وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ. (البقرة 191).
عندما تستمع الى خليفة المسلمين المختفي في أرض العراق إبراهيم أبو بكر البغدادي وخطبته في الجامع النوري الكبير في الموصل بتاريخ 4 تموز يوليو 2014، تتوصل الى أن القتل والموت والدمار والتهجير ليس إرهاباً وأنما هو إنجاز زمني لوعد الله، كما جاء ذلك في تلك الخطبة (انجز الله وعده للمجاهدين فذاقوا حلاوة النصر وعرفوا طعم العزة).
من السذاجة أن يعتقد الأنسان “أي إنسان ” أن القتل في الأسلام يُعتبر من التعاليم الدينية المقبولة في الدولة مع وروده في ألأحكام القرآنية، كما جاءت أعلاه، وبالأسلوب الذي ذكره وأنبأنا به خليفة المسلمين أبو بكر البغدادي في خطبته (كُتِبَ عليكم القتال وهو كُره لكم). ولكون المسألة في غاية الحساسية خاصةً وأن الناس تتبين أن القتل وسفك الدماء يعتبر مقبولاً وفرضاً في الغزوات والحروب في المجتمعات الغربية والشرقية، وقتل من يُحتَسب عدواً جائراً معتدياً ليس عملاً أرهابياً، وضحايا القتال هم كما يقال ( قسمة الله) و (إرادة الخالق ) وتُحلّله عملاً وفعلاً وقولاً بعض الديانات السماوية (اليهودية والمسيحية والأسلامية) علىالتوالي في ترتيبها الزمني، وإنقلاب بعض وعاضها من التسامح والسلام وحرية الأديان والمعتقدات الى شرعية القتل والدمار والأرهاب السياسي والعنصري والقومي، بل وجاهر قسم منهم بأنتهاء الديانات السمحة ودعواتها السلمية المُحرِّمة للقتل والإغتيال والذبح وتقطيع أعضاء جسد ألإنسان.
لستُ حيادياً في آرائي المتعلقة بخرق المُدّعين للدين وإعتبارهم القتل وسفك الدماء عملاً لاعلاقة له باإلارهاب وحيادية بعضهم، والحياد يعتبر بحد ذاته موقفاً ورأياً ملزماً يتجنبون فيه الحقيقة أو إبداء الطاعة للأهوج أو المختل العقل ومجاراته في القتل والقتال وإرتكاب الذنوب والأعمال المُحرّمة والقبول بإرجاعنا الى الحقبة الزمنية التي حدثت فيها وإثمها وخطأها كدعوة داعش لمجموعاتهم (كُتِبَ عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون)( سورة البقرة آية216 ).
والدولة هي المسؤول الأول عمن يكتسب شرعية القتل بتشريعاتها وقوانينها وقضائها، وحمايتها لكيان المجتمع واجب لاحيادية فيه وبأستطاعتها حياكة رأي دقيق وإستشارة رفيعة دون خوف ورهبة ممن خرق تعاليم الأديان من علماء التبخير الديني المتطرف المناهض للمبادئ الأنسانية وتصويرهم للناس (أنهم مازالو) يحاربون كفار قريش وقتل الكفّار مهمة جهادية لإعلاء كلمة الله تعالى في الجهاد وتعاليم الرسول محمد الأعظم (ص). ذلك في الحقيقة التاريخية هو تشويه لصورة الإسلام والمسلم المؤمن، وهو كالاحاديث المنسوبة للرسول عندما سأله رجل: يا رسول الله، أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقَرَ جواده وأُهرق دمه. إنها التبرير الهمجي الملفق لمن يقفون اليوم الى جانب الارهاب وخرق وتدنيس الرسالة الإسلامية بدعوات القتل والتخريب والتدمير في الرقة وحلب وحمص ودمشق في سوريا وفي الموصل وتكريت والفلوجة وبغداد في العراق، دون اللجوء الى مبدأ الجزاء والقصاص المدني والمحاكم (والعدلُ أساس المُلك) ومايترتب عليه من حيثيات وإجراءات وأدلة مادية لمعاقبة المجرم والجريمة. وتفسيرات مشروعية الثورة والسلب والنهب والقتل والارهاب وتوزيع الغنائم وفق منهج القرضاوي المصري و رجل الدين العراقي عبدالملك السعدي، والداعية طه الدليمي ومجموعات أُخرى من دعاة المجالس العسكرية للثورة وقطع الطرق التجارية الدولية وحرمان السكان من أرزاقهم ومياههم وتهجيرهم، هي تفسيرات مبيته خبيثة المنطق، كتفسير مبايعة الخليفة البغدادي ودعواته لهم بالطاعة لخلافته، وموعود الله كما قاله حرفياً (الجهاد هو التجارة التي دَلَّ الله عليها)، ولتحكيم شرع الله (كتاب يهدي وسيف ينتصر ). ياله من تبرير وأستهانة بأقوال سبحانه تعالى ورسوله العظيم، خاتم الأنبياء الذي أتـى لأنهاء قتال قريش ورحمة للعالمين.
في كلمة البغدادي وتبريره سفك دماء الضحايا والقتل بأشكاله وبألوان عقيدته، يذكر بأنه صادر ” بأمر الله لنا لمقاتلة أعدائه”، ثم يقول أنه جاء ” ليثبت عرش الله ” وكأن الخالق قد وكّلهُ بذلك لأن الله سبحانه تعالى، بعظمته وجبروته وقوته لايستطيع تثبيت عرشه دون القتل العشوائي للبغدادي وأتباعه. تفسير لايقبله العلم، المنطق، أو الفلسفة الدينية، وهو محض إفتراء و إدعاء وفتنة. والذي نتبينه كمسلمين في الفهم الخاطئ للقتل والأرهاب كالابادات الجماعية والمذابح في القرن العشرين واقترفها السلاطين العثمانينن بحق المسيحيين الأرمن بأنها ” تصرفات أفراد ” تسلطوا على الأسلام بنفوذهم وجبروتهم وخبثهم وحنكتهم. والأنكى منها التصفيات العنصرية والقومية والجرائم التي إرتكبتها الصليبية والنازية والفاشية الأوروبية والأنفالية والقبور الجماعية التي برّرتها ألمانيا وإيطاليا وصدام العراق.
إستمعتُ لخطبة أبو بكر البغدادي مرتين، وانتبهتُ الى أن الرجل له المَلكة السحرية والترنيمة الصوتية الخطابية في الألقاء وفصاحة في اللغة العربية وتمكّن في تصريف حركاتها ومفرداتها. وثقافته الدينية البيئية العالية تجعله متفوقاً على الكثير من شيوخ الدين والحكام. والرجل في تحكمه وإدارته لصلاة الجمعة ودعوته الناس الى طاعته بحزم وتواضع كان قد أخذ بقول أبو بكر رضي الله عنه لأهل المدينة ( أطيعوني ما أطعت الله ورسوله, فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم). ويضيف الخليفة الزائف (ماذا أردتم موعود الله فجاهدوا في سبيل الله وحرضوا المؤمنين واصبروا على تلك المشقة). وتجد التربية والثقافة المسجدية الدينية التي يلصق البغدادي نفسه بها كخطيب جامع في قوله “قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار”. ويستخدم كلمات القتل كمبدأ ومحور حديثه للجهاد في سبيل الله والتقرب والخشوع، وهو نفس المبدأ والمنهج وشريعة الأرهاب الجهادية العقائدية المتبعة بين أتباعه من زمر داعش الى زمر طالبان وبن لادن للقتل وفق الشريعة.
وأكثر الظن ونحن في القرن الحادي والعشرين ان السلطة السياسية للدولة ستكون القاسم المشترك في القبول وإتاحة الفرصة لقوى الجهاد التكفيري أو رفض توفير الأدوات والمقومات لسلوكها. وستمر سنوات وسنوات قبل أن يكون في إستطاعة دول المشرق والمغرب العربي ومن جزئه الأسيوي الى جزئه الأفريقي التغلب على خطباء الإنتساب الى الدين ” وماأكثرهم ” وملاحقة ومراقبة ووأد غرضهم تدنيس الرسالة الأسلامية بالتميّز بين المسلمين وبتطويع الناس في الجوامع والحسينيات والتكيات ودورالعبادة المخصصة للمؤمنين وإذلالهم على الطاعة، وتحريضهم على القتل لأحقاق عرش الله التي تتشابه معها اقدم الديانات الشرقية ( اليهودية واسفارها المقدسة ) بفلسفتها التي ترى شرعية عرش الله في أرضه وإن لله عرش تحمله الملائكة المُجنحة.
باحث وكاتب سياسي
نقلا عن ايلاف