قبل ايام أظهرت داعش فيلما وزعته اغلب وكلات الأنباء و وسائل الاعلام في العالم عن تحطيم التماثيل و قطع الاثار في داخل و محيط متحف الموصل … شيء مثير رغم انه ليس امر جديدا و لا غريبا… فالاسلام حاله حال الديانات السماوية … او الديانات المؤسسة على فكرة الاله الواحد الأحد … لا تقبل باي شريك لهذا الاله الواحد الأحد… و التماثيل … بغض النظر عن مادة صنعها… سواء خشبا او معدنا او حجرا… كان يعتبرا صنما… و الصنم هو رمز غير ناطق… او هو شيء لا ينفع و لايضر وفق منطق القرآن… و لكن عندما يحوز على اهتمام الناس فانه يتحول الى شريك لله…. لان اهتمام الانسان هو مركز إيمانه … و الإيمان يجب ان يكون لله الواحد الأحد …. لانه الخالق و المدبر الوحيد… و عليه فهو الوحيد الذي يستحق الإيمان به… و هذا هو المنطق الذي على اساسه قام النبي ابراهيم بتحطيم الأصنام … رغم انه كان يعرف ان تلك الأصنام لا تنافس قدرة الله في اي شيء سوى انها تستحوذ على إيمان بعض الناس…
هذه حقيقة يعرفها كل المهتمين بعلم الاثار و انثروبولوجيا التطور الاجتماعي و ظهور الأديان …. كما ان هناك حقيقة ثانية يعرفها هؤلاء ايضا و هي ان استكشاف الاثار القديمة كان عملا أساسه دراسة المجتمعات القديمة و تطورهما… ثم تحولت تلك الاستكشافات و تعرضت …. كأي شيء اخر في هذا العالم… الى عملية السلعنة… اي أصبحت سلعا تباع و تشترى … اي انها أصبحت تجارة مربحة بين اللصوص و الأغنياء….. بعض الأغنياء يحتفظ بتلك الاثار في قصورهم للتباهي و كذلك كنوع من الاستثمار… و اخرون طورا فكرة لاستثمار و هكذا أقيمت المتاحف الكبرى هنا و هناك في الدول الاستعمارية لحفظ تلك الاثار و عرضها للجمهور مقابل مبالغ مالية… مع فتح اسرار بعضها للدارسين…
و الفيلم الذي عرضته داعش بنيت فكرته على أساس هاتين الحقيقتين …. شخص ظهر في الفيلم و قال اننا نحطم هذه الأصنام رغم انها يمكن ان تباع بالملايين… و هذا الكلام يمثل طبيعة رسالة داعش التي لا تختلف كثيرا عن طبيعة رسالة حرق الطيار الأردني…. انظر مقالتنا بذلك الشأن…فالهدف إعلامي تستحوذ من خلاله داعش على اهتمام وسائل الاعلام في العالم … و في نفسه الوقت تؤكد وجود مؤسسات دولة خلفها… اي مؤسسات دولة داعش… فالعمل اي تحطيم الثار بهذا الشكل المنظم و تحت أنظار الاعلام لا يمكن ان يكون مجرد رد فعل أشخاص متعصبين… بل يعتبر عملا قانونيا…يستند الى شرائع قائمة تدار أمور المجتمع على اساسه… ثم ان تطبيق القانون غير قابل للبيع و الشراء… لانه يمثل قوة الدولة و نظامها…
بكلام اخر… ان داعش ارادت ان توصل رسالة مفادها ان الدولة قائمة و مؤسساتها تقوم بعمل نظامي قانوني…طبعا نحن لا نعرف اذا كانت الاثار التي تعرضت للتحطيم هي فعلا اثار حقيقة لان بعضها كان صلدا و مقاوما للضربات القوية التي تنهمر عليها و هذا يطرح اشكالية تقنية حول المواد التي صنعت منها تلك الاثار و قوة صلابتها… كما ان هناك سؤلا حول عدد الاثار التي كانت موجودا في متحف الموصل و هل تعرضت جميعا للتحطيم ام ان قسما منها قد تم بيعه فعلا….و أسئلة كثيرة اخرى… يمكن ان تطرح دون إمكانية إيجاد اية اجوبة ….
لكن كان هناك أمراخر حققته دعاية داعش و هو ظهور الكثير من الأصوات التي تدعو و تتمنى لو ان الغرب استولى على جميع الثار و حولها الى متاحفه المحفوظة “من كل سوء”… في وقت انبرى “المثقفون” يتحدثون عن الاثار باعتبارها تمثل هوية العراق و العراقيين …!!!..
ترى ما أهمية تلك الهوية التي تحفظ في متاحف الغرب و تفيد الغرب تجاريا و علميا …. و بماذا يختلف الامر اذا عادت الاثار الى تحت الثرى كما كانت قبل ان يستخرجها المستعمرون…؟؟.. هل يعتقد هؤلاء “المثقفون” بان العراقيين لم تكن لهم هوية يعتزون بها قبل ان يأتي المستعمرون و يسكتشفون … او يصنعون … لهم تلك الهوية التي لم تعلن عن نفسها عبر آلاف السنوات و انتظرت مجي المنقذ الغربي…؟؟؟..
هناك من هؤلاء “المثقفين” من يعتقد ان جهات خارجية تحاول محو الذاكرة العراقية…. كلام مهم و منطقي في ظل الفوضى العراقية و تدخل الجميع في شؤونه… لكن السؤال الذي تطرحه السوسيولوجيا الاجتماعية هو: … بماذا خدمت هذه الاثار في الحفاظ على الوحدة الاجتماعية العراقية..؟؟.. هل منعت هذه الذاكرة التحارب بين المجموعات الاجتماعية العراقية..؟؟… ربما نجد الف تبرير و تبرير و نظريات مؤامرة و غيرها للاقتتال الداخلي…. و لكن هل يمكننا في النهاية ان نفترض ان الرموز الحضارية القديمة قد زادت من تحالف المنتمين و المؤمنين بتلك الحضارات التاريخية …. ام انها تلعب بين الحين و الاخر في إذكاء الخلافات و التناحرات و ايضا الصراعات و القتال…؟؟؟…
هل يحتاج العراقيون بما يذكرهم كل يوم عن اختلافاتهم و روايات تبادل الانتصارات و الهزائم بين المجموعات الحضارية القديمة…. ام يحتاج العراقيون الى هوية و ذاكرة حضارية جديدة تجمعهم على أسس من المساواة و الفصل بين حاضرهم … الذي ممكن ان يصنعوه بايديهم …. و ماضيهم بغض عمن صنعه و من استكشفه…؟؟؟…
ثم حتى لو فكرنا اقتصاديا و استثماريا … حيث تحولت الاثار في كثير من الدول الى صناعة سياحية… و حيث ان المتاحف في الدول الغربية التي تحتفظ بالكثير من اثار العالم المسروقة… يمكننا ان نتسائل عن مساهمة المتاحف لدينا و منها متحف الموصل في الدخل الوطني او القومي للعراق في اي فترة من تاريخ العراق و منذ ان تم انشاء المتاحف و الاهتمام بالآثار …؟؟؟.. هل يمكن ان نتصور ان مساهمة الاثار تمثل اية نسبة قياسا بالنفط الذي يوفر المليارات سنويا دون ان ينفع المجتمع و خاصة الفقراء في شيء…؟؟؟..
و اخيرا … ما أهمية اية موارد معمل كانت قيمتها المادية و العلمية و التاريخية و القيمية امام دماء العراقيين الذي اصبح لعبة يومية بيد الداعشيين هنا و هناك… من ذبح و اغتصاب و قطع للاطراف و الاهانة و الذل …؟؟؟… أليس غريبا ان ينبري “المثقفون” للدفاع عن اثار… او اصنام… ممكن ان يصنع مثلها اي نحات او فنان… بينما يترك امر اهل الموصل … و كل المناطق الاخرى… تحت رحمة داعش و حروبها..؟؟؟..
الم يشعر هؤلاء “المثقفون” بأنهم سقطوا في فخ ” لعبة داعش” العولمية..؟؟؟… الم تنجح داعش كما نجح الاستعمار في صنع “اصنام” داخل عقول البعض ممن يتلوى الماً على احجار لا تنطق..؟؟؟… أليس غريبا ان نبكي على الاطلال و لا نبكي على ساكنيها الراحلون…؟؟… حبي للجميع..
مواضيع ذات صلة: فيديو تدمير اثار العراق متحف نينوى مهد الحضارات: الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر