الحياة اللندنية
آرليت خوري
الفضول والرغبة في الفهم دفعا الشابة السورية هيا العلي (٢٦ سنة) إلى التقرب من الكتيبة النسائية لـ «داعش» في مدينة الرقة مسقط رأسها. لم تقتنع بما اطلعت عليه وبما أصبح واقعاً يومياً في المدينة بعد سقوطها في قبضة «داعش» فقررت أن تقول «لا» على طريقتها.
ارتدت النقاب وأخفت آلة تصوير في حقيبة يدها، وبدأت تجوب شوارع مدينتها ملتقطة الصور التي جابت العالم وقادتها إلى المنفى في فرنسا، حيث تقيم الآن بعد تلقيها تهديدات بالقتل.
مسيرة العلي تقاطعت مع مسيرة صحافية سورية تعمل لدى قناة «فرانس ٢٤» التلفزيونية هي ليانا صالح التي أعدّت شريطاً وثائقياً عنها، بالاشتراك مع كلير بييه عنوانه «متمردة الرقة».
ويتداخل في الشريط بعض الصور التي التقطتها العلي في الرقة، وتلك التي التقطتها عدسة صالح وبييه للحياة اليومية للمتمرّدة منذ لجوئها إلى باريس.
تقيم هيا العلي اليوم في مقر يُعرَف بـ «دار الصحافيين» التي ترعاها مؤسسة تساعد المضطهدين في بلدانهم، من العاملين في المجال الإعلامي. ومن اللقطات المؤثرة التي سجّلتها العلي تظاهرة تدعو إلى إسقاط الرئيس بشار الأسد ورحيل «داعش»، وتبدو فتاة صغيرة بين المشاركين في المسيرة لأن والدها استدعاه «داعش» للتحقيق قبل شهر، ولم يعد إلى منزله. تبكي الفتاة وتردد أنها مشتاقة إليه.
لقطة أخرى تظهر فيها العلي بثوبها الأسود الذي يغطيها كلياً في أحد الشوارع، حيث يستوقفها سائق سيارة ليوبّخها، قائلاً أن نقابها لا يخفي ملامحها بالمقدار الكافي. تطلب المعذرة وتشكر له ملاحظته.
لقطة أخرى في «مقهى إنترنت» في الرقة، تظهر فيها فتاة منقّبة تتحدث بالفرنسية إلى أسرتها عبر «سكايب»، وتقول أن عودتها إلى فرنسا والغربة في باريس غير واردتين.
تسكن هيا العلي في غرفة مطلة على مدفن، وهو ما لا يمكن أن يكون سبباً للفرح، بل يذكّرها في كل لحظة بالقتلى الذين ما زالوا يتساقطون في وطنها. يحل بعض الدفء في حياتها عندما يأتي لزيارتها صديقها محمد المقيم في ألمانيا، والذي اختار مغادرة سورية خوفاً من أن تحوّله الحرب، مثلما حوّلت سواه، إلى جلّاد. وخلافاً لحال هيا، يسعى محمد إلى التأقلم مع المنفى، والتطلع إلى حياة جديدة، على رغم الذاكرة التي تفرض عليه أحياناً استعادة لحظات مؤلمة عاشها.
وتبدو هيا غير راغبة، بل عاجزة عن مثل هذا التأقلم، إذ يتملّكها حافز للعودة إلى سورية في أي لحظة، على رغم إدراكها أن أملها قد يكون صعب المنال. فأسرتها لجأت إلى تركيا، وهي سلّمت جواز السفر السوري إلى الجهاز الفرنسي المعني بشؤون اللاجئين السياسيين.
تقلّب هيا العلي مطولاً وبحزن صفحات الجواز قبل تسليمه، فهو آخر وثيقة سورية متبقية في حوزتها، تختزل هويتها وجذورها ونشأتها، وتخلّيها عنه يضعها أمام مستقبل مجهول المعالم.
تعرض «فرانس ٢٤» الشريط السبت المقبل، بالتزامن مع دخول النزاع في سورية عامه الخامس، وبعدما تجاوز عدد السوريين المهجّرين من بلادهم مليوني شخص، لكل منهم قصة عن الوطن والحرب والهجرة، تثير الأسى والمرارة على غرار قصَّتَيْ هيا ومحمد.. شاهد مقطع الفيديو: