بقلم د. توفيق حميد/
أثار زواج الداعية الإسلامي معز مسعود من الممثلة المعروفة شيري عادل ـ وهي ليست محجبة ـ زوبعة عند الكثيرين، لأن كثيرين من الدعاة ومنهم هذا الداعية لم يكتفوا فقط بالدعوة للبس الحجاب بل اتهموا الرجل الذي يتزوج غير محجبة بأنه ديوث، و”الديوث” في المفهوم الديني هو من يرضى بالفاحشة في أهله دون أن يحرك ساكنا.
وعلى هذا النهج الذي يهين من لا تلبس الحجاب سار – للأسف – كثيرون.
واضطر الداعية الشهير بعد الهجوم عليه والسخرية منه على شبكات التواصل الاجتماعي – وذلك بعد أن أصبح في وضع صعب للغاية – أن يغير من أسلوبه فيدافع عن زواجه من شيري عادل، وينقذ نفسه من تهمة “الدياثة” بقوله أن “الحجاب ليس مقياسا لتدين المرأة”!! مخالفا بذلك كل كلامه السابق عن الحجاب.
هذا الموقف، أي رؤية الجنة والنار، كان رواية من الرسول عليه السلام عما حدث له أثناء حادث “الإسراء والمعراج”، فكيف لا يذكره البخاري ولو مرة واحدة؟
و يا له من موقف غريب من الداعية أثار عديدا من التساؤلات.
ومن هذه التساؤلات هل حديث “الكاسيات العاريات” الذي استخدمه كثير من الدعاة الإسلاميين لترهيب النساء، وجعلهن يرتعدن خوفا من عدم لبس الحجاب صحيح أم أنه ضرب من خيال رواة الأحاديث؟!
ونص الحديث المشهور الذي أرعب كثيرات هو:
حديث: ((صِنْفَان مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ. وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ. لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)).
وهناك عدة نقاط تقدح في مصداقية هذا الحديث:
أولا: هذا الموقف أي رؤية الجنة والنار كان رواية من الرسول عليه السلام عما حدث له أثناء حادث “الإسراء والمعراج”، فكيف لا يذكره البخاري ولو مرة واحدة؟ وهو الكتاب الذي يطلق معظمهم عليه بأنه أصح الكتب بعد كتاب الله – بالرغم من أهمية هذا الحدث أي “الإسراء والمعراج” في التاريخ الإسلامي؟
فهل نسيه البخاري أم نسيه الرواة الذين تم أخذ حادث المعراج من روايتهم؟
فالحديث أساسا تم ذكره في ما يسمى بـ”صحيح مسلم” ولم يرد ذكر هذا الموقف أثناء حادث المعراج ولو مرة واحدة في “صحيح البخاري”.
ثانيا: تم رواية هذا الحديث في “صحيح مسلم” عن أبي هريرة وهو الذي شكك كثيرون في الأحاديث المروية عنه.
فأبو هريرة روى آلاف الأحاديث ( 5374 حديثًا) بالرغم من أنه لم يصاحب الرسول عليه السلام إلا ثلاثة أعوام كما جاء على لسانه في صحيح البخاري: “صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين” في حين أن أبو بكر الصديق – والذي عاصر الرسول طوال مدة الرسالة (أي أكثر من عشرين عاما)- لم يرو إلا 142 حديثا.
فهل هذا معقول أن تكفي صحبة أبي هريرة للنبي حوالي ثلاثة سنوات ليروي عنه آلاف الأحاديث؟
ولا يقف الشك في مصداقية أبي هريرة عند هذا الحد فقط بل يتعداه بكثير.
فقد هاجمته السيدة عائشة زوجة الرسول واتهمته بالكذب. فكما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل أن رجلين من بنى عامر دخلا على عائشة فأخبراها أن أبا هريرة يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال : الطيرة (أي التشاؤم) من الدار والمرأة والفرس. فغضبت عائشة وقالت والذي أنزل الفرقان على محمد “ما قالها رسول الله” صلى الله عليه وسلم قط (إسناده صحيح على شرط مسلم).
وكان رد أبي هريرة على عائشة سريعا. فعن عائشة : أنها دعت أبا هريرة ، فقالت له: يا أبا هريرة ، ما هذه الأحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها عن النبي (ص)؟، هل سمعت إلا ما سمعنا؟، وهل رأيت إلا ما رأينا؟، قال: يا أماه، إنه كان يشغلك عن رسول الله المرآة والمكحلة! (حديث صحيح الإسناد).
ثالثا: ورد هذا الحديث في كتب الحديث مثل صحيح مسلم ومسند أحمد بن حنبل للبيهقي بعديد من الروايات المختلفة. فأي هذه الروايات هي “الحقيقة” التي نطق بها الرسول (إن كان نطق بها أصلا)؟
فعلى سبيل المثال لا الحصر ورد نفس معنى الحديث عن الرسول بهذه الرواية: “عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المسجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات”. وهذا الحديث ضعيف عند أكثر الحديث مثل الذهبي وأبو داود والنسائي.
وفوق ذلك، فإن حديث “الكاسيات العاريات” هو حديث في أفضل رواياته “موقوف” – وهو الذي تقف روايته عند الصحابي فقط، فلم يرفعه إلى الرسول عليه السلام أي أنه لم يقل: “سمعت رسول الله” أو “قال رسول الله” فيرفعه بذلك إليه (وذلك على خلاف ما يسمى بالحديث “المرفوع” وهو الذي يقول الصحابي فيه: “سمعت رسول الله” أو “قال رسول الله” فيرفعه إليه).
وهذه (أي أن الحديث موقوف!) هي من أحد نقاط الضعف في أي حديث.
رابعا: لو كان موضوع “العري” هام بهذه الدرجة في كتب الحديث، فلماذا أباحت الشريعة “الغراء” ودعاة الحديث وقوف الجواري في دولة الخلافة عاريات الصدور تبعا للحديث الشريف المزعوم، فإن “عورتهن من السرة إلى الركبة”؟؟، وكيف أمر الرسول عليه السلام – كما زعموا – السيدة عائشة أن تكشف عن ثديها للرجال لترضعهم في حديث “إرضاع الكبير” المشهور – والذى جاء أيضا في صحيح مسلم وغيره من كتب الأحاديث؟
خامسا: أنه حتى لو رأى البعض أن حديث “كاسيات عاريات” صحيح، فقد اختلف في معناه المفسرون، فرأى بعض منهم أن معناه أنهن كاسيات من نعم الله، عاريات من شكرها، أي أن الله أنعم عليهن بنعم كثيرة ولا يشكرنه عليها، أي أن الأمر قد لا يكون له أي علاقة بالزي الذي تلبسه المرأة.
والخلاصة أن الحديث الذي تم استخدامه لترهيب النساء في العقود الماضية حتى يلبسوا “الحجاب” والمعروف باسم حديث “الكاسيات العاريات”، هو حديث في غاية الضعف من نواح عديدة وهو أقرب للكذب منه إلى الصدق!
شبكة الشرق الأوسط للإرسال