« ثمن الحرية »
*اكرم جزاني
عندما كنت في السادس من عمري اعتقل النظام شقيقي ناصر وهو كان في السنة الأخيرة للإعدادية لايتجاوز عمره عن 18عامًا،اعتقله لمعارضته قمع الحريات الديقراطية والحرب الإيرانية العراقية المدمّرة ودفاعه عن حقوق النساء ومناصرة منظمة مجاهدي خلق وأعدمه في العام نفسه بعد ممارسة تعذيبات كثيرة عليه.
أتذكر أن ناصر كان حازمًا وجادًا وصارمًا وفي نفس الوقت حنونًا وكان يرى دائمًا الحياة مفعمة بالروعة قائلًا: إن المجتمع الإنساني رائع للغاية بالحرية إلا أن الدكتاتورين يشوهونها ويلوثونها. كان يقول: على كل إنسان متحرر أن يدفع ثمن الحرية لأن الله قد أخذ منه هذا الميثاق. مازالت صدى ترنمه باقية في آذاني: «حينما خضت الميدان من أجل الحرية، تخليت عن نفسي من أجل الحرية». وبعد تنفيذ إعدامه كنت أتمنى دائمًا أن يأتي يوم تُحيى فيه تلك الأغنية والذكريات وقت ربيع حرية وطني. أتذكر والدي ووالدتي كانا يشرحان لي بأنهما عندما استلما جثة شقيقي ناصر كانت ملامحه غير قابلة للتشخيص.
هذا وقد اعتقل نظام الملالي والدي في نفس السنة حيث بقي قابعًا في السجن بجريمة كونه والدًا لمجاهد. وكانوا لايسمحون لوالدتي زيارة والدي في السجن بعض الأحيان كما وفي الكثير من الأحيان لم يخبرونا بالسجن الذي كان والدي قابعًا فيه مما أجبر والدتي إلى التنقل بين هذه المدينة وسجونها إلى تلك المدينة وسجونها باحثة عن خبر عن والدي. وكان الحراس والسجّانون الجلادون يجيبون احتجاج والدتي وعدد كثير من أعضاء ذوي السجناء وكانت أغلبيتهم نساء بصبّ الماء الساخن على رؤوسهم ووجوههم ورشّ الغازات المسيلة للدموع في بعض الحالات. وفي إحدى تلك الحالات كنت مع والدتي إذ حصرني الرعب لم أكن أفهم شيئًا ولم أتمكن من فتح عيوني من شدة الحرقان الناتج عن الغازات ومازلت أتذكر طعمها المر.
بعد أن كبرت وفتحت عيوني آنًا فآنًا على جرائم النظام الحاكم في وطني فهمت بأن كيف يسلب الملالي الحاكمون الحقوق الأساسية لشعبي لاسيما النساء المضطهدات ولا يمكن نزعهم عن مقاليد السلطة إلا بدفع الثمن والصمود…
وبعد سنوات وبالرغم من أنني نجت في اختبارات الجامعة بدرجات عالية وكان العلم والجامعة يعجبانني إلا أن نظام الملالي حوّل الجامعة إلى مدفن لتفتيش الآراء وهكذا التحقت بصفوف أنصار المقاومة ومجاهدي خلق لأدفع ديني من أجل الحرية والتطور والازدهار ومستقبل أروع لوطني. ثم دخلت مدينة أشرف حيث وجدتها بؤرة أمل لحرية إيران واتخذت آمالي آفاق زاهية لها ولكن ما لبث أن تعرضت المنطقة لأحداث كثيرة منها وبعد سنوات، قامت الحكومة العراقية وفي تزلف للنظام الحاكم في إيران بنقلنا من بيتنا في مخيم أشرف الذي كنا قد عشنا فيه لمدة 27عامًا إلى مخيم ليبرتي قرب مطار بغداد بخدعة وتهديد. وظلّ 100من أصدقائي وبناءً على اتفاق رباعي بين أمريكا والأمم المتحدة والعراق ومجاهدي خلق في أشرف لبيع ممتلكات سكان أشرف الباقية هناك. لكن حكام إيران الأفسدة لم يتحملوا هذه بؤرة الأمل (أشرف) لأنها تلتحم فيها سلسلة آمال وأمنيات الشعب الإيراني …
في 1 من سبتمبر/أيلول أعدمت القوات العراقية المسلحة والعناصر الإرهابية للنظام الإيراني 52 من سكان أشرف على طريقة همجية بإطلاق طلقات الرحمة على الرأس من الخلف وهم كانوا مكبلي الأيدي واختطفت 7 آخرين بينهم 6نساء كرهائن. إني ومئات من أصدقائي في مخيم ليبرتي وكذلك في 5دول أوروبية وكندا وأستراليا خضنا الإضراب عن الطعام حيث دخلنا شهره الثالث احتجاجًا على هذه الجريمة. إننا بدأنا هذا الإضراب عن الطعام احتجاجًا على اختطاف 7 من خيرة أصدقائنا وتقاعس المجتمع الدولي والتزامه الصمت مطالبين بمحاسبة الحكومة العراقية على اقتحامها الهمجي مخيم أشرف في الأول من سبتمبر/أيلول والإعدام الجماعي لـ52 من سكان أشرف العزل وهم كانوا محميين من قبل الأمم المتحدة وكذلك الإفراج عن الرهائن الأشرفيين السبعة من السجون العراقية وضمان الحماية والأمن لمخيم ليبرتي.
إني أعتبر كل موقف من الحكومة العراقية يظهر تجاهلها عن موقع احتجاز الرهائن كذبًا باطلًا وإهانة للبشرية. لابدّ من الإفراج عن الرهائن الأشرفيين السبعة. هذا مطلب جميع المضربين عن الطعام.
وأخيرًا، عندما ألقي نظرة إلى تأريخي وتأريخ أصدقائي الحافلان بشامخ الحياة و خفضها أرى أشخاصًا يدفعون «ثمن الحرية» ويفكرون في نصر عزيز، لايمكن لأحد أن يخيب آمالهم ويجعلهم قانطين.
*إحدى المضربين عن الطعام في كمب ليبرتي