عندما عدت من دراستي لنيل درجة الدكتوراة, وتبؤت منصبي كأستاذ بجامعة دمشق, في اول حديث دار بين اساتذتي في السابق وزملائي اليوم في غرفة رئيس القسم حيث عادة يجتمعون, طرح احد الاساتذة المرموقين (حصل على منصب وزير واخر منهم على منصب سفير في بريطانيا) بأنه يجب اصدار قانون من وزير التعليم العالي بأن يكون منصب استاذ في الجامعة حكراً على ابناء اساتذة الجامعة!!؟
فأنفجر عبدالله الفقير, كاتب هذا المقال والمعروف عنه بتذوقه الرفيع للنكته, بضحكة مع قهقهة مدوية من اعماق قلبه وملأ فمه, لانها كانت اجمل نكته سمعها منذ فترة, والنكات العالية المستوى قليلة بالعادة؟
المشكلة بدأت حين نظرت بوجه كل من الحضور وايقنت بأنني الوحيد الذي ضحك, أما بقية الاساتذة فكانت ترتسم على وجوههم الجدية والازدراء لفعلتي الشينة من وجهة نظرهم, فلم يلق احد اي نكته حتى اضحك والحديث كان جدياً!!؟
لم اصدق بأن الحديث كان جدياً, حتى تم طرحه ثانية باجتماع نقابة اساتذة جامعة دمشق, عندها لم اضحك لاني تعلمت الدرس.
لماذا ظننت انها نكته؟
ظننت انها نكته لأنني كنت للتو واصل لسوريا من بعد انهاء دراستي في الخارج, و لم اكن اعرف ما هي الطبخة السياسية التي يجري تسويقها في ذلك الوقت, وهي توريث الحكم للهبيلة بشار الاسد ابن الستين انيسة؟ وعلى ما يبدو بأن أجهزة الأمن لجأت لإشاعة مثل هذه الأفكار لفرض قبول توريث الهبيلة بشار الاسد منصب رئيس جمهورية تحت طائلة التهديد, وكانت مهمة تبليع مثل هذه الفكرة لأساتذة جامعة دمشق من اولوياتهم, وذلك بوعدهم بأن ابنائهم سيتبؤون مناصب مهمة بالدولة, اي على مبدأ “خوذ وهات” كما يقول المثل الشعبي السوري!!!؟
لماذا لم تتم معاقبتي من قبل الامن والاساتذة المتعاونين مع الامن؟؟
لقد قال لي احد الأساتذة بأنكم انتم القادمون حديثا من الخارج تتمتعون بسقف عالي من الحرية ولم تتأقلموا بعد مع واقع البلد, وإذا لم تنسوا حياة الخارج و تتغيروا سريعا فحياتكم ستكون صعبة او ستضرون للهجرة؟
على ما يبدو بأن الأمن يعلم بهذه الحقيقة لاني علمت فيما بعد بان جميع الاساتذة تقريبا متعاونون مع الامن, وهم يصبرون قليلا على القادمين الجدد ريثما يتم تدجينهم من جديد اسوة بزملائهم.
في ذلك الوقت لم اكن اصدق بان استاذ جامعة حاصل على شهادة الدكتوراة يتحدث بهذا المنطق المعيب والذي لا يمكن ان يخرج من بائع بسوق الهال؟؟
كيف يمكن توريث منصب استاذ جامعة؟
لنفرض بان ابن استاذ الجامعة لم يحصل على تعليمه العالي فكيف يصبح استاذ في الجامعة؟
عدد ابناء اساتذة الجامعات اقل من بكثير من حاجة الجامعات للاساتذة! فهل نغلق فروع في الجامعة لعدم وجود الوريث؟ ماذا عن اساتذة الفروع الجديدة؟ هل نمنع من فتح فروع جديدة للعلوم الحديثة والتي تنشأ كل يوم لعدم وجود الورثاء من ابناء الاساتذه؟
لهذه الاسباب ومئات الاسباب الاخرى, طننت بانها نكته, ولكن في اقذر نظام استبدادي عرفته البشرية تصبح اسخف النكات حقيقة واقعة.
في تظام يقول به احد اعضاء مجلس الشعب مخاطبا الهبيلة رئيس الجمهورية بان “سوريا هي قليلة عليك يا سيادة الرئيس وعليك ان تحكم العالم”..!!؟ تصبح اسخف النكات حقيقة.
في نظام يقول به رئيس فرع المخابرات الجوية بانه على استعداد لان يقتل مليون مواطن سوري في سبيل بقاء الهبيلة في الحكم, ويذهب الى لاهاي ليحاكم امام محكمة الجنايات الدولية فداءا للهبيلة, تصبح اسخف النكات حقيقة.
كتبت في احد مقالاتي السابقة التالي:
“يمكن تلخيص سياسة الأسد بحكم سوريا بالتالي: ”تفريغ سوريا من رجالها”.
كما كان يخصي إمبراطور الصين جميع الرجال في مدينته المحرمة, لكي يبقى الوحيد الذي له الحق في ممارسة الجنس, قام حافظ الأسد بإخصاء جميع الرجال بسوريا واصبح هو الوحيد الذي لديه فحولة يتباهى بها.
لقد افهم حافظ الأسد رجال سوريا, وعن طريق العبرة العملية, ومن دون أن ينطق بكلمة واحدة, مايلي: ” أنت رجل وتريد أن تعيش كرجل بسوريا, فمصيرك إما القتل أو السجن المؤبد أو عليك أن تهاجر في جنح الظلام ومن دون أن يراك احد”.
الخيار الأخر هو ان يرضوا بالعيش كالغنم ويقولوا سمعا وطاعة, والأكثر من هذا يجب ان يظهروا السعادة لحكم الأسد ويجب أن يهرجوا بتمجيده ليل نهار وإلا كانت حياتهم صعبة.
لقد تحول الشعب السوري بفضل سياسة الأسد هذه إلى وزراء-غنم, جنود-غنم, موظفين -غنم, أساتذة وطلاب- غنم , تجار وفلاحين- غنم.
مواضيع ذات صلة: كيف حكمت عائلة الاسد سوريا