على الرغم من الحرب التي أعلنها العالم وبالأخص الدول الغربية على الإرهاب، لا يزال يوجد في القارة العجوز عدد من المحسوبين على الجهاد. يعيش هؤلاء حياتهم بصورة طبيعية رغم أن البعض يعتبرهم من ضمن أخطر الإرهابيين.
ولعل أبرز هؤلاء الثلاثي المصري هاني السباعي، الموجود في بريطانيا ومدير “مركز المقريزي للدراسات التاريخية”، وياسر السري الموجود في بريطانيا أيضاً ويرأس “المرصد الإعلامي الإسلامي”، وطارق عبد الحليم وهو منظر جهادي شهير يعيش في كندا.
مَن هم هؤلاء الثلاثة؟ وكيف يعيشون في دول غربية بهذه السهولة رغم أنهم مصنفين ضمن الجهاديين الخطرين؟
يقول الباحث في الحركات الإسلامية الدكتور عمرو عبد المنعم لرصيف22: “حقاً إنه شيء غريب أن يوجد ثلاثة من أخطر المنظرين الجهاديين في دول غربية بهذه الأريحية وبدعم من الحكومة البريطانية والكندية اللتين تعرفان تاريخ هذا الثلاثي جيداً”.
ياسر السري
يعيش ياسر السري في بريطانيا وهو من أبناء مدينة السويس، وُلد عام 1962، وارتبط بتنظيم الجهاد وفروعه في العالم منذ منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.
يشير عبد المنعم إلى أن أولى رحلات السري خارج مصر جرت وهو بعمر 26 عاماً، حين سافر إلى اليمن عام 1988 و”كان دوره وقتها نقل الجهاديين من هناك إلى أفغانستان”.
وبعد ما يقرب من ستة أعوام في هذا العمل، قرر السري السفر إلى بريطانيا عام 1994، وحصل على إقامة هناك عام 1997، وأسس ما يُعرف باسم “المرصد الإعلامي الإسلامي” وهو كيان دوره نشر تقارير عن “اضطهاد المسلمين في العالم”.
يقول عبد المنعم: “من أبرز القضايا التي تورّط فيها السري قضية العائدين من ألبانيا عام 1999 وحكم عليه بسببها بالسجن لمدة 25 سنة، هذا بجانب قضية تنظيم السويس التي كان يهدف فيها إلى ضرب استقرار مصر في الثمانينيات وحصل في هذه القضية على حكم غيابي أيضاً بالسجن 15 عاماً، كما حُكم عليه بالإعدام في قضية محاولة اغتيال رئيس وزراء مصر السابق عاطف صدقي عام 1994 رغم وجوده خارج مصر، وذلك بتهمة التخطيط والتحريض على العملية”.
عام 2009، اتّهم السياسي المصري رجب هلال حميدة السري بالعمالة للمخابرات البريطانية مبرراً كلامه برفض المخابرات البريطانية تسليمه إلى نظيرتها الأمريكية لمحاكمته في قضية اعتداء الـ11 من سبتمبر، رغم أنه لم يكن حاصلاً على حق لجوء سياسي أو الجنسية البريطانية في تلك الفترة، كما اتهمه بتسليم عناصر في جماعات جهادية، خاصة في الجزائر، إلى بريطانيا مقابل أموال.
وبحسب عبد المنعم، فإن “أخطر اتهام للسري هو المشاركة في اغتيال المعارض الأفغاني البارز أحمد شاه مسعود بالتعاون مع المخابرات البريطانية من خلال إرسال صحافيين مغاربة إليه ليقتلوه، ومن ضمن الاتهامات التي وُجّهت له أيضاً ما قيل عن مشاركته في تأسيس ما يُعرف باسم تنظيم طلائع الفتح الذي تم القبض على كل قياداته عام 1993 بعد عودتهم من أفغانستان لتنفيذ عمليات في مصر”.
هاني السباعي
يقيم هاني السباعي في بريطانيا حالياً، ويصفه عمرو عبد المنعم بأنه “زعيم القاعدة في أوروبا”.
حصل السباعي على حق اللجوء السياسي في بريطانيا، وتم السماح له بافتتاح مركز متخصص في الدراسات والبحوث الإسلامية باسم “مركز المقريزي للدراسات التاريخية”.
ورغم دعواته إلى العنف والعمل المسلح في الوطن العربي وارتباط اسمه بعدد كبير من قضايا التحريض في أوروبا، لم يتم ترحيله من لندن، إلى درجة أن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير حاول ذلك بنفسه عام 1998 وفشل، بسبب عدم تقديم مصر الضمانات الكافية بأنها لن تقوم بتعذيبه.
وأكد الداعشي محمد إموازي المعروف باسم الجهادي جون أن تأثره بالسباعي هو ما جعله يصير مقاتلاً في داعش، بحسب عبد المنعم.
وُلد السباعي في القليوبية عام 1961، وتخرّج من كلية الحقوق وكان من زعماء حركة الجهاد الإسلامي في التسعينيات ورئيساً لجمعية أنصار السنة المحمدية بين عامي 1987 و1990.
وعام 1994، حصل السباعي على لجوء سياسي في بريطانيا. واتُّهم أثناء وجوده في بريطانيا بعدة اتهامات منها دعم وتمويل جماعات إرهابية متطرفة، تسفير الشباب للقتال في العراق وسوريا، نشر دعاية لتنظيم القاعدة في أوروبا، وتأسيس خلية أولاد لندن التابعة لأسامة بن لادن والإشراف على تدريب عناصرها وتسفيرهم إلى الصومال، بحسب عبد المنعم.
طارق عبد الحليم
ثالث الجهاديين المصريين المقيمين في دول غربية هو طارق عبد الحليم الذي درس الهندسة في جامعة القاهرة، وبدأ تأثره بالتيارات الإسلامية المتشددة في منتصف الستينيات، ورفض محاكمة سيد قطب وقام بدعمه من خلال كتابة كتبه بخط يده وتوزيعها على الطلبة في الجامعات، بحسب عبد المنعم.
وفي السبعينيات، درس في معهد الدراسات الإسلامية في الزمالك. وخوفاً من اعتقاله سافر عام 1985 إلى لندن للحصول على الماجستير والدكتوراه، وكانت له مؤلفات شهيرة وقتها أهمها “الجواب المفيد في حكم جاهل التوحيد” (1978)، و”حقيقة الإيمان” (1979)، وأنشأ دار الأرقم في أواخر الثمانينيات.
انتقل عبد الحليم من بريطانيا إلى كندا واستقر فيها في منتصف التسعينيات، ولم يعد إلى مصر إلا بعد ثورة 25 يناير، وأسس مع هاني السباعي ما يُعرف باسم “التيار السني لإنقاذ مصر”، كما أطلق وثيقة بعنوان “تحرير مصر واستعادة هويتها”، واسمه مدرج على قوائم الإرهاب المصرية لارتباطه بصداقة قوية مع أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة.
اتهام بريطانيا بدعمهم
يعتبر الباحث الإسلامي والجهادي السابق الذي ترك الفكر الجهادي منذ تسعينيات القرن الماضي خالد الزعفراني أن “بريطانيا هي أكبر مأوى لهؤلاء الأفراد وهذه المجموعات، فهي لها خبرة كبرى مع الإسلام السياسي ورجالاته لاستخدامهم في الوقت الذي تريده”.
وقال لرصيف22 عن الثلاثي المذكور: “ما أعرفه أنهم جميعاً مدعومون من النظام البريطاني لتشويه الإسلام بأفكارهم الرجعية ودعواتهم المنحرفة المتمثلة في الدعوة إلى الاقتتال الأهلي في سوريا، ومن قبلها العراق، ومن بعدها اليمن، مع العلم أن الثلاثة ليس لديهم تاريخ جهادي يُذكر، إذ هربوا خارج مصر بعد أن سُجنوا لفترات قصيرة واستمتعوا بالشهرة والأموال في بريطانيا في وقت أن كانت التنظيمات الجهادية المصرية في صراع مباشر مع الدولة، وكان معظم قادة تلك التنظيمات يقضون عمرهم في السجون”.
تاريخهم في مصر
ربطت القيادي الجهادي المصري السابق والذي تخلى عن الفكر الجهادي منذ عام 2005 هشام غنيم آغا تجربة حقيقية مع طارق عبد الحليم وهاني السباعي.
كان آغا الشخص الذي وقع الاختيار عليه ليكون مسؤولاً عمّا يُعرف باسم “التيار السني لإنقاذ مصر” والذي خرج إلى النور في يناير 2012 وهاجم الإخوان والسلفيين واتهمهم بالتخلي عن العقيدة، ودعا إلى عدة أمور أهمها تطبيق الشريعة الإسلامية، ورفض إجراء انتخابات رئاسية كوسيلة للتغيير.
يقول آغا لرصيف22: “علاقتي بطارق عبد الحليم، وهاني السباعي طويلة. كنت أسمع عنهما في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، واحتككت بهما بشكل مباشر عام 2012 عندما تواصلوا معي وطلبوا مني أن أكون مسؤولاً عن ‘التيار السني لإنقاذ مصر’ في القاهرة بعد أن أعلنوا تأسيسه”.
ويضيف: “عقدت معهما بالفعل عدة جلسات بالقرب من ميدان رابعة العدوية، واتفقا على إرسال مبلغ مليون جنيه لي كي أسعى في تأسيس قناة فضائية بجانب طباعة عدد من الكتب والمؤلفات التي تدعو إلى أفكار التيار وتوزيعها في مصر على الشعب كدعاية للتيار، إلا أن الأمر توقف بعد صعود الإخوان إلى الحكم في مصر، بداية من السيطرة على مجلس النواب ثم الرئاسة، وكان هذا التوقف خوفاً من ردة فعل الإخوان على نشاط هذا التيار الذي كان معادياً للجماعة ورافضاً لها باعتبارها جماعة سياسية لا تلتزم بصحيح الإسلام”.
وعن تاريخهم الجهادي، قال آغا: “لا أتفق مع مَن يقول إنهم لا يملكون أي تاريخ جهادي ولكن أتفق في الوقت نفسه على أن دورهم اقتصر على التحريض على العنف والدم”.
وأضاف: “أعرف أن الشيخ هاني السباعي كان عضواً في الجمعية الشرعية ثم خرج عنها وأصبح منظراً جهادياً وسرعان ما هرب من مصر إلى الخارج واستقر في بريطانيا قبل القبض عليه، في حين أن طارق عبد الحليم كان محسوباً على تنظيم القاعدة وشارك في سبعينيات القرن الماضي في التخطيط لاغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وقُبض عليه لفترة، كما كاد أن يتورط في قضية الفنية العسكرية بعد أن دُعي إليها، إلا أنه لم يشارك، وبعد أن زاد التضييق على الإسلاميين هرب خارج مصر إلى لندن ثم استقر به الحال في كندا”.
وتابع: “أما ياسر السري فطوال حياته يعيش في الخارج بين اليمن وبريطانيا، وعلى الرغم من ارتباط اسمه بتأسيس تنظيم الجهاد إلا أنه لم يكن له دور يُذكر فيه ولا تاريخ معروف بل لم يظهر إلا بعد ثورة 30 يونيو عام 2013 حين راح يحرّض ضد الدولة المصرية من خلال ما يُعرف باسم المرصد الإسلامي”.
تعاون مع مخابرات أجنبية؟
يشير البعض إلى أن هذا الثلاثي يعمل لصالح أجهزة استخبارات أجنبية ويساعدها في ضرب التنظيمات الجهادية.
وكان على رأس مروجي هذه الاتهامات تنظيم داعش، خاصة بعد هجوم الثلاثي على التنظيم ورفض مبايعته كممثل للخلافة الإسلامية.
ودعا هاني السباعي صراحة زعيم داعش أبا بكر البغدادي إلى مناظرة ولكن الأخير لم يستجب بطبيعة الحال، واستمر داعش في الهجوم على الثلاثي دون توقف بل وصل الأمر إلى حد التحريض على قتلهم من خلال إصدارات مصورة.
يفسر الباحث في الحركات الإسلامية محمد كامل اتخاذ الثلاثي من بريطانيا وكندا مأوى لهم، رغم أن العقيدة الجهادية تعتبر الغرب “بلاد كفر”، بقوله لرصيف22 إن “لجوء قيادات جهادية ترى في الغرب عدواً صائلاً، أي عدواً معتدياً وفقاً لمقولاتهم، يدل على براغماتية تخالف ما يدّعونه، ويبررون ذلك بأن الضرورات تبيح المحظورات، أو فقه الأولويات، الذي يتضمن تراجع الأولويات وفقاً للظروف، الأمر الذي يمكن وصفه بالجهاد البراغماتي، أو الجهاد الميكيافيلي، الذي يعتمد على ليّ عنق النصوص الإسلامية أو القفز عليها للوصول إلى نتائج مقبولة شرعاً”.
وأضاف: “سفر القيادات الجهادية والمتطرفة إلى دول الغرب ليس حديثاً، فزعيم الجماعة الإسلامية الروحي ومنظرها عمر عبد الرحمن سافر إلى الولايات المتحدة، حتى اتُّهم بتفجير مبنى التجارة العالمي بنيويورك عام 1993، واستمر في محبسه حتى وفاته في 18 فبراير 2018 عن عمر يناهز 78 عاماً”.
المصدر رصيف 22