طبعاً للأحذية حيز أساسي في حياة البشر. حتى الآن كان أول حذاء اسطوري يتعرف إليه الطفل او الطفلة وتحلم به هو حذاء سندريللا.
بالطبع في ثقافات اخرى قد يرمز الحذاء الى الحظ السعيد او السلطة ففي العصر الانجلو ساكسوني كان والد العروس يقدم لعريس ابنته في حفل الزفاف فردة حذاء ابنته للدلالة على انتقال السلطة اليه.
ولطالما شكّل الحذاء موضوعاً تشكيلياً بامتياز ووجد من يرسمه في مختلف حالاته ومن قبل فنانين كبار منهم: فان غوخ، سلفادور دالي، ماجريت، أندي وارهول… وغيرهم كثر. رسومات فان غوخ اهتمت بتجسيد أحد الوان الشقاء من خلال رسمه الأحذية المتهالكة وفي اوضاع مختلفة مثل كائن له عالمه الخاص ومكانه وعمره. الأحذية التي رسمها فان غوخ تجعلك تفكر بلابسها، ربما يكون محاربا تركه جانبا ليستريح… وهذا يأخذني الى ما قرأته عن المقاوم الجنوبي – في حقبة المقاومة الغابرة – الذي ظل مرتدياً حذاءه لمدة شهر خوفاً من أن يفاجأ بهجوم خلال الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل ولا يجد الوقت لانتعاله فأصيب بالغرغرينا من جراء ذلك.
لكن ثقافية الاحذية اتسعت مؤخراً وازدهرت وصار لدينا على الصعيد الوطني حذاء اضافياً يتصف بالقداسة ينافس حذاء سندريللا وجميع الاحذية ذات الحيثية التي سبقته، ويمتاز عنها انه من النوع الذي يحضن ويقبّل.
فبعدما ضرب العراقيون تمثال صدام حسين بأحذيتهم بعد سقوط بغداد؛ برز الصحافي العراقي الزيدي والذي شطر بفعلته العالم العربي – مرة إضافية – الى معسكرين: واحد مع الحذاء والآخر ضد الحذاء. بدأ الضرب بالحذاء في العراق وفي المرتين فعل رمزي يمثل أقصى الإهانة للشخص الموجّهة الضربات اليه: صدام وبوش. يضاف الى لائحة المثاقفة الحذائية هذه البشير الذي هدد أمام الآلاف محكمة الجنايات الدولية لإصدارها مذكرة توقيف: “قولوا لهم أن محكمة الجنايات الدولية وقضاتها ومدعيها وكل من يدعمها تحت جزمتي هذه”.
الحذاء يتربّع عرش السياسة في بلادنا، ومع أن الشيوعية لم تستطع أن تثبت نفسها في عالمنا العربي إلا أن هناك نوعاً من التواصل “الفكري” بين المنظومتين فلقد كان حذاء خروتشوف هو الآخر واحد من أهم وأشهر الاحذية لأنه أول من استخدمه للتعبير السياسي في المرحلة الحديثة من خلال وضعه على منصة مجلس الأمن لجعل رأيه أكثر وضوحاً. ففي أوائل الستينات من القرن الماضي واثناء اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة خلع خروتشوف حذاءه وأخذ يدق به فوق الطاولة امامه وهو يصرخ بالمندوب الاميركي في المنظمة الدولية: سندفنكم. يبدو أن السياسة الأميركية هي أكثر من يستحق سياسة الحذاء ليس في بلادنا فحسب بل في ديار أخرى ايضا.
واذا كان سبب تكريم حذاء الزيدي أهمية الهدف الذي كاد أن يصيبه فلقد سبق أن حصل أمراً مشابهاً في البرلمان المصري حيث استخدم الحذاء من أجل التعبير عن رأي سياسي. ويبدو أن مصر “أم الدنيا” كانت السبّاقة في هذا المجال الابتكاري، ووفق كتب التاريخ فإن الحذاء في الحياة السياسية استخدم في بداية العصر المملوكي عندما اغتيلت شجرة الدر في القرن الثالث عشر رمياً بالقباقيب حتى الموت فيما هي في الحمام على أيدي “أم علي” زوجة السلطان عزالدين ايبك وضرة شجرة الدر انتقاما لمقتله لذلك جرى قتلها بهذه الطريقة المهينة.
وهكذا نجد أن لثقافة الاحذية في بلادنا تاريخ متنوع فمن استخدامها للاهانة والسحق؛ساد مؤخراً طقس استخدامها في تقبيل صبابيط وبساطير الضباط والعساكر.
لكن بعد أحداث حي السلم برز المنافس الذي لا يضاهى ليتفوق على التكريم غير المسبوق الذي حظي به حذاء الزيدي، الصحافي المغمور الذي كان رميه لبوش بهذا الحذاء هو أهم ما “وقّعه” في حياته؛ جاء ليزيحه عن عرشه: حذاء او نعل السيد، على لسان النائب علي عمار، ليدخل موضوعاً جديداً الى عالم القدسية الالهية: وظهر ان فعل تقبيل نعل السيد او حذاءه، الذي هو “هبوط” الى أسفل، له هنا مفعول عكسي لأنه يحمل الفاعل الى فوق، من عالم السكنوت الى عالم اللاهوت اللامتناهي.
وبعد ان حمدنا الله على ازالة المنحوتة الضخمة التي أنجزت لحذاء الزيدي في بغداد تعبيراً عن اعتماد لغة الاحذية في الحقبة العربية التي نعيشها؛ صرنا نخشى ان يخطر ببال أحدهم انجاز منحوتة للنعل المقدسة وجعلها مزاراً وطنياً مقدساً مستجداً مخافة ان تجرنا الى حرب أهلية جديدة تحت شعار نعم او لا لتقديس النعل؛ اذا لم تتحول الى حرب بين الكفر والايمان.