– مقدمة
إن من الخطأ الجسيم القول بأن دينٍ معين يناسب مجتمع ما أو دولة ما أو البشرية جمعاء، فمثل هذا الدين لم يوجد بعد، وربما أن قانون المعاملة بالمثل وفقاً لقاعدة “العينُ بالعَينْ والسِنُّ بالسِنْ” هي القاعدة المثالية والرياضية البسيطة التي ترضي كل إنسان ويمكن قبولها على صعيد المجتمعات، إلاّ أنها لا تصلح للدولة، لإنها ببساطة ستخلق مجتمعاً من المعاقين والمنبوذين. فالدين في مجمله إعتقاد وممارسة، مما يجعله لا ينسجم إلاّ مع الشخص الطبيعي (الفرد). وقد أدرك الإسلام ذلك بقوله: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” (يونس 99). فالشخص مناط الدين، وواسطة التعبير عنه، بينما تعجز الكائنات الأخرى كالجماد والنبات والحيوان عن ذلك. كما أن الشخصية المعنوية (الإعتبارية) هي الأخرى عاجزة عن القيام بتلك الممارسات الدينية المطلوبة إستناداً الى ذلك المعتقد والإيمان به. فليس هناك شركة مسيحية ولا منظمة مسلمة، كما ليس هناك دولة يمكن وصفها بهذا الدين أو ذاك، وما النص الدستوري الموجود في معظم الدساتير العربية الذي ينص على أن الإسلام دين الدولة، إنما هو قفز على الحقائق المادية المجردة وتحريف للواقع القائم. وهي في توجهها ذلك، لا تختلف كثيراً عن الحركات الإسلامية المتطرفة التي أصبح يطلق عليها بالحركات الإرهابية. إن ذلك اشبه بفرض نوع واحد من الطعام على جميع الناس صغاراً وكباراً، أصحاء ومرضى.
وفي السابق كان معظم الناس يعتنقون مذهب الملك أو الحاكم، وذلك لعدم نضوج الفلسفة الفردية التي تستند الى حقوق الفرد وحرياته، وتقرباً وموالاةً للسلطة، لذا قيل إن (الناس على دين ملوكها).
ومن هنا، فأن الدين إختيار شخصي، وما قيام الأبوين بمنح إبناءهم ديناً معيناً منذ الصغر، إلاّ فرض لمعتقد معين عليهم وتلقينهم ممارساته المطلوبة، مستغلين ضعف شخصية الفرد الصغير، مما سيخلق مستقبلاً أزمة وجدان حقيقي تدفع الفرد إما الى تغييره، أو إهمال ممارساته المطلوبة في أضعف الأحوال. وهذا ما عبَّر عنه نبي الإسلام بقوله: ” ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء” (صحيح مسلم). وشبَّه الصغير بالبهيمة التي لا تدرك معنى الدِينْ. لذا نرى اليوم، أن العديد من المذاهب الدينية وحتى الدول، تؤجل تسجيل ديانة الشخص حتى بلوغه سِنَّ الرشد وإختياره الدين الذي يرغب فيه ويراه مناسباً له ومنسجماً مع شخصيته وفقاً لمبدأ الحرية، وإستناداً لحق المعتقد كواحد من حقوق الإنسان.
شواهد تاريخية
تثبت جميع الشواهد التاريخية بأن إعتناق الدين قد جاء تلبية لمصلحة شخصية وإنسجاماً مع تطلعاتها وأهدافها. فالمسيحية، على سبيل المثال، ظلّت مضطهدة منبوذة طيلة القرون الثلاثة الأولى من عمر المسيحية، وظلّ المسيحيون مطاردون من السلطات الرومانية، مما إضطرهم إلى التعبد وممارسة طقوسهم الدينية في المقابر البعيدة عن أعين تلك السلطات. ولكن الحال تغير تماماً منذ أن أعلن الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول مرسوم ميلانو عام عندما حكم الإمبراطور الروماني قسطنطين العظيم روما بين عامي (306–337م) أصبحت المسيحية دين الإمبراطورية الرومانية المهيمن. ولا زال المؤرخون يجهلون أسباب تفضيل قسطنطين للمسيحية، وقد بحث علماء الدين (اللاهوتيون) والمؤرخين وناقشوا أي أنواع المسيحية اتخذه نهجاً. على الرغم من أن القديسة هيلانة والدة قسطنطين كانت مسيحية إلا إنها لم تجسر أن تعمده ولا ان تعلمه أنها مسيحية إلى ان كبر وأصبح فارسا وذهب إلى أبيه ففرح به لما رأي فيه من الحكمة والمعرفة والفروسية، وبعد وفاة أبيه تسلم المملكة ونشر العدل والأنصاف. ومنع المظالم فخضع الكل له وأحبوه وعم عدله سائر البلاد. إلا أنه لم تتوافق آراء العلماء حول ما إذا دان بدين والدته (المسيحية) في شبابه، أو كان تدريجياً على مدى حياته، وأنه لم يعمَّد حتى قبيل وفاته. لا بل مات وهو على الأرجح يدين بالوثنية. فأرسل إليه أكابر روما طالبين أن ينقذهم من ظلم مكسيميانوس. فزحف بجنده إلى إنقاذهم في حرب دارت رحاها على مكسيمانوس الذي ارتد هاربا وعند عبوره جسر نهر التيبر سقط به فهلك هو وأغلب جنوده. ودخل قسطنطين روما فاستقبله أهلها بالفرح والتهليل وكان شعراؤها يمدحون الصليب وينعتونه بمخلص مدينتهم. ثم عيدوا للصليب سبعة أيام وأصبح قسطنطين ملكا على الشرق والغرب. وسجل المؤرخ اوساويوس القيصري وبعض المصادر المسيحية الأخرى أن قسطنطين شهد موقعة كبيرة عام 312م في معركة جسر ميلفيو، وأمر قسطنطين قواته بتزين دروعهم برمز المسيحية، وبعد ذلك انتصروا. وإثر ذلك، أعلن قسطنطين في عام 313م “أن منح المسيحيين وغيرهم الحرية لاتباع الدين والنهج المناسب والأفضل لكل فرد منهم لهي خطوة أخلاقية صائبة “، مما منح التسامح لجميع الأديان، بما فيها المسيحية. وهذه الحادثة أشبه بخدعة رفع المصاحف في الإسلام، حيث كان رفع الرموز الدينية وسيلة لإخضاع الخصم وإضعاف العدو. وهي وسيلة متبعة حتى يومنا هذا وعلى الصعيد الشعبي من خلال مقاطعة شخص أو مجموعة أشخاص بالقول: “صَلي على النبي”، أو “قول يا الله”، وهذه أبسط وسيلة لإسكات المقابل فرداً أو جماعة، وتشتيت إنتباهه عن قضية ما، وتخفيض لمستوى التوتر والشِجَار.
إلا إن المسيحية التي إنتصرت مع الإمبراطور الروماني قسطنطين قد فشلت في تحقيق أهدافها مع قائد المغول هولاكو الذي دخل بغداد عام 1258 وإستباح المدينة وحول مياه النهر الى لون دم الضحايا ولون حبر الكتب والمخطوطات التي رماها فيه وأتلفها. وكانت زوجة هولاكو مسيحية من الكنيسة النسطورية وتدعى دقُوز خاتون، وقيل أيضاً أن أمه كانت مسيحية أيضاً وتدعى سركوتي باجي. وإذا كان هولاكو قد ضَمِن حياة المسيحيين وقرب رئيسهم الديني الجاثليق مكيخا الثاني ومنحه قصر الخليفة المسمى بالدويدار الذي حوله الى كنيسة، فإن المغول، بعد أن تحولوا الى الإسلام، بفترة وجيزة لم تتجاوز 37 عاماً، عادوا الى إضطهاد المسيحيين منذ عهد محمود غازان عام 1295، وتفاقم ذلك في عهد تيمورلنك لاحقاً. وفي تقديري أن المغول وجدوا أن الدين المسيحي لا يتناسب وطموحاتهم في التوسع والإنتشار وفتح البلدان مما يقتضي القتل والسبي، وهذا ما لا يُقِره الدين المسيحي. وسرعان ما وجدوا في الإسلام ما يحقق لهم ذلك، وهذا ما قاد الى ضمان إستمرار حكمهم لفترة طويلة.
المسيحية دين الضعفاء
والواقع إن تعاليم المسيحية المتسامحة والداعية الى المحبة بما في ذلك الأعداء والصفح عنهم، لا تتناسب مع الأشداء الذين ينزعون لإستخدام القوة، لهذا فإن هذا الدين يتناسب للضعفاء وينسجموا مع تعاليمه في تناغم تام. وهذا يفسر لنا لماذا كان أوائل من إعتنقوا المسيحية -من غير الرسل- هم من فئة النساء. ورأينا في الشواهد التاريخية كيف أن أم قسطنطين كانت مسيحية، وكذلك أم هولاكو، وغيرهما الكثير.
وفي يومنا هذا فإن النساء وتحديداً (المتزوجات) يفضلن المسيحية، لأن تعاليمها تقضي بعدم الطلاق أو تعدد الزوجات. في الوقت الذي يفضل الرجال المسيحيون، وعلى الأخص المتزوجون منهم -بإستثناء الضعفاء- تعاليم الإسلام وتطبيقاته في ذات المجال.
لذا يمكن وصف المجتمعات المسيحية بأنها (مجتمعات أنثوية) تكون السيادة فيها للإناث من النساء، وبالمقابل نجد أن المجتمعات الإسلامية هي (مجتمعات ذكورية) تكون السيادة فيها للذكور من الرجال. إن هذا الوصف لا ينطوي على تفضيل وصف على آخر، أو إنتقاصاً من مجتمع لحساب آخر.
أما القول بأن الدول الغربية هي مسيحية وهذا هو سِر إنتصارها، فهو قول يجافي الحقيقة والواقع، فلو كانت تلك الدول مسيحية حقاً لما إنتصرت في صناعة الحروب، لأن صناعة الموت ليست صناعة مسيحية. ومن يعرف الغرب وزاره يدرك ذلك تماماً. ولا يغرّنكم حضور بعض رؤساء الغرب للصلاة، فإيمانهم لا يزيد عن إيمان كفار قريش بالإسلام. وحضور لعض الطقوس الدينية هو لخداع البسطاء ولإضفاء الشرعية على القتل والسرقة لاحقاً، فقد دخل جورج بوش الإبن الكنيسة وصلى قبل إتخاذ قرار الحرب على العراق، ولو كانت تلك الصلاة حقيقية وصادقة لتحول العراق الى جنة وتحول العراقيون للنصرانية. إن هذه الحقائق بدأ مسيحيّو الشرق يدركونها وإن بشكل قاصر، وبدانا نسمع ولأول مرة عبارة: “أن الغرب لم يعد مسيحياً”. والحقيقة أن الغرب لم يكن يوماً مسيحياً لكي يتخلى عنها اليوم. فمن الغباء الإعتقاد أن الحروب الصليبية قد قامت لخدمة الصليب وإنها حققت تلك النتيجة المرجوة، وأن القائمين عليها -بضمنهم البابا- كانوا أكثر إيماناً من الآخرين.
لا بل أن سعي الدول الغربية التي إعتنقت المسيحية الى تأجيج الصراعات وخلق الحروب إنما هي رغبة الضعيف في كسر القوي وتحطيم إرادته، وإن كانت كامنة في داخله، لأنه لا يريد أن يكون هناك من هو أقوى منه، مستخدماً في ذلك كل الوسائل المتاحة، حتى تلك الغير حقيقة منها، فقدتم القضاء على الإتحاد السوفييتي سابقاً بحجة أن الشيوعية عقيدة كافرة تحارب الدين، والحقيقة التي لا مراء منها، أن كارل ماركس أكثر ايمانا من جورج بوش. كما لا يشترط أن يكون ذلك القوي مسلماً أو حتى مسيحياً، فقادة يوغسلافيا السابقة كانوا مسيحيين أرثوذكس، وكانوا أشداء على المسلمين. ومع ذلك وقف الغرب (المسيحي) ضدهم بقوة، حتى إعتقد المسلمون أن أمريكا تدافع عنهم أكثر من الدول الإسلامية، ولكن في واقع الأمر المسألة ليست كذلك. وإنما رغبة كامنة في الضعيف لتطيم من هم أقوى منه، ليبقى هو الأقوى. وهذا ما قاد الى الحربين العالمتين الأولى والثانية والتي كانت من أهم أهدافهما هو تحطيم الإمبراطوريات الكبيرة مثل الإمبراطورية الألمانية، وإمبراطورية النمسا والمجر، والإمبراطورية العثمانية وتقسيمهما. لا بل أن القضاء على الحكومات العربية قد إستهدف فقط الحكام الأقوياء مثل عبد الناصر، وصدام حسين ومعمر القذافي.
كما إن ذلك يمكن أن يفسِّر لنا لماذا يتنقل بعض الأشخاص من دين لأخر. إن ذلك يجري ببساطة وفقاً لتناسب ذلك الدين وإنسجامه مع شخصية الفرد المعني.
ومن الأمثلة على ذلك، وزير الخارجية العراقي الأسبق طارق عزيز الذي قال: ” أنه أقرب إلى الإسلام منه إلى المسيحية، مشيراً: “لم أكن مسيحياً متديناً في يوم ما”، وقال إنه لم يعلن إسلامه كي لا يعتقد البعض أنه بذلك يريد منصباً كبيراً في العراق. وكان المسيحيون الأشوريون أقوياء ليس بتعاليم المسيحية بل بالطبائع البيئية الإسلامية المكتسبة طيلة قرون، حتى أن هيئة جمع المعلومات عنهم التي أرسلها رئيس أساقفة كانتربري عام 1876 قد لاحظت: “أن رجال الدين (المسيحيين الاشوريين) هم أخبر بالبندقيات منهم بأصول الدين. ولم تكن دهشة أسقف أورشليم الأنگليكاني بالقليلة أثناء زيارته المطران (سركيس) في صيف العام 1833عندما شاهد بندقية معلقة على حائط غرفته وصندوق عتاد لها تحت سريره”.
وبالمقابل ينتقل مسلمون الى المسيحية عندما يجدون في الدين الجديد ما يلائم شخصيتهم، وما ينسجم مع طبائعهم. ويستثنى من ذلك أولئك الذين يغيرون دينهم لإغراض معينة كالحصول على المال، أو الإقامة الرسمية، أو لغرض التجنس بجنسية معينة. فمثل هذه الحالات لها علاقة بالظروف البيئية لا بالطبائع الشخصية.
والأكثر من ذلك، أنه لا يمكن فهم أي دين بمعزل عن العوامل الفكرية والنفسية لشخصية النبي أو الرسول. فما من نبي أو رسول قد تلقى رسالته كاملة مثل أي علبة غذاء جاهز، بل إنها نتيجة وخلاصة تفاعل لشخصية النبي مع بيئته. وهذا لا يعني قطعاً إنسجامهم مع تلك البيئات، بل كانوا في الأساس معترضين عليها ومنتقدين لها. فالمسيح ظلَّ طيلة حياته يخاطب اليهود بعبارة “يا أولاد الأفاعي”. ومحمد ظَلَّ يخاطب مجتمعه بعبارة ” أَفَلَا تَعْقِلُونَ”. وهكذا فلا يمكن فهم المسيحية دون دراسة شخصية يسوع المسيح، كما لا يمكن فهم الإسلام بمعزل عن شخصية محمد العربي. كما إن من الخطأ النظر الى حياة الأنبياء من الخارج فقط، فالصورة ستبدو بلا شّك رائعة، ولكنها قطعاً لن تكون هي الصورة الحقيقية. فقد تبدو الصورة مناقضة للجوهر، أو في الأقل بعيدة عنه. فمن يزور كاتدرائية القديس بطرس في الفاتيكان بروما سيجد أن صورة المسيح رائعة مبهرة، وهي قطعاً ليست الصورة الحقيقية. بل هي صورة ليوناردو دافنشي أو مايكل أنجلو عنه، حيث يبدو المسيح أبيض البشرة، أشقر الشعر، وأزرق العينين. وهذه الصورة لم تعرف عن المسيح حقاً. كما أن الصورة التي رسمها البخاري وإبن تيمية عن محمد ليست واقعية أو حقيقة تماماً. وهذا ما يجعل الطارئون على الدين، ونقصد بهم فئة أولئك الذين يستوردون الدين من الخارج، أو يأتيهم مثل العلب الجاهزة، سيختلف فهمهم عنه، بمقدار إختلاف من يتناول طعامه جاهزاً عن ذلك الذي يعِّد مكونات طعامه بيده. فالدين دخل على اوروبا من الخارج فهو أجنبي عن طبيعتها وتاريخها. فهو لم ينزل بلغاتهم القومية، ولا أفصح عن حاجات بيئتهم، ولا امتزج بتاريخهم، وكثيراً ما يجري فهمه بطريقة مشتطَّة وبعيدة عن الأصل. وعلى كثرة وتنوع المبشرون المسيحيون في الغرب ممن يطاردون البشر ويلاحقونهم ليل نهار، لن تجد أي منهم يعرف لغة المسيح أو حتى إسمها، فكيف يبشر بشخص لا يعرف حتى لغته. لهذا تراهم يتمسكون بالحرف الى الحد الذي يقتلون فيه روح النص. ويجادلك حرفياً حول كلمة واحدة في الكتاب المقدس، متناسياً أن هذا الكتاب الذي بين أيديه قد ترجم الى عشرات اللغات وطبع عشرات الطبعات، وإن ترجمته عن الأصل قد تكون مختلفة تماما عما هو موجود في النسخة الأصلية وباللغة الأم. وبالمقابل فإن المتطرفين الإسلاميين ينتهجون نفس النهج في التقيد حرفياً بعيداً عن روح النص وجوهره. وبالتأكيد سيجد المرء فهماً مختلفاً للإسلام في أفريقيا والقوقاز.
الإسلام دين قوة
ما زال المسلمون عن وعي أو بدونه، يستمدون العزيمة والإصرار من إنتصار محمد اليتيم على العرب جميعاً بل وحتى الفرس والروم، وهما أكبر إمبراطورتين ليس في ذلك الزمان فحسب، بل على مَر التاريخ. ولقد صاغ محمد أفكاره من تجربته الشخصية وبيئته القاسية. وما زالت المجتمعات الإسلامية مجتمعات قوية وقاسية الى حد ما. في حين التزمت المجتمعات الغربية، التي إتخذت المسيحية لاحقاً، أسلوب المراوغة الخبيثة.
وبالتأكيد، فإن الذين إنضمّوا الى الإسلام قد وجدوا فيه ما يناسب صفاتهم الشخصية وطموحاتهم الفردية، فالكثير من الشعوب قد دخلت الإسلام دون قتال، فالأكراد قد تحولوا الى الإسلام على يد خالد بن الوليد دون أن يفتح المسلمون كردستان. بل لقد وجد الأكراد، وهم شعب جبلي محارب، في الإسلام ما يعزز صفاتهم القتالية ويحقق مصالحهم، ومن صلبهم خرج قادة مسلمين عظام على رأسهم صلاح الدين الأيوبي. وظَلّوا أوفياء لخليفة المسلمين لحين سقوط الخلافة قبل مئة عام تقريباً.
وكما أسلفنا، فإن المجتمعات الإسلامية هي مجتمعات ذكورية صِرفة، وأحكام الشريعة ونصوص القانون تدعم سلطة الرجل القوي، أما الضعفاء منهم فيميلون الى الغرب، لذا تجدهم سرعان ما يغادرون دولهم الى الدول الغربية. إن وصف المجتمعات بصفة ما لا يعني بأي حال من الأحوال التقليل من شأنها، وإنما لوصف حالها ليس إلاّ.
ولادة وعي جديد
أن حركة التاريخ ومجريات الأحداث قد خلقت وعياً جديداً يساعد على فهم الواقع الدولي أكثر من ذي قبل. فمن رحم المعاناة يولد الإدراك. فاليوم أدرك المسلمون أن الذين قادوهم لمحاربة السوفييت الكفرة ليسوا أكثر إيماناً منهم، وإنما أستخدم الدين كباعث يحفز المسلمين للقتال. كما أدرك مسيحيُّو الشرق أيضاً أن الغرب ليس مسيحياً، وأن الكنيسة في الغرب ليست أكثر من عامل مساعد الى جانب الدولة تؤدي خدمة عامة أشبه بالشرطة وأجهزة المخابرات. ومن هذا المنطلق نشأت الحركات الإسلامية المتطرفة التي ولدت من نطفة المناهج الإسلامية المتشددة، ونمت في رحم المؤسسات الدينية. وما الفرق بينهما سوى أن العنف يمارس في الحالة الأولى من خلال أجهزة متخصصة كالجيش والشرطة والمخابرات، وهي كلها مؤسسات حكومية تابعة للدولة، في حين أن المسلم المتشدد أو المتطرف يقوم هو بهذا الدور المزدوج فيصلي ويمارس العنف معاً، نظراً لإفتقاره لأجهزة حكومية متخصصة.
ما العمل إذاً؟
وإذا كان الدين في الخلاصة، مرتبطاً بشخصية الفرد، فما العمل إذاً لتفعيل ذلك في حياتنا العامة، وكيف يمكن توظيف ذلك في خدمة مجتمعاتنا لإنتشالها من واقعها البائس والمرير معاً؟
أن خطوات جريئة قليلة من شأنها أن تساعدنا في ذلك، وهي: –
يجب وضع الدين في إطاره الشخصي وعدم تجاوزه الى الإطار المجتمعي، لأن ذلك سيوّلد صراعاً مع المجتمعات الأخرى.
إخراج الدولة من مفهوم المؤمن والمتدين. فالدولة لا دين لها. وإيمانها لن يدخلها الجنة. ورفع كافة النصوص التي تدعم ذلك التوجه الخاطئ أينما وردت سواء في الدستور أو القوانين الأخرى.
عدم إقحام الدين في كل المسائل الحياتية البعيدة عن دائرة الدين، لما يسببه لك الإقحام من أضرار كبيرة. إن ذلك أشبه بإدخال خشبة كبيرة في ثقب صغير.
توظيف خصائص الدين في تعزيز المجتمعات والدول بصفتها قواعد بشرية غير مقدسة وقابلة للتعديل والتغيير، ولا يقيد ذلك إلا مصلحة المجتمع.
الإستعانة بقواعد الأخلاق لتعويض النقص في القواعد الدينية. وتقديمها في حالة التعارض مع تلك القواعد الدينية. ويظهر المثل واضحاً في إستبعاد طائفة غير المؤمنين بالدين ومعاملتهم بشكل سيء بإعتبارهم كفار (غير مؤمنين)، في حين تتناقض قواعد الأخلاق مع هذه القاعدة الدينية، بصفتهم بشراً يستحقون التعامل مع الأخرين بالمساواة فيما بينهم.
الإبتعاد عن تطبيق فكرة العيش السماوي على الأرض. فالحياة تعاش بصفتها أرضية ليس إلاّ.
تجنب أصدار أحكاماً إلهية، لأن ذلك ليس من إختصاص البشر.
إن من شأن هذه القواعد أن تضع الدين في أي مجتمع في إطاره الصحيح تجنباً لخلق صراعات داخل المجتمع ذاته، وخارجه أيضا مع مجتمعات أخرى.
د. رياض السندي
كاليفورنيا في 30/11/2017
١: مقال تحليلي سليم تشكر عليه ؟
٢: ما لا أوافقك عليه هو أن معظم الدول الأوربية كانت مسيحية الفكر والهوى والعقيدة حتى نهايات القرن التاسع عشر ، وعلى ضوء مبادئها وقيمها بنت أفرادها ومجتمعاتها ؟
٣: ما لا يعرفه الكثيرون أن سبب الحربين العالمتين بطريقة وأخرى هم قادة اليهود الخبثاء ، الذين إبتلاهم ألله بشر أعمالهم على يد هتلر ، وبقوا كحصان طروادة منذ نشأتها ولليوم في إدخال المفاهيم الفاسدة للمسيحية لكسرها وتفتيتها ، خاصة بعد سيطرتهم على رأس المال والإعلام في العقود الاخيرة ودورهم في جر العالم للحروب الدينية والمذهبية ؟
٣: وأخيراً …؟
كيف تفسر {لو تعمق المسلم بدينه والتزم صار محرماً أو إرهابياً ، ولو تعمق المسيحي بدينه والتزم صار قديساً وعمل معجزات } والأمثلة كثيرة جداً من الفريقين ، وكيف يكون العبوا عند المقدرة ضعفاً ، سلام ؟