فايز سارة
يكثر الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية المهتمة بالقضية السورية عن تقسيم سوريا في عداد الخيارات والاحتمالات، التي ستذهب إليها سوريا في إطار حل مستقبلي لكارثتها الراهنة، التي تشارك نظام الأسد وقوى التطرف والإرهاب وعلى رأسها «داعش» وأطراف داخلية أخرى، وقوى إقليمية ودولية، ساهمت جميعها في وصول القضية السورية إلى بوابة الحديث عن التقسيم في احتمالات المستقبل السوري.
وفي الحقيقة، فإن كثرة الحديث عن التقسيم، تستند إلى أمرين أساسيين، أولهما جملة المشاريع، التي طرحت لتقسيم سوريا في خلال قرن مضى، وهذه تعددت وتنوعت، وبعضها – كما حدث أيام الانتداب الفرنسي – انتقل إلى حيز التنفيذ العملي، لكنه سرعان ما أصابه الفشل الذريع، وعادت بعده سوريا كيانًا موحدًا، بل وجرى تثبيت هذا الكيان باعتباره كيان سوريا، التي كنا نعرفها حتى قيام ثورة السوريين في 2011.
والعامل الثاني في طرح فكرة التقسيم مستمد من الوقائع الراهنة القائمة في سوريا، والتي يشير الأمر الواقع إلى تشكل عدد من الكيانات، أولها كيان يسيطر عليه الجيش الحر في جنوب البلاد في درعا والقنيطرة، وينازع فيه النظام على السويداء، والثاني كيان يضع عليه نظام الأسد يده، يمتد من دمشق عبر الطريق الدولي، ليشمل حمص وحماه إضافة إلى طرطوس واللاذقية، والثالث كيان يمتد ما بين إدلب وحلب، وتسيطر عليه تشكيلات معارضة إسلامية، والرابع كيان يسيطر عليه تنظيم داعش، ويمتد عبر الريف الشرقي لحلب وحماه وحمص إضافة إلى دير الزور وبعض الرقة والحسكة، والكيان الخامس تسيطر عليه وحدات الحماية الشعبية الكردية المتحالفة مع قوى من الجيش الحر شاملاً أجزاء من محافظتي الحسكة والرقة.
وسط هذا التقسيم القائم «واقعيًا» وفي ظل المشاريع القديمة – الجديدة، يتم الحديث عن تقسيم سوريا. غير أن هذا الحديث تبشيري أكثر مما هو واقعي، لسببين: أولهما أنه حديث في ظل أزمة متصاعدة، وتوازنات سياسية – عسكرية غير مستقرة، وخاضعة لتغيرات سريعة، وفي ظل احتمالات تغيير في مواقف القوى الخارجية في الموضوع السوري، وفي ظل عدم وجود قرارات دولية حول مستقبل سوريا، لا يمكن الجزم بخيار واضح ومحدد حول مستقبل سوريا الذي من المؤكد، أنه لن يكون على نحو ما كان واقعا قبيل مارس (آذار) 2011.
إن موانع التقسيم في منطلقاتها مستمدة من موانع ذاتية، تتعلق بالسوريين وبواقع الكيانات، التي يمكن أن تنشأ، فيما تتصل الموانع الموضوعية بالمحيط الإقليمي والدولي ومسارات سياساته حيال القضية السورية.
لقد أدت سياسة النظام وقوى الإرهاب الدموية والصراعات المسلحة وعمليات التهجير الواسعة إلى إضعاف الموانع الذاتية في رغبة السوريين في حياة مشتركة وربما كيان واحد. غير أنه لا يمكن رؤية هذا التطور إلا في ضوء استثنائية الوضع السوري الراهن، بمعنى أن عودة السلام والاستقرار في سوريا، يمكن أن تحدث تبدلات جوهرية في هذا الجانب، خاصة في ظل عوامل أبرزها التداخلات السكانية من حيث توزع الانتماءات القومية والدينية والطائفية على غالبية المحافظات السورية، وكذلك الروابط والمشتركات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتداخلة للسوريين، ولعل الأهم مما سبق، يتمثل في إرادة السوريين في عيش مشترك ودولة واحدة، وحتى اللحظة، ما زالت مشاريع وأصوات السوريين الداعية للتقسيم، أضعف من أن يلاحظها أحد.
ولا شك أن الموانع الخارجية لتقسيم سوريا، أهم من الموانع الذاتية، ليس فقط، لأن القوى الإقليمية والدولية، صارت صاحبة القول والفعل في القضية السورية منذ أن فتح النظام الباب للتدخلات الخارجية الواسعة في سوريا منذ عام 2011 فقط، إنما أيضا لأن القوى الداخلية – بما فيها نظام الأسد – باتت أضعف من أن تؤثر في الواقع السوري بصورة ملموسة.
إن الأبرز في العوامل الخارجية المانعة للتقسيم، هو موقف دول إقليمية فاعلة وقوية وأبرزها تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر، سواء بسبب مخاوفها من ارتدادات عملية التقسيم عليها طبقًا لما هي المخاوف التركية، أو رغبة منها في الإبقاء على الكيان السوري موحدًا لأسباب متعددة كما هو الموقف السعودي والمصري، أما الأهم في الموقف الدولي فهو عدم قدرة المجتمع الدولي، ولا سيما دوله المؤثرة على القيام بإعادة رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط على نحو ما حصل بداية القرن الماضي، عندما وضعت خريطة سايكس – بيكو، التي رسمت خريطة دول المنطقة آنذاك، وتقسيم سوريا سيفتح الباب على رغبات ومطامح وأهداف متناقضة، تأخذ المنطقة ودولها إلى صراعات وعنف، يبدو العالم اليوم في غنى عنها، وأبعد عن احتمالها.
وفي كل الأحوال، ورغم موانع تقسيم سوريا في سياق احتمالات مستقبلها، لا ينبغي إغماض العيون عنه، لأن التطورات على الأرض والمواقف الخارجية في تغييرات محتملة، وقد تكون سريعة، بصورة يمكن أن تطرح القضية على طاولة البحث، وقد تأخذها إلى دائرة التنفيذ في لحظة جنون، لأن أحدًا لم يكن يتوقع أن يصير الوضع السوري على ما هو عليه، وأن تتحول سوريا إلى بؤرة للتطرف والإرهاب، فقد كان ذلك مجرد خيال.
نقلا عن الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
-
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربية
-
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربية
-
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربية
-
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربية
-
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربية
-
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربية
-
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربية
-
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربية