تنبؤات بوتين 2015

monalisaموناليزا فريحة

بعد عطر بوتين وفودكا بوتين وسلع أخرى تحمل اسمه، صار للرئيس الروسي كتاب أحمر يضم أقواله المأثورة ، في إشارة هي الاخيرة الى طباع رجل يصوّر نفسه منقذاً لروسيا الحديثة ووارثاً شرعياً لامبراطورية اندثرت منذ زمن.
بعد سنة صاخبة للرئيس الروسي بخطاب أمام الجمعية العمومية وعودة عسكرية احتفالية الى الشرق الاوسط، كرمت مجموعة مقربة من الكرملين رئيسها بكتاب يجمع 19 خطاباً له ويحمل عنوان “كلمات غيرت العالم”. وقدّم الكرملين الكتاب الى نحو الف مسؤول وسياسي هدية في مناسبة السنة الجديدة، مع التشديد على وجوب الاحتفاظ به على مكاتبهم!
ليس هذا التقليد جديداً في الانظمة المماثلة التي غالباً ما تستعيد الخطب “اللامعة” لزعمائها، وإن تكن تعتبر تافهة في رأي آخرين. ففي ستينات القرن الماضي، صدر الكتاب الاحمر الصغير لماو تسي تونغ الذي بلغ عدد نسخه قرابة مليار ودخل مجموعة غينيس. وفي سبعينات القرن، خرج الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بأفكاره عن أنظمة الحكم والاشتراكية في كتابه الاخضر المضحك الذي فرض ترجمته الى معظم لغات العالم ومنها العبرية.
والكتاب الاحمر الروسي الذي سيترجم الى الانكليزية قريبا، ليس بعيداً من سياق الكتب التي سبقته. فمؤلفه على غرار أسلافه في هذه “المهنة”، لم يجد حرجا في الاعلان أن كل ما يقوله بوتين يتحقق، وأن كلمات الرئيس الروسي “نبوية”!
وفعلا، كانت سنة 2015 حافلة لبوتين الذي نجح في تحقيق بعض من خططه. أعاد تطبيع علاقاته الطبيعية مع الغرب بشروطه الخاصة، بعدما عزلته مغامرته الاوكرانية عن العالم والحقت العقوبات الاميركية والاوروبية عام 2014 ضرراً باقتصاد بلاده. ومع بلوغ الأزمة السورية مستويات جديدة هذه السنة، اغتنم الفرصة لتغيير قواعد اللعبة.
لعب بوتين لعبة ابتزاز جيوسياسي. بفرضه نفسه عائقا لا يمكن تجاوزه للتوصل الى حل سلمي للأزمة السورية، وطمح الى التفاوض على انهاء العقوبات الاقتصادية على بلاده. خطوة جريئة ذهب بها الى حد القيام بمغامرة عسكرية وديبلوماسية في سوريا آملا في مبادلة حل لسوريا بتسويات مع الغرب في شأن الازمة الاوكرانية وتالياً رفع العقوبات الدولية عن بلاده.
نتائج اللعبة متفاوتة حتى الان. في سوريا، نجح التدخل العسكري الروسي في منع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الاسد، وإن تكن المكاسب على الارض أقل بقليل مما كان متصوراً. وسياسياً، تمكن الضغط الروسي من ترحيل العقدة الرئيسية المتعلقة بمصير الاسد الى مرحلة لاحقة. ولكن في المقابل، أخفق بوتين في ادخال أوكرانيا ضمن الصفقة. ولعل تمديد الاتحاد الاوروبي العقوبات على روسيا وفرض واشنطن عقوبات جديدة عليها رسالة واضحة الى موسكو سيكون على بوتين التفكير فيها مليا سنة 2016.

*نقلا عن صحيفة “النهار” اللبنانية.

This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.