حرب الأسد لتجويع السوريين
الإتحاد الاماراتية
جون كيري
قبل أيام قليلة فحسب، استمعت في لندن، وأنا حزين وأشعر بالصدمة، لأحمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري وزعماء المعارضة السورية المعتدلة، وهم يصفون كيف يضطر السوريون العاديون غير المنخرطين في القتال الدائر في البلاد، إلى أكل الكلاب والقطط الضالة حتى لا يموتوا جوعاً في حملة حرمان يشنها نظام الأسد.
العالم يعلم بالفعل أن الرئيس السوري استخدم أسلحة كيماوية ضد مواطنيه وارتكب عمليات قصف بلا تمييز واحتجاز اعتباطي واغتصاب وتعذيب ضدهم. لكن هناك أمر آخر لا يتعين التهاون فيه أيضاً، وإن كان يخفى على العالم إلى حد كبير، وهو المنع المنهجي للمساعدات الطبية وإمدادات الغذاء والمساعدات الإنسانية الأخرى لقطاعات كبيرة من السكان. وهذا المنع لأبسط حقوق الإنسان يتعين أن ينتهي قبل أن تتخطى حصيلة قتلى الحرب، التي تتجاوز حالياً 100 ألف قتيل، مستوى كارثياً آخر.
ودفع ظهور تقارير عن سوء تغذية حاد في قطاعات واسعة من سوريا بسبب حصار النظام، مجلس الأمن الدولي إلى توجيه بيان للرئيس السوري كي يسمح بدخول المساعدات الإنسانية على الفور. ويتعين على كل الدول أن تتحرك الآن لدعم موقف الأمم المتحدة. ويتضمن هذا حكومات سمحت لحلفائها السوريين بأن يعرقلوا أو يفسدوا جهود المساعدات الحيوية التي يجيزها القانون الدولي للأغراض الإنسانية.
وببساطة، يتعين على العالم أن يتحرك بسرعة وبحسم ليقدم المساعدات التي تحفظ حياة المدنيين الأبرياء الذين أناخت عليهم الحرب بكلكلها دون جريرة منهم. والتقاعس عن فعل هذا سيعرض «الجيل الضائع» من الأطفال السوريين للصدمة النفسية واليتم والجوع بسبب هذه الحرب الهمجية.
ويمكن تخفيف حالة اليأس بشكل كبير حتى في غمرة القتال. فكل يوم يثبت مفتشون من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية يعملون بالتنسيق مع النظام السوري وبمساعدة من روسيا ودول أخرى، أن المتخصصين يمكنهم أن ينجزوا أعمالاً مهمة عندما تتوافر الإرادة السياسية. وإذا استطاع مفتشو الأسلحة إنجاز مهمتهم الحيوية في ضمان ألا تستخدم أسلحة سوريا الكيماوية أبداً في المستقبل، فسيكون بوسعنا عندها أن نجد وسيلة يستطيع من خلالها عمال الإغاثة تقديم الغذاء والعلاج الطبي للرجال والنساء والأطفال الذين يتكبدون عبء خطأ لم يرتكبوه.
واضطلعت الولايات المتحدة بجهود كبيرة لرفع المعاناة. فمنذ بدء الأزمة السورية تصدرت المانحين الدوليين في المساهمة بما يقرب من 1.4 مليار دولار لتقديم المساعدات الإنسانية. وتم توزيع المساعدات في كل قطاع من سوريا عن طريق وكالات الإغاثة الدولية الكبيرة، ومنها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبرنامج الغذاء العالمي، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والهلال الأحمر العربي السوري، وجماعات غير حكومية بارزة.
ومعظم عمال الإغاثة هؤلاء سوريون شجعان غامروا بسلامتهم ليعبروا خطوط المعركة بين الجانبين من أجل تقديم الخير لمواطنيهم. لقد جاءوا بالمعجزات وأنقذوا حياة الآلاف، وفي مقابل هذا وقعوا في أهوال كثيرة. فقد تعرضوا للتحرش والخطف والقتل والمنع في كل مكان من الوصول إلى المدنيين الأبرياء الذين يتشبثون بأهداب الحياة.
وكلا الجانبين المتناحرين يضعان عراقيل على وصول عمال الإغاثة للمحتاجين. فقد رصد مراقبون من الأمم المتحدة ومن منظمات غير حكومية الوسائل التي منع بها مقاتلو المعارضة المتطرفين وصول المساعدات إلى محتاجيها، إذ منعوا الإمدادات وانتهكوا حقوق الإنسان لعمال توصيل هذه المساعدات.
لكن سياسات النظام السوري الحاكم هي التي هددت بسقوط الكارثة الإنسانية في هوة بلا قرار. فقد رفضت حكومة الأسد تسجيل وكالات الإغاثة المشروعة، وعرقلت دخول المساعدات عبر الحدود. وهي تطلب من قوافل الأمم المتحدة عبور طرق ملتوية تمر فيها بعشرات من نقاط التفتيش كي تصل إلى هدفها. وعرقل النظام بشكل منهجي شحنات الغذاء إلى المناطق ذات الموقع الاستراتيجي، مما أدى إلى ارتفاع حصيلة القتل والبؤس.
ودعا بيان للأمم المتحدة في وقت سابق هذا الشهر كل الأطراف لاحترام التزامات القانون الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية. وحدد سلسلة من الخطوات التي إذا تم اتباعها ستمكن من قطع شوط طويل في حماية ومساعدة الشعب السوري: يتعين تسريع حركة القوافل التي تنقل المساعدات، وتوفير ممر آمن لجهود تقديم الرعاية الصحية للجرحى والمرضى، ووقف الهجمات ضد المنشآت الصحية وأفراد الطواقم الطبية.
لكن للأسف الشديد، من غير الواقعي أن نتوقع أن نظاماً مثل نظام الأسد سيلتزم بروح، ناهيك عن حرفية، بيان مجلس الأمن الدولي، دون ضغوط دولية منظمة. فالنظام الذي أطلق الغازات السامة على شعبه ومنع عنه بشكل منهجي الطعام والدواء، لن يرضخ إلا لضغوطنا وليس لآمالنا.
ويتعين على حلفاء النظام السوري الذين لهم تأثير في قراراته، أن يطالبوا الأسد وأنصاره بالتزام المعايير الدولية. ومع اقتراب الشتاء سريعاً وتصاعد عدد الجوعى والمرضى، ليس أمامنا وقت نضيّعه. ويتعين أن يتمكن عمال الإغاثة من الدخول بشكل كامل للقيام بعملهم. وليس للعالم أن يجلس صامتاً ومتفرّجاً.
وزير الخارجية الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»