كاتب ومفكر عراقي
لو كان ميكافللي حيا لأقسم بلا تردد: والله لم يفهم كتابي احدا مثل نظام الملالي القابع في طهران وقم.
في الكلمة التأريخية التي ألقتها السيدة مريم رجوي في تجمع باريس الأخير، تناولت فيها عدة محاور منها إيران الملالي وإيران الغد الخالية من عمائم الشر، والعراق وسوريا علاوة على بقية المحاور الفرعية ذات العلاقة بالمنطقة أو العالم، وقد استعرضنا المحور الإيراني في مقال سابق وسنتحدث عن المحور العراقي ومن بعده السوري، على إعتبار ان البلدين تحت وصاية الولي الفقيه في طهران.
أماطت كلمة السيدة رجوي اللثام عما يجري في العراق وفق تحليل إستراتيجي محكم وعميق، كأنها تعيش داخل العراق وليس في باريس، وهذا ما تبين بوضوح من خلال وعيها التام لجوهر القضية العراقية وفك التشابك المقصود الذي يفتعله الإعلام الامريكي والغربي والإيراني في التعامل مع الثورة العراقية الكبرى عبر خلط الأوراق وتشويه الحقائق، وربط الثورة بالإرهاب وإلباس ثوار العشائر ـ معظمهم من عناصر الجيش العراقي السابق ـ جلباب داعش، مع إن داعش فصيل محارب من جملة فصائل ولا يشكل عناصره الا نسبة ضئيلة من مجموع المقاتلين ضد قطعان المالكي. إن شرارة الثورة في الأنبار أندلعت قبل ان يتناول الإعلام إسم داعش أو تتداوله الألسن. داعش إسم لحق بالإنتفاضة ولم يسبقها لكي تُجير الثورة العراقية الكبرى بأسمه. يلاحظ إن هذا الأمر سبق أن حدث مع الثورة الإيرانية عندما سرق الخميني الثورة الإيرانية من صناعها الحقيقيين ونسبها لنفسه، من ثم نكل بالثوار صناع الثورة فقتل وأعتقل ونفى، منحرفا عن مسارها الوطني، ليحولها الى سلعة تجارية فاسدة يصدرها لدول الجوار، وها نحن نشهد حاليا في العراق مدى عفونتها.
عندما يستمع العراقي لكلمة السيدة رجوي سيتفاخر بهذه القائدة الفذة وحرصها الشديد للعراق، وفي نفس الوقت سيزداد حنقه على حكام العراق الحاليين الذين يعبثون بمقدراته. فقد ذكرت السيدة رجوي في كلمتها العراق حوالي(39) مرة، وبغداد الحبيبة مرتان، وسامراء والموصل مرة واحدة، المثير في الأمر انه إذا استعرضت أي كلمة لمسؤول عراقي منذ الغزو الديمقراطي لحد الآن فأنك لا تجد ذكر لكلمة العراق بالعدد الذي أشارت فيه السيدة رجوي! إنها حالة فريدة من نوعها.
بل إنها حيُت الشعب العراقي وأعتبرته شعبها، في الوقت الذي لم يحييه زعمائه بقولها ” التحية لشعبينا المنتفضين في سوريا والعراق ومعركتهما من أجل الحرية والديمقراطية، وضد الإرهاب والتطرف الديني”. وهًنت الشعب العراقي بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم في الوقت الذي لم يُهنيه زعمائه بقولها” أتقدم إليكم بالتهنئة لمناسبة حلول شهر رمضان المبارك وإلي جميع المسلمين خاصة الشعوب الإيرانية والسورية والعراقية والفلسطينية والأفغانية والمجاهدين السجناء في ليبرتي”.
في معرض كلامها عن الثورة العراقية الكبرى وأثر الإنتصارات الماحقة والمتلاحقة التي يسطرها الثوار على طغمة الشر في طهران وبغداد، اشارت السيدة رجوي بأن” تفجر غضب الشعب العراقي قد هزّ سيطرة ولاية الفقيه. وجعل مراهنة الملالي لمدة إحدى عشرة سنة في العراق أصبحت في مهبّ الريح. كان الملالي يريدون تفادي تجرّع كأس السمّ، لكن دبّت آثار سمّ هزيمتهم في العراق في جميع أوصال نظامهم”. فقد جرع العراق السمُ للخميني أولا، وها هو اليوم يُجرِع خلفه الخامنئي من نفس الكأس الزعاف. إن إختبار السيدة رجوي لكلمة(كأس السم) لها وقع مميز وذكرى طيبة على قلب كل عراقي شريف، ولها وقع محزن على كل عميل وخائن وغادر.
أوضحت السيدة رجوي بأن المخطط التوسعي للخميني هو نفس مخطط الخامنئي، فالأول جعل من العراق المحطة الأولى لتصدير ثورته اليه” من خلال حرب ثماني سنوات وبشعار (تحرير القدس يمرٌ عبر كربلاء)، قد وضع خميني نصب عينيه احتلال العراق والعتبات المقدسة فيه”. والثاني جعل العراق محطتة الأولى لتصدير الإرهاب” كان العراق، منذ اليوم الأول، وبسبب موقعه الجيوسياسي، أول فريسة لولاية الفقيه لتصدير تطرّفها وإرهابها إليه”.
وفضحت السيدة رجوي التعاون بين الشيطان الأكبر(الولايات المتحدة) و(الشيطان المعمم) نظام الملالي) بقولها” بعد خمسة عشر سنة من الحرب المدمرة، وبعد الهجوم الأميريكي على العراق تحقّق الحلم التاريخي لولاية الفقيه. وتسلّطت علي هذا البلد قوات القدس الإرهابية وعملاؤها الذين كشفنا عن اثنين وثلاثين ألفاً منهم قبل ثمانية أعوام”. وهو نفس ما صرح به الرئيس السابق احمدي نجاد في بداية عام 2006″ إن الله قد وضع حصيلة احتلال البلدين (العراق وافغانستان) في سلّة إيران” والحقية ان الشيطان الأكبر وليس الله تعالى من وضع حصيلة إحتلال البلدين في سلة نجادي المتهرئة. وأوضحت السيدة رجوي إن” الخطأ التاريخي الأميريكي أنها اعتبرت نظام ولاية الفقيه في العراق جزءا من الحلّ”. لكنه في الحقيقة أساس المشكلة، فكيف يكون جزءا من الحل؟ وإستذكرت السيدة رجوي أمام الوفود المشاركة” إن الشخصيات الأميركية والأوروبية والعربية الحاضرة في اجتماعنا اليوم قد صرّحت خلال السنوات الأخيرة عدة مرّات بأن العراق تم تقديمه إلى الملالي الحاكمين في إيران على طبق من ذهب”. وفي آب 2007 أعلن علي لاريجاني” أن جميع الأطراف الحاكمة في العراق يطبّقون ما نقول لهم! إنهم من أصدقائنا”. يبدو أن لاريجاني حاول أن يكون دبلوماسيا في وصف عملاء إيران من العراقيين! فإستبدل كلمة(عملائنا) بـ (أصدقائنا)!
وحول الدور الإيراني الإرهابي في العراق ذكرت السيدة رجوي” منذ عقد من الزمن، أكّد الملايين من الشعب العراقي في بيانات أصدورها ووقّعوا عليها أنهم واجهوا منذ البداية حرباً خفية واحتلالاً مبطّناً من قبل النظام الإيراني، ومن ثم واجهوا احتلالاً سافراً وصل إلى حدّ تفجير الضريح المقدس في مدينة السامراء. وفي الوقت نفسه، أي في عام 2006، طالب خمسة ملايين ومائتا ألف من العراقيين بقطع أذرع النظام الإيراني من بلدهم”. ولكن الولايات المتحدة أعطت الإذن الطرشاء لمطالب العراقيين، ووقفت مع النظام الإيراني وعملائه في الحكومة والبرلمان ضد إرادة الشعب، وكان لا بد من تحرك يعقب الغليان الشعبي المتصاعد. وأبرزت السيدة رجوي وثيقة مهمة حول التعاون بين بين حزب الدعوة العميل وقوات القدس الإيرانية” هذه وثيقة بتاريخ نيسان 2004 تفيد أن الحزب الحاكم في العراق طلب الأسلحة من قوات القدس الإرهابية”.
وحول الأوضاع التي كانت وراء الغليان الشعبي في العراق وتحوله إلى ثورة عارمة، ذكرت السيدة رجوي” العراق بلد تابع وتحت إمرة الولي الفقيه، الأحرار والمثقفين فيه تم قمعهم، والكنائس المسيحية تم تفجيرها، وأهل السنة يتعرضون لإبادة جماعية، وقنابل واغتيالات وتفجيرات يومية، وست وعشرين هجوماً على مخيمي أشرف وليبرتي وحصار قاتل، والعديد من الشهداء والجرحى والرهائن المختطفين”. إنها عوامل من شأنها أن تمهد للثورة.
أضافت السيدة رجوي بأن نظام الملالي يقف وراء سياسة القمع والإضطهاد التي مارستها حكومة المالكي إتجاه التظاهرات السلمية “خلال هذه السنوات وخاصة منذ شباط عام 2011، أطلق أبناء الشعب العراقي مئات المرّات شعار طرد نظام الملالي وأقاموا مظاهرات لإبلاغ هذا الشعار. كما أن الاعتصامات والمظاهرات السلمية استمرت لمدة أكثر من عام في ست محافظات عراقية. وتحولّت المعارضة لسيطرة نظام الملالي على العراق إلى القضية الأولى والرئيسة في العراق”.
حول تأثير الثورة العراقية على نظام الملالي والنجاحات السريعة التي حققتها ميدانيا على الأرض، ذكرت السيدة رجوي بأن” إنتفاضة الموصل والمدن العراقية الأخرى قد فاجأت بيت خامنئي العنكبوتي قبل الآخرين، وهزّت قيادة قوات الحرس الثوري”. وأشارت الى المحاولات الخسيسة التي يحاول نظام الملالي من خلالها ربط الثورة بالإرهاب بقولها” يحاول النظام الإيراني يائساً أن يلصق الإرهاب بالإنتفاضة المليونية ووحصرها بالقوى المتطرفة، وبذلك فأنه يعادي انتفاضة الشعب العراقي. بينما أدان زعماء العشائر وأبناء الشعب العراقي بقوة ولعدة مرات كل أشكال التطرف والإرهاب وإستهداف المدنيين والإعتداء عليهم. وأكد أبناء العشائر بأنهم هم الذين خاضوا سابقاً الحرب ضد الإرهاب والقاعدة في العراق، وأنهم مستعدون لذلك مرة أخرى أيضاً”.
وأدانت السيدة رجوي المحاولات اليائسة التي تبذلها بعض الدول للتعاون مع نظام الملالي لإجهاض الثورة الشعبية بقولها” يجب التذكير هنا أن المفاوضات مع الفاشية الدينية والإستنجاد منها لحلّ مشاكل العراق وتحجيم الأزمة فيه، من شأنها أن تغرق الشعب العراقي في مستنقع الاقتتال والحروب الداخلية. وكنت قد أكدت قبل إحد عشرة سنة أن خطورة سيطرة نظام الملالي على العراق هو أخطر مائة مرة من مشروعه النووي”.
ثم تساءلت السيدة رجوي: ماذا يفعل قاسم سليماني قائد قوات القدس ومائتان آخرين من قادة الحرس اليوم في بغداد؟ كما تواترت الأخبار مؤكدة المشاركة الفعلية لقوات الحرس الثوري الايراني في الحرب ضد ثوار العشائر بعد ان انكرها نظام الملالي مرارا وتكرارا، ولكنه نظام دينه وديدنه الدجل.
فقد ذكرت وكالة (إيرنا) بأنه تم تشيع الطيار الايراني (الكولونيل شجعات مرجاني) الذي قتل في سامراء بدعوى الدفاع عن العتبات المقدسة في سامراء، مع ان العتبات المقدسة ما تزال تحت سيطرة جيش المالكي وميليشياته المسلحة! كما فطس العقيد كمال شيرخاني في نفس القاطع، وأوضح مصدر عسكري رفيع المستوى بأنه تم تشييع(23) قتيل من الحرس الثوري يوم 6/ تموز الجاري وأنّ “طائرة إيرانية نقلت الجثث من مطار النجف بعد نقلهم إلى مرقد الإمام علي في المدينة القديمة للصلاة عليهم بحضور السفير الإيراني حسن دنائي فر، ومسؤولين عراقيين”. وأضاف المصدر أن “الجنود القتلى وصلوا ضمن قوة تابعة للحرس الثوري لحماية مناطق حساسة ومراقد مقدّسة في سامراء”.
تتفق وجهة نظر السيدة رجوي من قيادة الثورة العراقية الكبرى والرأي العام الدولي بأن لا حلٌ للقضية العراقية إلا بسقوط طاغية بغداد المالكي وقطع إذرع الولي الفقية في العراق، وتشكيل حكومة عراقية وفق المعايير الديمقراطية تمثل الشعب العراقي بكل شرائحه وأطيافه” اليوم وبغض النظر عن أي تحليل أورأي، هناك إجماع واسع في العراق وعلى مستوى المنطقة وعلى الصعيد الدولي بشأن تطورات العراق، حيث أن الجميع يقولون إن الظروف الراهنة في العراق جاءت نتيجة سياسة الاحتكار للسلطة وسياسة القمع التي يمارسها مالكي. إذن! ليس هناك سوى حلّ واحد وهو تنحية المالكي من السلطة. الحلٌ هو قطع أذرع النظام الإيراني في العراق وتشكيل حكومة ديمقراطية شاملة”.
كلمة الختام نقولها للسيدة رجوي: مثلما حب العراق مغروس في قلبكِ، فثقي كل الثقة بأن حب منظمة مجاهدي خلق والأشرفيين مغروس في قلوب العراقيين الشرفاء، لأن عدونا واحد وقضيتنا واحدة ومصيرنا واعد بعون الله الواحد الأحد.
علي الكاش