في الدول الاستبدادية مثل الدول العربية, يكون الحاكم ابدي, حيث يسخر الاقتصاد والعباد لخدمة ديمومة نظامه, ويكدس المليارات في حساباته البنكية في الخارج, وهو الأب القائد لكل الشعب, والزعيم الحكيم الفريد, والذي لم ولن تنجب النساء مثيلاً له, وهو رمز الدولة وهيبتها, وهو تاريخها وحاضرها ومستقبلها, وهو الفحل الوحيد في البلد, وأن أفضل من يتابع مسيرته الخارقة في تسيير البلاد هو صلبه من نسله لانه تربى في ظل حكمته وتعلم من ينابيع خبرته, مع العلم ان كل ما يفعله هو احتكار اقتصاد البلد وسرقته, وتدمير المؤسسات التعليمة وافسادها, من اجل تجهيل الشعب والسيطرة عليهم عبر المؤسسات الدينية ورجالها.
ولكي نعرف مدى الابتذال في تمجيد شخصية الحالكم العربي, فقد نظم احد الشعراء المصريين قصيدة مدح في الجنرال السيسي الرجل القوي في المؤسسة العسكرية المصرية وقائد الانقلاب, قائلًا فيها: “نساؤنا حبلى بنجمك”. لم يكتفِ بتلك العبارة التي هي إهانة لنساء مصر، بل أهان الرجال ايضاً عبر قوله “ورجالنا حاضوا”!.
أما في الدول المتحضرة, وهنا نحن نتكلم, كمثال, عن اميركا, فعادة, يخدم الرئيس الاميركي بمنصب الرئاسة على الاكثر لفترتين رئاسيتين مدتهما ثمان سنوات, وذلك بعد انتخابه بمعركة انتخابية شفافة, و بمنتهى الصعوبة والتعقيد, والتي تحتاج الى مستوى رفيع من المعرفة بالسياسة والاقتصاد والحنكة بمعاملة الناس, وإذا أظهر الرئيس الأميركي في فترته الاولى اي خطأ من الأخطاء التي لا تعجب الشعب الاميركي, فسيكون انتخابه لفترة ثانية ضرب من المستحيل لشدة المنافسة على هذا المنصب وكثرة المرشحين المؤهلين, وهو يتحمل مسؤولية اي خطأ يقع خلال فترته, وهو خادم للبلاد والعباد, ودائماً تقع رقبته تحت سيف المراقبة من الاحزاب المنافسة, ومن المؤسسات الاميركية المختلفة مثل مراكز الابحاث, ومن وسائل الاعلام, ويحق لاي مواطن أن ينتقده وحتى أن يشتمه, وراتبه متوسط, وهو اقل من راتب الرئيس التنفيذي في اي بنك من البنوك, وهو اقل بمئات المرات من راتب رؤساء المؤسسات المالية العملاقة, وكل ما يطمح اليه الرئيس الاميركي خلال رئاسته هو:
أولا : ان يتم اعادة انتخابه لفترة ثانية, ومن اهم الرؤساء اللذين لم تتم اعادة انتخابهم بسبب ارتفاع نسبة البطالة في اميركا خلال فترته الاولى هو جورج بوش سينيور, مع انه سجل باسمه انهاء الحرب الباردة بين العالم الراسمالي ومنظومة الدول الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتي.
ثانياُ : ان يكتب صفحة ناصعة في التاريخ الاميركي تسجل بإسمه, وهو ما يسمى ب
legacy
ومن اهم من كتبوا صفحات ناصعة في تاريخ اميركا على سبيل المثال لا الحصر هو ابراهيم لنكولن الذي ارسى الدستور والغى الرق.
أهم الأخطاء التي يمكن ان يرتكبها الرئيس الاميركي والتي لن يغفرها له الشعب وبالتالي لن يتم انتخابه لفترة ثانية هي:
أولاً: إرتفاع نسبة البطالة في فترته الاولى, ولهذا السبب يراقب فريق الرئيس من المختصين سير الاقتصاد المحلي والعالمي, لان أي هزة تحدث بالعالم, يقف شعر الرئيس الاميركي لها, لان الاقتصاد اصبح مفتوحاً في العالم, واي اضطراب سياسي يحدث بأي بقعة من العالم يمكن ان يؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد بأي بقعة اخرى في العالم, وخاصة في دولة عظمى مع اقتصاد هائل مثل الولايات المتحدة الاميركية, ولهذا السبب, فعندما يحدث اضطراب بأي دولة في العالم تحاول السياسة الاميركية في البداية تجنب حدوث عدم الاستقرار هناك, وتجري مباشرة دراسات حول ماهي كلفة هذا الاضطراب على الاقتصاد الاميركي في حال التدخل او عدم التدخل, وهنا يقع الرئيس الاميركي بحيرة حيال اتخاذ قراراته, لان المواطن الاميركي الذي سيفقد عمله نتيجته هذا الاضطراب, لا يهمه ولا يعرف اي شئ عما يحدث في السياسة العالمية, وكل ما يعرفه المواطن بانه قد فقد عمله الذي يعيل به اسرته, وبالتالي لن ينتخب هذا الرئيس او حزبه مجدداً, لا بل سينعته علنا بأنه ابن ستين كلبة, وهذا كاف لان لا يتم انتخابه لفترة ثانية, وبالتالي لن تكون صفحته بتاريخ اميركا ناصعة, وهذا ما يفسر لنا التردد والاضطراب بقرارات الرئيس اوباما حيال ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر وسوريا, فآخر ما يتمناه اي رئيس اميركي هو ان يحدث تغيير ما في اي بقعة ما في العالم يمكن ان تؤثر سلباً على الاقتصاد خلال فترة رئاسته, ويحاول كل ما يستطيع وبما يسمح له القانون الاميركي بإجهاض هذا التغيير او تأخيره لما بعد فترته, او ما بعد انتخابه ثانية, ولكن بشرط ان لا يعتدي على الدستور الاميركي والثوابت السياسة الاميركية او المبادئ والقيم الاميركية في دعم الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان, لأنه ان فعل هذا على حساب الاقتصاد فلن يكون سجله ناصعا بالتأكيد.
الان, الاقتصاد الاميركي متأثر سلباً من جراء الحصار الاقتصادي التي تفرضه اميركا على إيران منذ زمن, ويمكننا ان نتخيل كم سيتحسن الاقتصاد الاميركي, وبالتالي شعبية وسمعة اوباما اذا ما استطاع ان يصل الى حل معقول في الملف النووي الايراني ووقف الحصار الاقتصادي عليها والذي سيفتح آلاف فرص العمل الجديدة بأميركا وبالتالي سيسجل اوباما نقاطاً عالية في صفحته التاريخية.
لقد كشف الهجوم الديبلوماسي الذي شنّه روحاني في نيويورك مدى تلهف اوباما للتفاهم مع ايران, ولهذا هو بدأ مفاوضات ماراتونية في جنيف وهي ثمرة من ثمار ما جرى في نيويورك, ولكن سجل اوباما سيكون قاتماً اذا توصل الى اتفاق سئ مع الولي الفقيه الايراني الذي يجيد آلاعيب البازار في الغش والخداع, ونصب الكمائن.
ثانياً: أن يتهاون في مسألة الأمن القومي الاميركي, وتعريض امن المواطنين ومصالح اميركا الاستراتيجية للخطر نتيجة لخطأ يرتكب هنا اوهناك, فمثل هذه الاخطاء لا تغتفر, وهذا يفسر صعوبة وتردد موقف اوباما حيال الملف النووي الايراني لانه لو نجحت ايران بامتلاك السلاح النووي نتيجة خطأ او تساهل من الطرف الاميركي, فهذا يشكل تهديد خطير للأمن القومي الاميركي, وهنا من المؤكد بان صفحة اوباما بتاريخ اميركا ستكون شديدة السواد.
ثالثاً: ان يقوم بعمل شائن مثل انتهاك الحرية الشخصية للآخرين, كما فعل نيكسون في فضيحته المعروفة ب”ووترغيت” والتي اجبرت الرئيس على الاستقالة, هذا عدى عن تسويد صفحته في اميركا على مر الاجيال القادمة , وعلى ما يبدو بأن مما رسة الجنس الفموي مع متدربة يافعة لا تعتبر عمل شائن تستاهل الاستقالة مثل التنصت على الاخرين, وهذا ما حصل مع الرئيس بيل كلينتون, ولكن المحكمة برأته وتابع فترته وكانت صفحته ناصعة لانه عرف كيف يخفض مستوى البطالة وخلق فرص عمل جديدة.
الآن, ما هي الصورة او الصفحة التي يريد اوباما ان يكتبها التاريخ الاميركي عنه؟
برأينا الشخصي بأن الرئيس أوباما هو رئيس حالم يريد أن يظهر الرئيس الأميركي الأسود على عكس الرئيس الأبيض, فهو يريد ان يصنع لنفسه صورة الانسان المثالي, و رب الاسرة الذي يهتم باسرته ويحب زوجته ويرقص معها على انغام الموسيقى على عكس الرئيس الابيض الذي يخون زوجته مع متدربة شابة, وهو الرئيس الذي يريد ان يحقق حلم الاميركي الفقير بطرح برنامج التأمين الصحي لعموم الاميركيين على عكس الرئيس الابيض الذي يهتم بالحلم الاميركي وإغتنام الفرص, وهو الرئيس السوبر الذي انهى الحروب التي بدأها الروساء البيض المتعجرفون قبله, وهو لا يريد ان يبدأ ابدا اي حروب جديدة تسجل باسمه , وهذا ما يفسر تهربه من شن ضربات على نظام المجرم بشار الاسد, وخلق كل الذرائع الممكنة لعدم اتخاذ اي اجراءات عسكرية, فهو تجنب هذا في ليبيا وفي سوريا, وأوجد ما يسمى سياسة” القيادة من الخلف” للتهرب من الاقدام على اتخاذ قرارات هجومية.
برأينا الشخصي أن طموحات اوباما اكبر من شخصيته, وان مثل هذه الشخصية لا تصلح لسياسي ولكن تصلح لمن يعمل في مجال الابداع الفكري والفني.
الهدف من هذا المقال هو تعريق القارئ العربي ببعض الحسابات التي تدور في ذهن الرئيس الاميركي عند اتخاذه لقراراته والتي لا تؤثر على اميركا فحسب وانما على كل العالم, وهدفنا هو عدم التسرع بنعت اميركا في التآمر عليهم اذا لم ينتخذ الرئيس الاميركي قرارا يناسب هواهم, ولكي يتخذ الاميركي قراراً يناسب قضيتنا كما في سوريا يجب على المعارضة السورية ان تذهب لأميركا وتقنعها بأن من مصلحة اميركا على المدى البعيد بالمساعدة في اسقاط السفاح بشار الاسد, وعندها من المؤكد بأن الرئيس الاميركي سيتخذ القرار الذي يساعد الشعب السوري, أما اذا تم ايصال للرئيس اوباما بأن البديل عن المجرم بشار الاسد هم المجرمين من داعش اللذين سيرهبون الاقليات ويستعبدون الناس ويعادون اميركا ويرهبونها, فحتما هذا لن يساعد الرئيس الاميركي بأن يتخذ قرار لمصلحة الشعب السوري.
والسؤال الحيوي والذي نكرره في كل مقالة: هل ستفهم المعارضة السورية الرسمية ابسط مبادئ علم السياسة والاقتصاد؟