حظي الشيوعيون السوريون بقسط غير قليل من احترام الناس، وبقسط مروع من اضطهاد النظام. بالنسبة إلى كثيرين منهم لم يكن الحزب سوى منصة للوقوف في وجه قدسية الحزب القائد ووحدانيته. وبعد الثورة السورية بدا بوضوح أن مفكرين مثل رياض الترك وميشيل كيلو وياسين الحاج صالح كانوا أكبر وأعمق من التألب الحزبي، وفي أي حال فإن الحزب ذهب في تعريب نفسه إلى أقصى الحالات عندما أعلن أرملة خالد بكداش، المؤسس، زعيمة وأمينة عامة.
يجيء نائب رئيس الوزراء السوري الدكتور قدري جميل من هذا الماضي. وقد حمل الرجل دكتوراه في الاقتصاد من موسكو، يوم كان الاقتصاد درسا وجدانيا واحدا عنوانه الطبقات الكادحة وشعاره مطرقة ومنجل. الآن أصبحت المطرقة كهربائية، والمنجل تراكتورا زراعيا، يحصد القمح وينقيه من الزؤان، ويخزنه في الصوامع، في عملية واحدة.
لم تعد لدكتوراه قدري جميل أي أهمية في بلد هتك حتى الآن 100 مليار دولار تحت شعار «سرعة لا تسرُّع». ولكن بقيت هناك أهمية العلاقة مع الروس ولغة التفاهم، التي هي أيضا لغة التفهّم. كلف الاقتصادي السوري بقول أخطر كلام سياسي يصدر عن الحكومة. في العام الماضي قال في موسكو ما يعرض صاحبه للموت، وهو إمكان الإصلاح بعد ذهاب السيد الرئيس، ويوم الخميس الماضي قال إن الحسم العسكري مستحيل، على الرغم من خطابات السيد الرئيس عن النصر في الرقة وداريا وحمص ودار الأوبرا.
لا يتعرض كلام قدري جميل للتكذيب لأنه يعبر أيضا عن رغبة روسية مكتومة، أو على الأقل عن جس نبض. وعلى الرغم من أن هذا الكلام العاقل يأتي ملفوفا بأكفان مائة ألف إنسان، وما بقي من رقع في ثوب سوريا، فلعله مقدمة لإشارات تخرج البلد من جحيم الغرور والكلام المفرغ وإعلام الأربعينات في عام 2013.
أهمية الكلام الذي قاله الرجل أنه قيل باللهجة الروسية. وإلا لكان كلاما ينفى بمجرد الإدلاء به، كما حدث العام الماضي مع بيان (نائب الرئيس) الأستاذ فاروق الشرع، الذي أصر عدد من الزملاء على أنه بالتنسيق مع القصر، قصر الشعب طبعا. ما إن صدر البيان حتى اختفى وأخفي صاحبه، مَنّ الله عليه بالشفاء، فقد تحمل أكثر من معاناة.
كرت في الآونة الأخيرة الأشياء التي تقال للمرة الأولى والتي لم يكن أحد يتخيل أنها ستقال. خطاب بشار الجعفري عن معاهدة الكيماوي، من دون التعرض لشعر نزار قباني، وضحكة سيرغي لافروف في وجه جون كيري، وكلام قدري جميل عن استحالة النصر. مجرد بداية على طريق وعر وطويل نحو جنيف.
منقول عن الشرق الاوسط