طلال عبدالله الخوري
في البداية, انا اعترف بانه لدي نظرة مسبقة عن الكاتب توماس فريدمان حيث كنت ولا زلت اعتقد بانه كاتبا سيئا ومنذ زمن بعيد. ومن وجهة نظري, الكاتب السئ هو الذي لا يقدم لي اي شئ جديد أو اي اضافة جديدة عندما اقرأه. بالرغم من اني اعتبره كاتبا محترفا لا يشق له غبار فهو قادر ومقتدر بمهنته بالكتابة, فهو يستطيع ان يعيد ويكرر ويتلاعب بالكلمات والتي توهم القارئ العادي بأنه يقول اشياءا قيمة ومبهرة في الوقت الذي هو يعيد صياغة الكلمات ليس الا, وكأنه يعيد اختراع العجلة. لم اكن معجبا قط بأي من المقالات التي كان ينشرها بالصحافة العربية, وانا اعترف بأنني توقفت عن قرآته بعد ان قرأت له اقل من ثلاثة مقالات, وتوقفت أيضا عن مشاهدته بالبرامج التي كانت تستضيفه بعد مشاهدتي لاول لقاء معه بالتلفزيونات الاميركية, فلم تعجبني حتى شخصيته.
بعد هذه المقدمة, لا مانع لدي من ان يقال بانه لدي حكم مسبق على فريدمان, فأنا اعترف بهذا ولهذا السبب بدأت بهذه المقدمة.
بعد نجاح كتابه الاخير ” العالم مسطح “, وتبوئه على قائمة افضل المبيعات, وقيام الكثير من الكتاب بكتابة مقالات عن كتابه هذا, قررت ان اتصفح كتابه لعلي اغير نظرتي من هذا الكاتب ولعلي اجد شيئا مفيدا بكتابه!! ولكن خاب ظني مرة اخرى ولم اجد في كتابه, لسوء الحظ , غير التهريج.
ولكي ادعم وجهة نظري من هذا الكتاب, اريد ان اجزأ مضمون الكتاب الى قسمين: القسم الاول, وهو المعلومات والحقائق المعروفة من تطور تكنولوجي هائل, والتي قدمها الكاتب توماس فريدمان باسلوبه المميز بالكتابة ومضيفا عليها خفة دمه وبعض النوادر المضحكة التي حصلت معه. ونحن نعترف بانه بهذا القسم من الكتاب اجاد توماس فريدمان بتقديم الحقائق باسلوب شيق وممتع للقارئ العادي, ومن دون شك فان استخدام فريدمان المتكرر للمصطلحات التكنولوجية الحديثة مثل: دوت كوم, نت سكيب, يو بي اس, واي تو كي, و انترنت برتوكول…. الخ, ابهرت القارئ الغير مختص بالتكنولوجيا والغير مختص بالاقتصاد, ولكن حتما لاتبهر القارئ ذو الثقافة الرفيعة. ونحن نعتقد بان المستهلك القارئ دفع نقوده فقط من اجل هذه السلعة من السرد الشيق للحقائق عن التطور التكنولوجي المعاصر.
اما القسم الثاني, وهو الاستنتاجات التي قام بها بناءا على الحقائق التي سردها و التدابير الوقائية والحلول الممكنة التي اقترحها للمشاكل التي يعتقد بانها موجودة او انه من الممكن مواجهتها بالمستقبل نتيجة للتطور التكنولوجي المتسارع؟ ونحن نعتقد بانه لم يكن موفقا في هذا القسم على الاطلاق, ولكن بلا شك استطاع ان يبهر القارئ العادي بانه استنتاجاته قيمة وحلوله للمشاكل مهمة واصيلة؟؟
في هذه المقالة سأبين بأن معظم استنتاجات وحلول توماس فريدمان بكتابه ” العالم مسطح ” ما هي الا تهريج وثرثرة لا اكثر ولا اقل.
يعتبر فريدمان بأن تسطيح العالم او العولمة بدأت عندما ابحر كولومبوس بسفينته لكي يصل الى الهند متجها غربا, بدلا من ان يتجه شرقا كالمعتاد, مستفيدا من كروية الارض؟؟
نحن نعتقد بان هذا تسطيح للحقائق وللتاريخ, فعملية تسطيح العالم بدأت عندما قام الانسان البدائي بالعصر الحجري بصناعة الادوات وقام هذا الانسان البارع بصناعة الادوات بمبادلة ادواته مع الانسان البارع بالصيد مقابل الصيد من اللحم من اجل غذائه, وهكذا بدأت مسيرة التطور التكنولوجي والمستمر حتى وقتنا الحالي, وهكذا بدأ التبادل التجاري وهكذا نشأ اقتصاد السوق وقانون العرض والطلب والمستمر حتى وقتنا الحالي!!
نحن فعلا نستغرب اختيار فريدمان لرحلة كولومبوس كبداية للعولمة, مع العلم بأن هناك احداث تاريخية اهم لها الافضلية بتأريخ بداية العولمة؟ على سبيل المثال لا الحصر, ركوب الفينيقيين السوريين لعباب البحر والوصول الى رأس الرجاء الصالح من خلال البحر المتوسط؟
انا شخصيا اعتبر بداية العولمة وتسطيح العالم بدأت عندما اخترع العبقري السوري اول ابجدية بالتاريخ وقبل آلاف السنين, وهذا الاختراع كان البداية لانشاء اللغات التي تتفاهم وتتواصل الشعوب مع بعضها البعض والتي بدونها لم تكن العولمة لتبدأ, وبدونها لم نستطع التدوين والتوثيق؟؟
بعتبر فريدمان بان سقوط جدار برلين, هو علامة مميزة ساهمت بالعولمة وتسطيح العالم؟
نحن لا نتفق مع فريدمان على الاطلاق على ان السقوط الفيزيائي لاي جدار يساهم بتسطيح العالم! فالعولمة لا تقف بوجهها الموانع الفيزيائية مثل المحيطات والبحار والجبال والمسافات, لان العولمة ليست كيان فيزيائي, وهي قادرة بواسطة ثورة الاتصالات ومفهوم اقتصاد السوق التنافسي الواحد الذي يربط بين كل الدول ان تتخطى كل الحواجز الفيزيائية.
نحن نعتقد بان اعتبار فريدمان لسقوط جدار برلين كعامل من عوامل العولمة لهو دليل على عدم فهم فريدمان للعولمة ولتسطيح العالم, وهو يعترف بان فكرة تسطيح العالم نقلها عن احد المدراء باحدى الشركات الهندية.
اما سقوط جدار برلين فهو نتيجة لسقوط اقتصاد الدولة الاحتكاري الذي كان سائدا بأوروبا الشرقية وعدم قدرة هذا الاقتصاد على منافسة اقتصاد السوق التنافسي الموجود بالدول الغربية.
في رحلته التاريخية والجغرافية عبر كتابه ” العالم مسطح “, يعرج فريدمان ليحذرنا من ان الارهاب قد يعيق العولمة او يبطأها؟؟
نحن لا نتفق مع فريدمان بان الارهاب قد يعيق العولمة, نحن نجزم بان الارهاب الاخير للقاعدة وبن لادن بالرغم من الجرائم التي ارتكبت بحق الابرياء كان له اثر ايجابي وذلك بتحفيز السوق التنافسي لاجهزة الامن وحماية المعطيات عالميا مما ساهم بشكل ما ايجابيا على العولمة. ولا بد هنا ان نشير بان هذا الارهاب ونتائجه كانت صفعة على وجه الشباب العربي النائم والمغسول الدماغ عقائديا, لكي يصحو وينهض ويكسر قيود الديكتاتوريات العربية والتي كانت اكبر عائق على طريق العولمة! لان الديكتاتوريات تسخدم الاقتصاد الاحتكاري والذي بلا شك هو العائق الاكبر بطريق العولمةّ! اذا الانظمة الديكتاتورية تشكل عائق وتبطئ العولمة اكثر بكثير من الارهاب. فلا شك بان تحول الدول العربية الى الديمقراطية واقتصاد السوق التنافسي سيساهم في تسريع وتيرة العولمة وتسطيح العالم.
في كتابه ” العالم مسطح ” يطالب فريدمان الحكومات بالتدخل والتخطيط للمستقبل من اجل مواجهة المشاكل التي قد تنجم من جراء التطور التكنولوجي الهائل والسريع, ومن جراء واتساع المنافسة الاقتصادية على النطاق العالمي؟؟
ما هذا يا سيد فريدمان؟؟ التدخل والتخطيط الحكومي؟؟ ونحن نعرف بان الاقتصاد والابداع وبالتالي العولمة وتسطيح العالم لا يأتي الا من خلال سوق تنافسي حر لا يتدخل به احد؟؟
نحن نعتقد بان تحذير وطلب فريدمان للتخطيط الحكومي يجعلنا نستنتج بان فريدمان غير مختص وغير ملم بالاقتصاد؟؟
هذا كان غيض من فيض من تهريج توماس فريدمان, ومما سبق نرى بان الاستنتاجات والحلول التي وضعها فريدمان للمشاكل المستقبلية والناتجة عن التطور التكنولوجي الهائل واقتصاد السوق الحر التنافسي والاسواق المفتوحة على بعضها, هي اصلا حلول تساهم في الحد من التسطيح, لانها تستوجب التدخل الحكومي بالاقتصاد والتخطيط الاقتصادي وهذا مشابه للاقتصاد الاحتكاري الحكومي الذي كان سائدا بأوروبا الشرقية والتي حتما لا يساهم بتسطيح العالم وعولمته ولاكنه يقف عثرة بوجه التقدم والتطور.
اما العولمة فهي نتيجة طبيعية للتطور الحضاري والذي بدأ عندما وجد الانسان الاول على سطح الارض, وسعي هذا الانسان الى تحسين وتطوير نفسه وبالتالي تطوير مجتمعه وحضارته. وسيستمر الانسان في ابداعه تلقائيا من دون تحذيرات فريدمان ومن دون تدخل الحكومات بالاقتصاد او التخطيط لحياتنا, لانه عندما تبدأ الحكومات بالتدخل بحياتنا والحد من حريتنا فهنا ستنتهي العولمة وسيبدأ الاستبداد وهذا ما يعلمنا اياه التاريخ.
وفي الختام, فان كتاب توماس فريدمان ” العالم مسطح ” ليس كتابا علميا, ولكنه كتاب ملئ بالتهريج. ربما يمكن تصنيف فريدمان على انه صحفي من الوزن العادي ولكنه غير مختص بالتكنولوجيا او الاقتصاد او التاريخ؟؟
نحن نقبل من عالم مثل فوكوياما مؤلف كتاب:”نهاية التاريخ” بأن يستقرأ لنا التاريخ ويحلله ويعطينا استنتاجاته العلمية عن المستقبل. ولكن لا يمكن ان نقبل من فريدمان ان يحاضر علينا بالمشاكل المستقبلية وكيفية حلها لان هذا الموضوع اكبر من حجمه.
توماس فريدمان كاتب محترف ويستطيع بكتاباته ان يبهر القارئ العادي من عامة الشعب ولكن لا يقدم أي شئ للقارئ ذو الثقافة الرفيعة.
نعم العالم مسطح, بسبب العولمة, واقتصاد السوق التنافسي وانفتاح الاقتصاد بالدول بعضها على بعض والتطور التكنولوجي الدائم, اما كتاب فريدمان ” العالم مسطح ” فهو تهريجا مسطحا!
ان الشئ الوحيد الذي نجح به توماس فريدمان هو ان يستغل تعطش القارئ العادي لسرد تاريخي يربط الحاضر بالمستقبل بطريقة شيقة تشبه كتابات الخيال العلمي الشيقة وبالتي نجح بان يبيع ملايين النسخ من كتابه ووضع ارباح برقم من سبعة مراتب في حسابه المصرفي.
http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall