حدث عام 1973في دمشق… هذه حكاية أبو مصطفى …

shabihرنا قباني: سوريتي

سيارة ميرسيدس سوداء لا تشبه السيارات الأخرى، وقفت أمام كاميليا، وهي تعد نقودها لتدفع ثمن الجارنك. خرج من السيارة عدد من الأوباش، حاولوا غصبها على الذهاب في «مشوار» مع قائدهم زير النساء، أحد أقرباء حافظ الأسد.
ولكن ابو مصطفى، الذى رأى المشهد من محله الصغير لبيع الغاز، انتبه فوراً، وخرج على «المرافقة» الخسيسة تلك، حاملاً بيده أداة معدنية طويلة، وصرخ أبو مصطفى بوجه حثالة ذلك المسؤول (الذي كان في بدايات تاريخه الإجرامي في وقتها)، هربت السيارة بسرعة البرق بمن فيها.
بعد أذان صلاة العصر، وقبل ان يقفل محله المتواضع ليعود الى داره في حي المهاجرين الفقير، عادت السيارة نفسها لترغم أبو مصطفى على الذهاب في مشوارها، لتقوده الى مصير لا يزال حتى هذه اللحظة مجهولاً. أدركنا كلنا، والدرس كان لمدينتنا، أن شهامته ونخوته وشجاعته وقعت باهظة الثمن عليه وعلى عائلته، وعلى كاميليا وأهلها وصديقاتها. فقد اختفى الرجل، وخُتم محله بالشمع الأحمر، وأُخرجت الفتاة المتفوقة بالرياضيات من المدرسة، وفي ظرف أسابيع هاجرت مع أهلها الى كندا، وتزوجت من أول من طلبها. كان زوجها مهندساً مهاجراً أيضاً، ترك سوريا وراءه لأن المشاريع الهندسية كانت قد بدأت توزع على حسابات سريالية، تتناسب مع حجم موالاة المهندس للنظام، لا لمهارته التقنية او مفهومه لفن العمارة واحتياجات المواطن السكنية المتغيرة. عرفت بعد سنين طويلة، ان هذه الفتاة التي كانت تحب دمشق وربيعها الأبدي مثلنا كلنا، أصرت ان تزيد على اسم جوزيف، ابنها البكر، اسم أبو مصطفى، خلال لحظة التعميد في كنيسة من الكنائس الكندية، لكي تشهر ولاءها لذكرى ذلك الدمشقي المسلم الذي اختفى أثره من على وجه الأرض حين دافع عن شرفها، ولم يختف يوماً من ذاكرتنا الجماعية.
هاجر عن سوريا خيرة أدمغتها، وأصبحوا من أنجح الأطباء والعلماء والباحثين والمهندسين والعاملين في مجالات الكمبيوتر والفن والموسيقى والغناء والشعر والتمثيل والسينما والكتابة والصحافة والفن الفوتوغرافي في العالم، وأصحاب مطاعم ومعامل تنتج الحلويات وكل ما بقي لنا من ذاكرة المائدة السورية العامرة. والجاليات السورية المهاجرة، يهودية كانت أم مسيحية أم مسلمة، لم تنس جذورها، ولن تنسى مسؤوليتها، في إعادة إعمار وطننا حين تزول عنه هذه الفترة الوجيزة من تاريخنا الطويل. سيتكاتف كل سوري حر ليبني وطناً يليق بحضارة هي ملك كل سكان الارض، لا مزرعة لآل الأسد والمخلوف وشاليش ونجيب وغيرهم، وأعوانهم من المماليك السنة والشيعة، الذين اغتصبوا نساءنا ودمروا بيوتنا وبتروا أعضاء أطفالنا، ولكنهم لم يهزموا الحلم المستقبلي القادم.

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.