جمهوريات الغموض والمنظمات السرية!

samilnisifسامي النصف

كانت 3 دول عربية مهمة تضج بالانقلابات المتتالية (العراق وسورية) والمظاهرات وعدم الاستقرار السياسي (ليبيا الملكية) حتى وصلتها في انقلابات مشبوهة ومشؤومة متتالية خططت وانضجت وانجحت خلال اعوام 1968 ـ 1970 ثلاثة انظمة لم يستطع احد ان يطيح بها لاكثر من 30 عاما رغم فداحة اخطائها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وكان من المستغرب ان تلك الانظمة تتشابه في المضمون في كل شيء رغم دعاوى العداء الظاهر فيما بينها من قمع شديد وقتل بالجملة وسرقة موارد الامة وتحويلها لحساباتها الشخصية، واضاعة الباقي على الحروب العبثية والهزائم والانكسارات المذلة المخجلة، وعلى المنظمات الارهابية المشبوهة كمنظمة ابونضال التي استقرت في العواصم الثلاث، ورفعت الانظمة الثلاثة الشعارات الوحدوية وعملت تماما على العكس منها، حيث اتسمت علاقاتها بالعداء الظاهر الشديد وساهمت في تقسيم شعوبها عن طريق التأجيج والتحريض الطائفي والمناطقي والعرقي.. الخ.

وواضح ان ادعاء العداء الشديد بين انظمة بغداد ودمشق وطرابلس الغرب كان حركة ماكرة منهم او من الذي اوصلهم بقصد الحفاظ عليهم، فكل معارض يستهدف اسقاط نظام بغداد يلجأ بسذاجة بالغة الى دمشق او طرابلس والعكس بالطبع صحيح، وغني عن القول ان التاريخ شهد افشال عشرات المحاولات الانقلابية التي تم تحضيرها في العواصم «المعادية» الاخرى عن طريق تسريب اخبارها في اللحظات الاخيرة وينتهي الامر في كل مرة باعدام المشاركين وارعاب الآخرين لسنوات طوال عن تكرار المحاولة، وكان البعض من تلك المؤامرات الانقلابية يبدأ ممن تم دسهم على المعارضة كي ينضجوا الانقلابات.. قبل ان تنضج!

ومن تابع شريط المؤامرة الانقلابية الكبرى على صدام حسين عام 1979 والتي جرت احداثها الرهيبة في قاعة الخلد والتي شارك فيها اكبر قيادات الحزب في العراق وبالتواطؤ مع الاسد امثال عدنان حسين وغانم عبدالجليل ومحمد عايش ومحمد محجوب ومحيي الدين المشهداني والعشرات غيرهم، واعدم على اثرها القيادي البعثي التاريخي البارز عبدالخالق السامرائي، لابد ان يتساءل: مؤامرة بهذا الحجم، من سرب تفاصيلها الى صدام عدا الاسد ومخابراته؟ وقد رد صدام الجميل بعدها الى الاسد عندما ورط معارضيه في احداث حماة عام 1982 ثم تركهم في العراء كما يروي قادة تلك المحاولة في لقاءات صحافية لاحقة، مما رسخ وثبت نظام دمشق لعقود لاحقة.

1 ـ يتحدث فاروق الشرع في كتاب مذكراته الذي صدر مؤخرا عن اجتماع سري عقد بين صدام والاسد ابان عز ما يدعى بأنه خلاف حاد بينهما لمدة 11 ساعة، ولا يعلم احد ما جرى فيه.

2 ـ يتفق من عمل مع تلك القيادات او تابع آلية عملهم على انهم يعملون طوال الوقت بغموض وسرية شديدة بحجة متطلبات الامن، ويذكر الكاتب الانجليزي باتريك سيل في كتابه الموسوعي «الاسد» وكان صديقا له، ان الوزراء قد يعينون ويعملون لسنوات دون لقاء الاسد او معرفة مكانه ان كان في سورية او خارجها! وانهم يتلقون منه الملاحظات والاوامر بالهاتف والامر كذلك مع صدام والقذافي!

3 ـ يخبرني طيار عراقي انهم كانوا كثيرا ما يسافرون بصدام ليلا الى عواصم غربية وشرقية دون ان يعلن عن تلك الزيارات، وكان القذافي ـ حرصا على عدم معرفة احد بوجهات سفره السرية بالطائرة ـ يستخدم طيارين اجانب لا ليبيين، حتى سنوات طوال من بدء حكمه، ويخبرني طيار الماني، كان يعمل مع الصليب الاحمر في رحلات الاغاثة الى السودان، انهم كانوا كثيرا ما ينقلون معهم بشكل سري وغير معلن الشيخ الراحل حسن الترابي الى قواعد عسكرية في المانيا، وكان الطيار الالماني يستغرب مما يقرؤه في لقاءات الترابي من ادعاء معاداة الغرب، وان كان هذا يفسر وقوفه خلف الانقلاب الذي ادى الى انقسام وتفتيت السودان.

4 ـ ما نراه هذه الايام من دمار ماحق في العراق وسورية وليبيا هو نتاج مباشر لخطط واعمال دول المنظمة القمعية السرية التي زرعت في الدول الثلاث خلال السنوات الاخطر في تاريخ العرب، ونعني 1968 ـ 1970، وقد وصل معهم النميري الى الخرطوم عام 1970 والذي اشعل نيران الحرب الاهلية السودانية بدعوته لتطبيق احكام الشريعة الاسلامية على الجنوب المسيحي والوثني السوداني، والسادات يحكم ارض الكنانة في العام نفسه والذي استبدل الوجه العروبي لمصر بالوجه الفرعوني، وانتهى حكمه بسحب الدول العربية سفراءها من القاهرة في سابقة لا مثيل لها في العلاقات العربية ـ العربية!

نقلا عن “الأنياء”

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.