الشرق الاوسط
بعض الدول تحفر لنفسها حفرة لا يمكن أن تتخلص منها لاحقا. هذه السياسة يعتمدها بعض حكام دول العالم الثالث بحيث يبقون أبناء الريف يتخبطون في الفقر والعزلة والأمية لسهولة السيطرة عليهم بهذه الحالة. وهذا ما اعتمده ويعتمده حكام مصر. إذا راجعنا البيانات عن مصر، يتبين أنها لا تستطيع أن تحدد قعر الحفرة في ميزان مدفوعاتها، حفرة بدأتها بالاعتماد بنسبة 50% على المواد الغذائية المستوردة، ناهيك بفاتورة الطاقة التي تستهلك ربع الميزانية السنوية.
المظاهرة المتوقعة في 30 يونيو (حزيران) الحالي، تعكس مرارات كثيرة: رفض حكم الإخوان المسلمين التعبير عن الظلم الذي يعيشه فقراء مصر وفلاحوها.. طوابير الناس التي تقف أمام المخابز.. المياه التي لا تصل إلى الأراضي الزراعية، كما أن سوء التغذية يصيب ربع المصريين؛ في تقديرات منظمة الصحة العالمية، وحكومة الإخوان المسلمين تعد بوصول القمح الوفير الذي لن يصل أبدا. وتدرك الحكومات الأخرى الغربية والخليجية أن أي أموال تصب في مصر سيبتلعها مجرى لا نهاية له.
ومع ذلك، ورغم كل المعاناة المصرية، فإن الإخوان المسلمين يركزون على دعم حليفهم في قطاع غزة حركة حماس.. فالبعد الذي تتطلع إليه الجماعة يتجاوز معاناة الفرد المصري، ليخدم تطلع المستقبل الذي تعتقد بأنه آت لا محالة.
أما حماس التي خسرت ممولها الأساسي إيران، فإنها قررت التعويض بجولات يقوم بها الثنائي خالد مشعل – إسماعيل هنية إلى قطر وتركيا ومصر.
في مصر هناك الآن المؤسسة المصرية والجيش من جهة، وهناك قيادة الإخوان المسلمين. وبسبب ما تعرضت له سيناء من هجمات من متطرفين إرهابيين، عمد الجيش المصري إلى إغلاق العدد الكبير من الأنفاق بين سيناء وغزة الشهر الماضي، كما أنه ضيّق على محاولات حماس إعادة التسلح، فصادر أسلحة ومتفجرات بما فيها صواريخ قصيرة المدى وصواريخ مضادة للدبابات. لكن حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، تجاوزتا كل هذه «التفاصيل»، فالهدف الذي يجمعهما يصب أحيانا في المصلحة الخاصة.
وعلى الرغم من استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في مصر في ظل رئاسة محمد مرسي، فإن الإخوان المسلمين يقدمون المساعدة المالية المباشرة، للفرع الشقيق حماس.
خلال الثورة، قدمت حماس كثيرا من المساعدات السرية لجماعة الإخوان المسلمين، وبسبب الأزمة المالية التي تمر بها حماس، قرر «الإخوان» التعويض عليها وسداد «الدين» وذلك على شكل ملايين من الدولارات التي تُهرّب إلى قطاع غزة على حساب المصالح المصرية والملايين من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر.
في برنامج عن النشاط العقاري في غزة، قدمت أخيرا قناة «فرانس 24» تحقيقا مذهلا، حيث إن الأراضي في غزة يتضاعف سعرها شهريا والمشترين يتكاثرون. الفيللات الفخمة لا يقل سعر الواحدة منها عن المليون دولار، ودائما تجد من يشغلها. يقول أحد أبناء غزة عن فريق جديد لا يتكلم إلا بالملايين: «قبل سنتين لم يكن معه ثمن علبة سجائر».
الأنفاق هي الطريق إلى الثروة، والتهريب أولى درجات سلم الثراء، والمقربون من الحكومة أكثر المحظوظين. في نهاية البرنامج، يقول أحد المقاولين: «مستقبل الأراضي والعقارات سيكون في غزة.. الأسعار في كل العالم تنخفض، لكنها في غزة تزداد ارتفاعا».
خيرت الشاطر، أحد كبار رجال الأعمال، ومن بين أهم الأعضاء المخططين في «الإخوان» يقال إنه هو المسؤول الرئيس عن تنسيق تحويل الأموال إلى حماس. عام 2012 وفي الأشهر الأخيرة، ذكر أنه قام بتحويل الملايين من الدولارات إلى المسؤول عن الشؤون المالية لـ«كتائب عز الدين القسام» في مصر، وإلى المسؤول المالي لحركة حماس في القطاع. جزء كبير من هذه الأموال تحول إلى الجناح العسكري لحماس في القطاع، فضلا عن استخدامات أخرى للحركة.
إضافة إلى التحويلات المالية، فإن كبار الشخصيات في حركة حماس يستثمرون في الأصول المصرية من أجل تحقيق أرباح للحركة ولأنفسهم أيضا. وفي هذه الحالات، ترد أسماء قياديين في جماعة الإخوان المسلمين على أنهم يشاركون مباشرة في استثمارات حماس في مصر، بعد لقاءات عقدوها مع كبار المسؤولين عن الجهاز المالي في الحركة، وكان بينهم أعضاء في الحركة وجهت إليهم اتهامات كثيرة.
من أنشطة رجال حماس في مصر، دخول بعضهم في شراكة استثمارية مع مسؤولين كبار في مالية الإخوان المسلمين. وأولئك يستفيدون كثيرا من الاستثمارات المدعومة بشكل كبير في مصر، التي هي على حساب الشعب المصري.
فضلا عن التحويلات المالية والاستثمارات، ثمة من يتهم حماس بانتهاكها القانون المصري من خلال تهريب المبالغ غير المعلنة، أكثر من 10 آلاف دولار أميركي من مصر إلى قطاع غزة. ووفقا للجمعية الدولية للنقل الجوي (اياتا)، يسمح للفرد لدى خروجه من مصر بأن يحمل ما يصل إلى 10 آلاف دولار و5 آلاف جنيه مصري. لكن حماس تغادر مصر ومعها ملايين من الدولارات في كل مرة من خلال تبديل الأموال، والمسؤولون يغادرون إلى غزة عبر رفح.
ويتحدثون في القاهرة عن قيادي في حماس يواصل نقل الملايين من اليوروات المخصصة للحركة لدى عودته من دول شرق أوسطية إلى مصر، كما يرددون اسم مسؤول كبير يستمر في ملء حقائبه بالملايين من الدولارات أثناء مغادرته مصر إلى غزة عن طريق معبر رفح، ويقولون أيضا إن هناك بعض النشطاء البارزين في الذراع العسكرية لحماس في غزة يواصلون نقل ملايين الدولارات واليوروات من مصر إلى غزة.
في مقال نشرته مجلة «أتلانتيك» الأميركية كتب جوناثان شانزر نائب الرئيس للأبحاث في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، أن قادة حماس بدأوا يسوِّقون فكرة تجذب أغلب أهالي غزة: «لماذا لا نخرج باقتصاد غزة من الأنفاق إلى سطح الأرض، بمساعدة مصر». حركة حماس عبر تعاطيها بهذا الأسلوب مع جماعة الإخوان المسلمين بدأت تحقق هذا، وهو في الحقيقة اقتصاد مهتز يعتمد على التهريب والفوضى وحرمان المصريين من حقهم، وحرمان أهل غزة أيضا.. إنه اقتصاد إثراء المسؤولين في حماس.
يقول شانزر: «مثل هذه الخطوة قد تجبر حماس على التخلي عن تهريب الأسلحة، وبقبولها مثل هذا الترتيب، قد تضطر إلى نبذ العنف بالفعل إن لم يكن بالقول…». ويضيف شانزر: «يبدو أن الحركة فقدت قابلية الصراع، مما يشير إلى أنها في حالة تغيير مستمر».
في المقال يوضح مخيمر أبو سعدى، أستاذ علوم سياسية في غزة: «حماس في عملية تحول. (الاعتدال) ليست الكلمة الصحيحة، إنما هناك أمر ما يحدث».
الأمر الذي يحدث أن فوز الإخوان المسلمين في مصر، فتح آفاقا جديدة لقادة حركة حماس: السلطة والأموال التي تتدفق من دون محاسبة؛ إذ منذ أن تسلمت دفة الأمور في غزة، زاد فقر الغزاويين وضاقت سبل الحياة أمامهم.. الأنفاق أثرت «النخب» المقربة من السلطة. «الإخوان» في مصر، من ناحيتهم، يتصرفون تجاه المصريين وكأنهم سيحكمون أبدا. المظاهرة التي ستنطلق في 30 يونيو الحالي مدعومة بتوقيع 15 مليون مصري يطالبون مرسي بالرحيل، واجهها مرسي بمظاهرة من قبل الإخوان المسلمين تحرض على قتل العلمانيين والليبراليين والمسلمين من غير «الإخوان». بعد مرور سنة على تسلم «الإخوان» الحكم، ما زال المصريون يتسابقون أمام المخابز وأمام محطات الوقود.. السياح لم يعودوا.. المياه قد تجف مع سد إثيوبيا، والبطالة تتصاعد.. بعد مرور سنة، لا يزال «الإخوان المسلمون» يظنون أن حزبهم المنظم قادر على قمع الناس وتحريكهم كما يريدون، المهم أن لا يلهيهم شيء عن الوصول إلى «الأمة» التي يتطلعون إليها، ورأوا في حماس وإغراق مسؤوليها بالمال والاستثمارات، بداية لطريق يعتقدون أنه سيصل بهم إلى «بر الأمان» حتى ولو دخلت مصر غرفة العناية الفائقة.