خالد القشطيني
تناهبت عدة شعوب شخصية جحا بمن فيهم الروس. الكثير من نكات جحا تعبر عن معارضة الجمهور للحكم الفاسد والظالم، ومنها ما استهدف شخصية تيمورلنك. وقد تبنى الكاتب الروسي ليونيد سولوفيف شخصية الخوجة نصر الدين كبطل لكتابه «مغامرات بخارى». وفي هذا الكتاب المنشور عام 1938، يطالعنا جحا كداعية جوّال يدور البلدان هرباً من الظلم والاستبداد. يمضي هنا وهناك ليشهّر بالتعسف الواقع ويسخر من جهل المجتمع. وكما ذكرت سابقاً يمثل جحا التركيبة الأدبية الأممية القائمة على الازدواجية التي تستمد نمطها من المزج بين العقل والحمق. حيثما يوجد الاستبداد، يكون على العاقل اللبيب أن يتذرع بالحماقة والبلاهة. وهو ما قاله الشاعر:
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا
تجاهلت حتى ظن أني جاهل
ولجحا نكات عديدة يختلط فيها الجهل بالعلم، والحكمة بالحماقة. ولا عجب في سلوكه هذا، فقد قيل إن الوالي أمره أن يعد مجانين البلد. فقال بل أعد لك العقلاء. ومن عداهم فكثيرون لا يحصرون!
ومن نكات البلاهة ما روي عن جحا أنه حاول أن يبيع بقرة له فأعياه ذلك. فرآه دلال تكفل ببيعها لقاء عمولة معقولة. وقبل جحا بالعرض. وراح الدلال ينادي على البقرة ويذكر محاسنها ويقول إنها حبلى في الشهر السادس. فتسابق المشترون على ابتياعها. وبعد مدة جاء الخواطب إلى داره يخطبون ابنته ويتطلعون إلى محاسنها فتذكر كيف بيعت البقرة فقال لهم: وهي كما ترون وزيادة… إنها حبلى في شهرها السادس!
ورأوه يركب حماره ويحمل خرجه على كتفه فسخروا منه ورموه بالحمق وقالوا له: أما يجدر بك أن تضع الخرج أمامك أو وراءك على الدابة فتريح كتفك؟ فأجابهم: «عدل من الله. الحمار يحملني وأنا أريحه بحمل الخرج!».
إنه من نوع البلاهة يقترب من المنطق والعقل حتى يبدو أنه هو المعقول. وهذه هي النكات النمطية لشخصية جحا. ولا عجب أن نجد الفرنسيين ينشرون مجموعة نكاته باسم «جحا الساذج». ويفعل مثل ذلك الإنجليز فينشرونها تحت عنوان «جحا الأحمق». وفي أعماق هذه البلاهة تتألق الحكمة الجحوية، هنا وهناك، كما حصل في سخريته من المجتمع البشري. وجدوه راكباً دابته ووجهه إلى الوراء، فسألوه لماذا يفعل ذلك ولا يعتدل في ركوبه فقال: هذا هو الاعتدال أدير ظهري لرأس البغلة ولا أديره لرؤوس بني آدم!
يكشف جحا عن استعماله الحمق كوسيلة في عالم الظلم. رآه الطحان يأخذ من قفف الناس ويضع في قفته. فسأله فأجاب «لا تؤاخذني فإنني رجل أحمق». قال الطحان: لو كنت أحمق لأخذت من قفتك ووضعت في قفف الناس. فأجابه: أنا أحمق واحد. ولو صنعت ما تقول لكنت أحمقين.
الشرق الاوسط