برزت، مؤخرا، لمحة من القلق الذي يجتاح العالم العربي إثر شكاية امرأة عربية خلال محاضرة ألقيتها في عمان بمركز كولومبيا العالمي لمنطقة الشرق الأوسط؛ حيث ذكرت أن عنوان المحاضرة حول «الأزمة» في المنطقة يعد غير دقيق، واقترحت بدلا من ذلك استخدام لفظ «التفكك»، وهلل الحضور بصوت عال.
العالم العربي يعاني من شعور الدوار هذه الأيام، بسبب متطرفي «داعش» الذين يخرجون من كل مكان ويتدفقون عبر أبواب السلطة، كما تعد النخب السياسية مرتبكة وخائفة، وهم غاضبون من الولايات المتحدة كالعادة، ولكنهم يريدون منها، في الوقت ذاته، أن توضح استراتيجية لمكافحة تنظيم يهدد كل هياكل الاستقرار، بما في ذلك الحدود.
وقد تفاقم هذا الشعور بالقلق مع تباطؤ الرئيس أوباما في بدء تنفيذ خطته من أجل «إضعاف وتدمير (داعش) في نهاية المطاف». كان من المؤلم سماع جلال الكعود، وهو زعيم قبلي من عشيرة البونمر، وهو يقول لي إن بلدته الواقعة على نهر الفرات جرى اجتياحها، لأن واشنطن لم تقدم خطة لإعادة تقديم الإمدادات للحلفاء القبليين.
وعند عودتي للبلاد، سمعت مسؤولين أميركيين يدلون بمزيد من التفاصيل حول خططهم، وحسب ما أقر به أحدهم، فإن الاستراتيجية الموضوعة مبنية على الكثير من الاحتمالات والتخمينات، وهي بالتأكيد لم تتبلور بشكل نهائي بعد. ومن بين عيوبها أنها تتطلب الصبر على نقص المعروض في أميركا والشرق الأوسط، كما أنها تعد أكثر وضوحا بشأن العراق مقارنة بسوريا.
بالنسبة للمبتدئين، فذلك جيش جديد يتكون، ويصر القادة الأميركيون على القيام بعمليات صغرى قبل الخوض في عمليات كبرى. وقد أوضحت الولايات المتحدة سلسلة من النجاحات الصغيرة التي حققتها من خلال تقديم الدعم الجوي للقوات الكردية والعراقية التي تمكنت من تحرير الموصل وسد حديثة، وفك الحصار عن الإيزيديين في جبل سنجار، فضلا عن الدفاع بنجاح عن أربيل وأمرلي.
وقعت عمليات كبيرة وخطيرة منذ أشهر كثيرة مضت مثل استعادة سدي الموصل وحديثة، ولكن، تزايدت وتيرة تلك العمليات بنحو متواضع مؤخرا، بينما تعمل قوات الأمن العراقية على استعادة سيطرتها على مصفاة بيجي الاستراتيجية، بالإضافة إلى مهاجمة القوات الكردية المتشددين في الزمر بشمال العراق، ويعتقد القادة أنه مع قيام القوات المدعومة من قبل أميركا بشن الهجوم، سوف يواجه المتطرفون خيارات صعبة؛ فإما أنهم يقاتلون أو يواجهون خسائر فادحة، أو يتراجعون، وفي الحالات الـ3 سيؤدي هذا إلى إبطاء تقدمهم.
يعرف القادة الأميركيون أنه يتعين عليهم اتخاذ إجراءات سريعة لكسب المصداقية عند السنة، ولا سيما عقب سقوط عشيرة البونمر ومعاقل قبلية أخرى في محافظة الأنبار قريبا في أيدي «داعش». جرى التضحية بتلك الأماكن، لأن قادة الجيش الأميركي كانوا يعتقدون أنه لم يكن من الحكمة شن عمليات مخصصة لإطلاق سراح مجموعة صغيرة من الناس تقطعت بهم السبل.
ويكمن أهم محور لزيادة أعداد السنة المنخرطين في الصراع، في مقاتلي «الحرس الوطني» الذين يبلغ عددهم 5 آلاف مقاتل، والمستمدين من القبائل؛ حيث يُنظر إلى تطويرهم باعتباره ضرورة ملحة، ويأمل القادة البدء في تجنيد وتدريب المقاتلين السنة. ومن المفترض أن يتوافر مئات من المدربين الأميركيين والأجانب بحلول نهاية العام. ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن نحو نصف هذه القبائل على استعداد لتدمير «داعش».
ويود المسؤولون الأميركيون أيضا الاستعانة بالزعيم القبلي البارز جبر الجبوري في الحكومة، وربما ليشغل منصب رئيس الحرس الوطني أو بصفته مستشارا للأمن الوطني. وحسب ما ذكره لي شقيقه، الأسبوع الماضي في عمان، فإن تلك الخطوة من شأنها أن تجعل بعض مقاتلي القبائل يتراجعون عن تأييد «داعش».
عادة ما يبحث قادة الجيش عن علامات التقدم، وفي هذا الشأن، يدعون ظهور بعض نقاط الضعف في صفوف «داعش»، حتى في ظل مواصلته الاستيلاء على الأراضي؛ فحسب ما ورد بالتقارير الاستخباراتية، فإن هناك توترات ناشئة داخل «داعش»، ما بين صفوف المقاتلين العراقيين والمقاتلين الأجانب، وأدت هذه الخلافات في الموصل إلى عزلهم في مبان مختلفة، كما اضطرت «داعش» إلى تغيير التكتيكات التي تتبناها؛ حيث يبحثون عن مأوى في المناطق الحضرية ويتفادون الحركات الجماهيرية أو الظهور العلني سواء في شكل أعلام أو قوافل.
عندما ينهض المتشددون للقتال، مثلما فعلوا في مدينة كوباني الواقعة شمال سوريا، فإنهم يتعرضون للقصف. وحسب تقديرات المسؤولين الأميركيين، فقد المتشددون 400 مقاتل. كما ألحقت الغارات الجوية الأميركية الخراب بالبنية التحية الخاصة بهم في العراق وسوريا، بما في ذلك الآبار والمستودعات النفطية.
تتضمن الاستراتيجية الأميركية بعض الخطط العسكرية القوية، ولكنها تتضمن أيضا بنودا غير واقعية، ولعل أبرزها افتراض أن المجندين العراقيين والسوريين يمكنهم، وحدهم، إحراز النصر ضد متطرفي «داعش» دون وجود مساعدة من قبل مستشارين أميركيين.
* خدمة «واشنطن بوست»
نقلا عن الشرق الاوسط