الشرق الاوسط
خلال الحرب اللبنانية تولى كل فريق «تطهير» مناطقه بعد عقود من الاختلاط بين الطوائف. وكانت منطقة «النبعة» حيا شيعيا مكتظا بالفقراء في الجهة الشرقية من بيروت. وقام حزب «الكتائب» بهجوم شرس وشامل عليها. ولما تم له الانتصار شرب مقاتلوه «الشمبانيا» احتفالا أمام كاميرات التلفزيون. يومها كتبت ما عنوانه «نصر أبشع من الهزيمة».
تذكرت «النبعة» وركامها وأنا أشاهد دمار القصير والاحتفالات الممتدة من طهران إلى جنوب لبنان. احتفالات بانتصار مقاتلي حزب الله الذي حسم للجيش العربي السوري أول معركة بين الشعب والنظام. عدنا نسمع تعابير درجت في حرب فيتنام وحروب إسرائيل كـ«الغارات الوقائية» و«تمشيط» المدن، أي سحقها كما بالمشط. منذ عامين ومدن سوريا وقراها تقصف بطائرات بوتين وصواريخه وكأنها أرض عدو وأدغال كثيفة. حتى الإنذار الذي كان يعطيه الأميركيون للمدنيين لا يعطى. ولا الإنذار الذي كان يعطى لهم في الحرب العالمية الثانية. وما كان يعقب أي معركة أي احتفال، لأن قتل الناس ليس بهجة ولأن الفتنة أشد من القتل.
تغيرت في بلاد العرب (وإيران) معاني كل شيء حتى الموت والفرح والانتصار والعدو والضحية والمواطن. كان تشرشل يقول سوف نظل نقاتل حتى آخر فرنسي، وها هي إيران تريد أن تقاتل حتى آخر عربي من دون أن تنسى استعدادها لـ«تدريب الجيش السوري». يوصف ذلك في الإنجليزية بـ«إضافة الإهانة إلى الجرح».
ربما كان توزيع الحلوى أشد إيلاما من ركام وجرحى وقتلى ومهجري القصير. متى كان موت «الشقيق» مفرحا ومشهد المدن المرمدة مبهجا؟ و«الأسرة الدولية» تستنكر وترسل برقيات التعازي والمعلبات. عالم ميزته الأولى اللؤم واللامبالاة. تدرب فلاديمير بوتين في أقبية الـ«كي جي بي» على احتمال مشاهد التعذيب وتجاهل دماء الناس وصراخها. وجون كيري يعتذر عن «تأخر» أوباما في الالتفات إلى سوريا. هلموا إلى جنيف، حائط الأكاذيب السادية.
لطالما اعتذر الألمان عن أعمال هتلر. ذهب فيلي برانت إلى بولندا وركع. وكان صادقا. لكن الاعتذار لم يرد ضحية واحدة من أربعة ملايين إنسان. ولطالما اعتذر اليابانيون عن وحشية جنرالاتهم وجنون جنودهم في الصين وكوريا لكن الناس تتذكر الوحشية لا الاعتذار.
اعتذار جون كيري كلام بليد مثل مسلسلات لافروف. لا شيء يرد طفلا سوريا أو منزلا أو حقلا كان ينتظر الري فنزلت عليه حرائق بوتين. فتشوا عن «أسرة» أخرى تتبنى قضاياكم. الأسر لا تقوم على قبول الفظاعات.