الفن الجيد دائماً مدرسة مفتوحة 24 ساعة، مدرسة بدون جدران أو فصول أو ناظر أو حصص… إلخ، والمسلسلات التى نشاهدها الآن، فضلاً عن الأحاسيس والمشاعر وتفاصيل الحكايات التى نتابعها، هى أيضاً تعلّم المشاهد، أو المفروض أنها كذلك، وليست القصة فقط وليس الحوار فقط هو الذى يعلمنا، ولكن كواليس المسلسل واختيارات طاقم العمل وطريقة تفكيره وعمق اختياراته، كل هذا يمنحنا دروساً جديدة وطرق تفكير مختلفة، أكبر مثال على هذا طريقة تفكير الفنانة يسرا وطريقة تفكير الفنانة نيللى كريم هذا الموسم الرمضانى. يسرا قررت وفكرت خارج الصندوق فنجحت، نيللى كررت ولعبت فى المضمون فأخفقت، يسرا استخدمت خبرتها الفنية الطويلة وحصيلة كل تجارب الدراما والسينما الماضية، وطرحت على نفسها سؤالاً مهماً: لماذا لم تنجح بعض مسلسلاتى الأخيرة وما أوجه النقص فيها؟ سؤال مشروع ويحتاج مواجهة وصدقاً مع النفس، قررت تغيير جلدها الفنى واختارت بذكاء شخصية مختلفة مركبة تتميز بالشر والذكاء، معقدة نفسياً لكن بدون تشنجات وشرود وتبريق وبربشة، شخصية ما يظهر منها على السطح قمة جبل جليد ولكن ما هو فى القاع منتهى الشر والغل والحقد. فوق مستوى الشبهات قصة اجتماعية فى كومباوند به خيوط كثيرة وشخصيات متباينة، والذكاء أن هذه الشخصيات لها حكاياتها الخاصة الغنية التى تحلّق بعيداً عن شخصية رحمة التى ليست بالضرورة متداخلة ومقحمة فى كل جملة مفيدة فى المسلسل، هذا الغنى فى الشخصيات والثراء فى الأحداث منح العمل إيقاعاً لاهثاً سريعاً جذاباً، عين يسرا فى المسلسل تمنح إشعاعاً ووهجاً وألقاً للمشهد بنظرة الخداع ولفتة الشر، مرونة أداء مذهلة، تمرد مدروس غير عشوائى، هذا هو رهان الفنان الذى يفهم جيداً أن العناد مع الزمن ليس فى صالحه ويخصم من رصيده. على العكس كانت نيللى كريم، وهى ممثلة مجتهدة وحققت فى مسلسل «ذات «رصيداً هائلاً عند الجمهور، وأعتقد أنه أفضل أعمالها الدرامية، للأسف وبرغم أن الفن مغامرة مزمنة اختارت نيللى كريم الطريق الذى تعرفه وأوهمها نقاد كثيرون أن هذا هو أفضل ما تجيده، وأن دراما السيكو والإدمان تطلق ما فى مكنون الفنان… إلى آخر هذه الأسطوانة المشروخة التى كثيراً ما تخدع الممثل وتضخم من غدة النرجسية عنده، ومع إغراء تمثيل الشخصية المريضة نفسياً التى تمنح مفاتيح متنوعة للأداء ولوكيشن المصحة النفسية الغنى، تقع الممثلة فى الفخ برغم أن تمثيل الشخصية الطبيعية أصعب لأن الجهد المبذول فى البحث عن مفاتيح أداء أكبر، للأسف فكرت نيللى كريم بنمطية فخرج الدور مملاً بأداء روتينى وعينين محايدتين لا تحملان أى بريق جاذب للمشاهدة والمتابعة. إذا أفلت خيط الأداء فى شخصية المريضة نفسياً وإذا تحول المستشفى أو المصحة النفسية إلى مجرد استعراض لشذرات غريبة ونظرات شاردة وتبريقات غريبة وتقلصات عجيبة من هنا وهناك، تحول الأمر إلى سيرك درامى كارثى، وهذا ما حدث للأسف فى مسلسل سقوط حر.
فلنتعلم حتى من الدراما أن المغامرة فى الفن ليست مقامرة وأن الطريق غير المعبّد والممهد أحياناً يصل بك إلى هدفك وغايتك وطموحك بطريقة أفضل وأخلد.
نقلاً عن الوطن