زيارة وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون إلى بيروت الخميس المقبل تحمل رسائل دقيقة إلى الداخل اللبناني، بتأكيدها عموما دعم إدارة دونالد ترامب لثوابت السياسة الأميركية في لبنان منذ 2006، وفي الوقت نفسه تتقاطع مع أجواء حساسة وسلبية للعلاقة الأميركية- اللبنانية في واشنطن.
الزيارة وهي الأعلى لإدارة ترامب والأولى لوزير خارجية أميركية للعاصمة اللبنانية منذ 2014، هي بالأساس فكرة الخارجية الأميركية وليس البيت الأبيض. توقيتها يرتبط بالذكرى الـ13 لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وميدانياً بمستحقات سياسية واقتصادية تهم واشنطن أبرزها الانتخابات النيابية في أيار (مايو) المقبل، وانطلاق ملف النفط والغاز الذي يفهمه مدير أكسون السابق تيلرسون، الى جانب التشنج مع إسرائيل وما ستحمله الحرب السورية وجبهاتها الجديدة للبنان.
بداية يمكن القول إن إدارة ترامب كما فريقا باراك أوباما وجورج بوش قبلها تُثَمن العلاقة الأمنية والاستخباراتية والسياسية مع لبنان. وهي رغم تصعيدها مع إيران وعدم لقاء ترامب بالرئيس ميشال عون، تحرص على عدم المس بالثوابت ليس حُباً ببيروت بل كون الاستقرار الأمني والداخلي يَصُب في مصلحة واشنطن. هذا الأمر نقله ترامب شخصياً إلى رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري خلال زيارته الصيف الفائت، إنما رافقه ملحقٌ هام، أن البيت الأبيض غير قادر على التحكم بما يقرره الكونغرس سواء لناحية الضغط في ملف المساعدات أو دور «حزب الله» داخلياً وإقليمياً.
هنا، حديث متزايد أميركياً عن استياء الكونغرس من نفوذ حزب الله في الحكومة، وأيضاً عسكرياً على الحدود السورية. هناك أيضاً انزعاجٌ من عدم تقديم الحريري رؤية حقيقية على المدى الطويل للضغط على حزب الله. هذه الأمور سمعها مستشار الحريري ومدير فريقه نادر الحريري خلال زيارته الشهر الفائت إلى واشنطن، كما قالت مصادر ديبلوماسية لـ «الحياة». هذا التذمر يجب فهمه كتحذير جدي لبيروت بأن لا شيء مضمون أميركياً في حال قرر الكونغرس قطع المساعدات أو المضي بمزيد من العقوبات.
وفِي حين أن زيارة تيلرسون ولقاءاته بأركان الدولة اللبنانية تنطوي على تكريس لأهمية العلاقة وانفتاح على جميع الأطراف اللبنانيين باستثناء «حزب الله»، فمن الخطأ أن يُفهم منها أي دعم غير مشروط للبنان. فتيلرسون هو من أضعف الوزراء الذين تولوا الخارجية في التاريخ الأميركي الحديث وترامب لم يصغ له لا في قضية القدس ولا في الاتفاق النووي الإيراني ولا في إجتزاء المساعدات للأونروا. وفِي حال قرر الكونغرس التشدد في قضايا المساعدات والعقوبات، فهو من دون شك سيلقى آذاناً صاغية في البيت الأبيض، ومن المجموعات الداعمة لإسرائيل.
وعليه، أن أمام الحكومة اللبنانية فترة حساسة لطمأنة الجانب الأميركي باتخاذ خطوات سياسية واقتصادية وأمنية تعكس بعض الاستقلالية لها عن «حزب الله». فزيارات الوفود الإعلامية والدينية والميليشياوية التي ينظمها الحزب الى المناطق المحررة من داعش والى الحدود مع إسرائيل تؤرق الأميركيين، كما المحاكمات العسكرية الأخيرة ضد الصحافيين. سياسياً، تريد واشنطن ضمان انتخابات منفتحة وحرة في لبنان، حتى لو انقلبت فيها صورة التحالفات. واقتصادياً، يراقب الأميركيون نوع العقود المقدمة في ملفات الغاز والنفط، ويحذرون من فتح بازار إعادة الإعمار في سورية قبل الحل السياسي.
وفِي وقت تزيد واشنطن من شكل وحدة تدخلها العسكري في سورية بعد مواجهات دير الزُّور واستهدافها لثلاث ساعات مقاتلين تابعين للنظام السوري أو مؤيدين له، فهي تريد أن تضمن بقاء لبنان بمؤسساته الرسمية على الحياد في ذلك، وأيضاً في أي ضربات توجهها إسرائيل ضد حزب الله في الحلبة السورية.
كل ذلك يحيط زيارة تيلرسون التي بشكلها هي مؤشر اطمئنان للعلاقة، إنما يأخذ في الاعتبار أجواء الإدارة والكونغرس فهي تأتي في مرحلة حساسة وهشة أكثر مما توحي به الصورة الإعلامية لمسار التعاون الأمني والسياسي بين واشنطن وبيروت.