فرقت كنيستي القبطية بين الشهداء والمعترفين.. الشهداء هم من نالوا إكليل الشهادة بالموت لأجل إيمانهم وصمدوا أمام مضطهديهم وقاتليهم إلى النفس الأخير مثل شهداء ليبيا.. شهداء العصر الحديث، فشجرة كنيستي القبطية مروية ببحور من دماء الشهداء.
المعترفون باليونانية
όμολογετής
وباللغة الانجليزية
Confessors،
وهم الذين تحملوا الآلام والعذابات والقيود بسبب تمسكهم بإيمانهم، ولكنهم لم يبلغوا حد الاستشهاد أو سفك دمائهم، والمعترفين هم من نالوا عذابات والامات لأجل إيمانهم وصمدوا بإيمان ولكنهم لم ينالوا إكليل الشهادة بل انتقلوا من عالمنا بسلام بعد مرورهم باضطهادات وعذابات مريرة.
المعترفون في الكنيسة يأتون في الترتيب بعد الشهداء مباشرة، وقبل القديسين ففي الكنيسة الأولى كان كل مَنْ ازدُريَ به من أجل اسم ربنا، وقابَل اضطهادًا من ذويه غير المؤمنين في بيته، ولكنه لم يُقَيَّد بقيود وحَبس، يُعتبَر من المعترفين أيضًا.
ففي التاريخ الكنسي أشهر معترف هو القديس الأنبا صموئيل المعترف:
وُلد هذا القديس حوالي سنة 597 م. بوعد إلهي لوالده التقي القس سيلاس، وذلك في بلدة مليج النصارى مركز شبين الكوم. اهتم والده بتربيته تربية مسيحية، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره كان يمارس أصوام الكنيسة بنسك شديد. وقيل إنه وهو في هذه السن المبكرة كان يصوم إلى الغروب، كما كان مواظبًا على الصلاة وملازمًا للكنيسة فرُسِم أغنسطسًا (قارئًا). ولما كبر أراد والداه أن يزوّجاه لكنه أبى وصارحهما بأنه يريد أن يكون راهبًا.
بعد نياحة والديه قصد إلى برية شهيت عام 619 م، وتوسّل إلى الله أن يرشده إلى أين يذهب، فأرشده بملاكٍ إلى دير القديس مكاريوس، حيث تتلمذ على يد أب ناسك قديس يدعى أغاثون الذي رهبنه وألبسه الإسكيم “الزي الرهباني”
عُذب الأنبا صموئيل على يد أتباع المقوقس، وأمر أتباعه أن يعذبوه ويضربوه، فضربوه ضربًا مبرحًا بالسياط حتى أصيبت إحدى عينيه فقُلِعت، وكانت الدماء تسيل منه بغزارة، وحينئذ قال له القائد: “اعلم أن فقْأ عينيك هو الذي نجّاك من الموت، ثم طرده من الدير فأتاه ملاك وعزّاه وأمره بالذهاب إلى إقليم الفيوم ليُقيم في الجبل المسمّى القلمون
kalamwn
جنوبي إقليم الفيوم، وبالفعل مضى وسكن هناك.
لم تتوقف الامات القديس على فقئ إحدى عينيه بل تعرض للسبي.. سُبي مرتين بواسطة البربر وفي المرة الثانية قدموه لرئيس كورتهم ويدعى زكردش، حيث التقى بالقديس يحنس قمص شيهيت. وكان هؤلاء البربر يعبدون الشمس، لما طلب الرئيس البربري من أنبا صموئيل أن يسجد للشمس حال شروقها رفض، فغضب عليه وضربه ضربًا مبرحًا، ثم أوثقه في إسطبل للجمال وتركه مقيدًا لمدة خمسة أيام بدون طعام أو شراب، بعده أطلقه سيده ليرعى جماله في الحقل واجتمع حوله تلاميذ كثيرون. وأخيرًا بعد جهاد حسن تنيح بسلام في الثامن من شهر كيهك هذه قصة موجزة عن قديس عظيم في تاريخ الكنيسة القبطية.
فمازالت الكنيسة القبطية تقدم يوميا الألاف من المعترفين بسبب إيمانهم منهم من يُضْطهَد في عمله ويُحرم من الترقيات، ومنهم من يزج به في السجن زوراً لكونه مسيحي، ومنهم من يحاولون تشويهه.. مهما اختلفت أسباب اضطهادهم إلا أنهم متفقين جميعا في شيء واحد هو أنهم جميعاً معترفين لأجل إيمانهم.
فأشهر قصة للمعترفين الأقباط في عصرنا هذا هو جرجس بارومي إبن نجح حمادي قرية فرشوط هذا الشاب البسيط الفقير الساعي يومياً لإعالة أبوه وأمه، الذي اتُهم ظلما في قضية اغتصاب وزُج به في السجن 15 عاما حكما مشددا لأجل قضية اغتصاب هو بريء منها لكونه مصاب بعلة، ولكن تم الحكم عليه بالسجن المشدد ظلما وقصته معروفة للجميع ولكن سيظل جرجس بارومى شهادة حية على قساوة الاضطهاد وعلى قوة الكنيسة القبطية التي تقدم عشرات الألاف يومياً من المعترفين معترفين بإيمانهم معترفين بمسيحيتهم، معترفين بصدقهم، صامدين أمام ظلم و تجني وازدواجية..
ليس جرجس بارومى معترف فقط بل أبيه وأمه اللذان أُجبرا على التهجير لمحافظة أخرى بدون مورد رزق ولا عائل.. إنها شهادات حية ليس للظلم الفج ولا لمعترفين جدد إنما شهادة على نبض الكنيسة وتمسك شعبها بإيمانها إلى النفس الأخير.
ففي التاريخ الكنسي يطلق على المعترف “كل من كان معترفًا لم يُدخَل به أمام السلطة، ولا عوقِب بقيد أو بسجن، ولا أُدينَ بأي عقوبة، بل ازدُرِيَ به فقط، مصادفةً، من أجل إيمانه، “فكم وكم يكون عدد المعترفين على أرض مصر!! أعتقد أنهم 22 مليون معترف.
مدحت قلادة
Medhat00_klada@hotmail.com