اكتشفت اسرائيل بعد 50 يوما من قصف قطاع غزة ان تحقيق انتصارات سريعة كاسحة لم يعد ممكنا واكتشفت حماس انها تحتاج الى 1500 صاروخ لتقتل اسرائيلي واحد في العمق الاسرائيلي. والآن وضعت الحرب أوزارها أخيرا، إثر اتفاق فلسطيني – إسرائيلي، برعاية مصرية، ويستند إلى تفاهمات اتفاق نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 بين حماس وإسرائيل، على أن تبدأ المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية غير المباشرة بعد أكثر من أسبوع للاتفاق على القضايا المعلقة.
أعلنت حماس الانتصار واحتفلت لأن اسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها واسرائيل بدورها ايضا اعتبرت ان الحرب على غزة حققت اهدافها بتدمير الانفاق وتدمير البنية التحتية العسكرية لحماس. قبلت حماس وقف اطلاق النار على نفس الشروط التي عرضت قبل اسابيع ولكنها رفضت تلك الشروط ربما يايعازات ايرانية او قطرية لا نعرف. ولكنها رضخت في النهاية. هل هذا انتصار ام هزيمة؟ يبقى الجواب معلقا في الهواء.
القضاء على حماس وتدميرها لم يكن هدفا اسرائيليا في الأساس. ويقول محللون اسرائيليون ان وجود حماس كما هو وجود حزب الله كنز استراتيجي اسرائيلي. اسرائيل تريد ان تبقى حماس ضعيفة وعقبة امام اي مصالحة فلسطينية حقيقية. وجود حماس يعطي اسرائيل الذريعة الدائمة انها تحارب الارهاب وتتهرب من استحقاقات السلام الحقيقية.
من المنتصر ومن الخاسر سيحتل مئات الصفحات من التحليل والتعليق. ومما لا شك في ان حماس ستحقق بعض المكاسب الملموسة مثل رفع الحصار والحصول على موافقة اسرائيلية بتشييد مطار وميناء.
ومما لاشك فيه ان مخطط ايران في احراج مصر والسلطة الفلسطينية وتهميشهما قد فشل في تحقيق هدفه. يعتقد مراقبون فلسطينيون وعرب ان ايران حرّضت حماس على التحرش باسرائيل لاحراج مصر من جهة وتحويل الانظار عن جرائم النظام السوري. واستجابت حماس للرغبة الايرانية بسرعة لاسترجاع شعبيتها المتدنية في غزة. عندما قتلت اسرائيل ثلاثة من قادة حماس العسكريين انتقمت حماس من 18 فلسطيني بطريقة عشوائية بحجة التجسس لاسرائيل. لا محاكمة ولا شهود ولا اثباتات.
ومن ناحية أخرى كشفت هذه الحرب حقيقتين هامتين:
الحقيقة الأولى:
لقد انتهى عصر الانتصارات السريعة الكاسحة والشاملة التي اعتادت عليها اسرائيل. اكتشفت اسرائيل ان الهجوم على غزة لم يعد قليل التكلفة وأن القصف الجوي لوحده لا يدمر شعب مقاوم وان الغزو الأرضي له تكلفة باهظة في ارواح الجنود.
أدرك كغيري أن صواريخ حماس محدودة المفعول حيث تم اطلاق حوالي 3000 صاروخ سبّبت بعض الأضرار المادية البسيطة وقتلت شخصين. ولكن تأثير الصواريخ المعنوي كان أشد بكثير من مفعولها المادي. ومن جهة أخرى استغلت اسرائيل اطلاق هذه الصواريخ اعلاميا ودعائيا لتبرير قتل اكثر من 2000 فلسطيني وتدمير عدد كبير من المباني والمنشأت ولكنها خسرت الحرب الدعائية بسبب استهداف المنازل والمباني السكنية التي أدّت الى استشهاد عدد كبير من الأطفال. وقد لعب الاعلام دورا مميزا في فضح الجرائم الاسرائيلية.
الحقيقة الثانية والمهمة:
محور الدجل والنفاق الذي لا يقاوم:
فضحت حرب غزة ما يسمى محور المقاومة والممانعة وفضحت عجزه وفشله واكذوبته.
عندما كانت طائرات اسرائيل تدك غزة انشغل نظام المقاومة والممانعة بقصف الشعب السوري بالبراميل المتفجرة التي تحتوي غاز الكلور السام ورافق ذلك صمت مريب من حزب الله وايران باستثناء تصريحات فارغة من روحاني وحسن نصر الله وبثينة شعبان وتميزت هذه التصريحات بالكذب ورفع العتب.
بينما كانت الطائرات الاسرائيلية تدك غزة وتقتحم دبابتها اراضي غزة انشغل محور المقاومة والممانعة بالفتك في الشعب السوري الذي يطالب باسقاط نظام الطاغية بشار الأسد. بينما انهمكت اسرائيل بقتل أهل غزة، واصل النظام السوري قصف المخيمات الفلسطينية في سوريا. ومن الحقائق الموثقة ان النظام السوري قتل من الفلسطينيين اضعاف ما قتلت اسرائيل. ارتكب النظام السوري مجازر مروعة في مخيم اليرموك بالقصف بالبراميل المتفجرة والتجويع والاذلال. اسرائيل رغم حقدها على الشعب الفلسطيني لم تجرؤ على ذلك.
المتاجرة في القضية الفلسطينية بات امرا روتينيا لسوريا وايران وما يسمى محور المقاومة التي لا تقاوم والممانعة التي لا تمانع الا لفظيا وشفهيا.
تخوين وابتزاز:
ولاحظت في الاسابيع الأخيرة ان هناك حملة من الانتقادات موجهة لبعض الدول العربية لعدم وقوفها مع حماس. هذه الدول لم ترفع شعارات بمسح اسرائيل من الخارطة ولم ترفع شعارات مقاومة وممانعة جوفاء كما فعل اعضاء محور المقاومة والممانعة في دمشق وطهران وبيروت. لذا ارفض مصطلح الصهاينة العرب لنعت كل من يرفض الانقياد خلف القطيع المؤيد لحماس او للاخوان المسلمين بشكل عام. هذا ابتزاز حقير يتلخص بالجملة التالية: اذا لم تؤيد حماس فأنت صهيوني. لم نسمع تهديدات مشابهة في الطرف الآخر اذا لم تؤيد نتينياهو فأنت قومي عربي.
نهاد اسماعيل
لندن