ومطامحها الاستراتيجية، جعل من هذا النفوذ الثمرة المنطقية لأداء العرب، وكأنه مجرد انسياب طبيعي لمجرى الأمور بلا اي إرادة او مشروع او نية إيرانية مسبقة. وهنا سقط في فخ الشتم.
فالعرب “تنابل وكسالى وفاشلون”! قالها بغضب وبحدة. وهو ما أدى برأيه الى ان تتربع ايران على مفارش النفوذ هنا وهناك في العالم العربي.
الحقيقة، وبصرف النظر عن التعابير، ثمة ما هو صحيح في توصيف نصرالله. كتبت نخب عربية خليجية وغير خليجية كثيراً عن الواقع الاستراتيجي العربي واختلال موازينه لصالح طهران. ومن بين هذه النخب تقييم شجاع لعميد وزراء الخارجية العرب الامير سعود الفيصل في القمة العربية في سرت، تحدث فيه عن الفراغ الاستراتيجي العربي. وكتب الكثير حثاً على بلورة مشروع عربي او رؤية او استراتيجية او حتى رشاقة سياسية عربية تعيد التوازن الى المنطقة في مواجهة جموح طهران!
غير ان الفارق بين ما ذهب اليه نصرالله وما ذهبت اليه هذه النخب يكمن في ان رجل طهران في لبنان بدا مستاءً من صحوة “التنابل والكسالى والفاشلين”، في حين ان النخب العربية كانت تحتفل بما نرجو ان يكون صحوة عربية باتت شديدة الالحاح.
ما يحرك مواقف نصرالله وعواطفه وانفعالاته هو قياس الأمور من زاوية مصلحة ايران وليس مصلحة العرب. فهو بدا قلقاً على ايران من صحوة “التنابل” العرب بدل ان يفرح للعرب الذين استفاقوا على ضرورة تحقيق التوازن مع ايران.
اولوية رجل ايران إيرانية وليست عربية. فضحته في ذلك شهيته لإهانة العرب، الذين هم في تحالف “عاصفة الحزم” يمثلون الأغلبية الشرعية العربية وليس المملكة العربية السعودية وحدها.
فإلى جانب وصفهم “بالتنابل والكسالى والفاشلين” استعار في وجههم فوقية فارسية إيرانية من زمن الشاه حين خاطبهم بالقول “… بل سيدكم شاه ايران”! بجملة واحدة وضع جل ايرانيته على الطاولة متجاوزا انتماءه الى الثورة على الشاه.
خطورة كلام نصرالله ليست في سقفه المرتفع، الذي جاء هذه المرة لتغطية الذهول المتأتي عن عاصفة الحزم والعجز في الرد عليها، لا سيما انها جاءت مقرونة بما أشرنا الى قدومه من انتكاسات في تكريت وجنوب سوريا.
خطورة الكلام يكمن في صدوره عن شخصية شيعية لا شك في صفتها التمثيلية عند الشيعة، بما يحمِّل هؤلاء وزر موقفه ويحولهم في أغلبيتهم الى جاليات ايرانية تقيم في دول عربية. فكلام نصرالله ينطلق من أولويات ايرانية صرفة ويعبر بمضمونه وشكله عن مصالح ايرانية خالصة، ليست بالضرورة هي مصالح الشيعة العرب، وهي ليست مصالحهم بالتأكيد. وبالتالي فان ما يستدعيه كلام نصرالله هو اعادة الاعتبار الى الضرورة الملحة لبلورة مشروع شيعي عربي يعيد الوصل بين الشيعة العرب ومصلحة دولهم ومجتمعاتهم اولاً وتأطير مساهمتهم في اغناء التعدد في إطار حماية وسلامة الدولة الوطنية التي يعيشون فيها.
الأمانة توجب القول ان هذا الامر ليس مسؤولية شيعية صرفة ولا تقوم له قائمة بمعزل عن الدور المركزي للحكومات في الخليج وخارجه في تحصين فكرة المواطنة والحقوق خارج القيد المذهبي.
عاصفة الحزم، تُستكمل بعاصفة حزم سياسية ومجتمعية لتحرير الشيعة العرب من قبضة طهران. المشروع كبير ويستحق، والمسؤوليات حياله جسام والأخطاء التي ارتكبت بحقه ليست بسيطة.
*نقلاً عن “المدن”